الأميركيون وقواعد اللعبة الجديدة في لبنان

الأميركيون وقواعد اللعبة الجديدة في لبنان
الجمعة ٠٣ سبتمبر ٢٠٢١ - ٠٢:٤١ بتوقيت غرينتش

حملت زيارة وفد الكونغرس الأميركي إلى بيروت برئاسة السيناتور كريستوفر مورفي أبعادا سياسية وإقتصادية بالغة الدلالة هذه المرة.

العالم ـ لبنان

كان الأميركيون أبعدوا أنفسهم عن المنظومة السياسية اللبنانية منذ إندلاع إنتفاضة "17 تشرين الأوّل" عام 2019. وساد الإعتقاد في أوساط الأميركيين خلال عهد الادارة السابقة ان لبنان دخل مرحلة جديدة، وان "ثوار 17 تشرين الأوّل" سيحققون ما عجزت عن تحقيقه قوى "14 آذار" مجتمعة في أيام عزّها. لكن، بعد سنة، تضاءلت الآمال الأميركية، وتمّ إكتشاف حقائق أبرزها أنّ لبنان بلد معقّد: كيف يمكن إسقاط منظومة سياسية تستند إلى نظام طائفي عميق الجذور؟ لم تستطع كل منظمّات "المجتمع المدني" أن تفكّك شيفرات المنظومة السياسية.

جرى التركيز على شيطنة الزعامات والأحزاب، وتحميلها مسؤولية خراب البلد إقتصادياً. كانت المفاجأة أنّ اموالا جرى ضخّها في شرايين الجمعيات المذكورة: أين ذهبت؟ كيف صُرفت؟ لماذا لم تُنتج في لبنان تغييرات جوهرية؟.

ويقول الكاتب السياسي عباس ضاهر صحيح أنّ اللبنانيين ناقمون على السياسيين بسبب توسّع مساحات الأزمة. لا تخلو منطقة ولا بيئة ولا عائلة من رفع أصوات الإعتراض على الأداء السياسي، لكن لم تستطع "ثورة 17 تشرين الأوّل" أن تقدّم بدائل مقنعة او موثوق بها. يطول الشرح هنا. لكن بالمحصّلة، سقطت تجربة تلك الثورة، وبقي الرهان قائماً نسبياً على ما ستقدمه منظمّات "المجتمع المدني" التي تكاثرت وتسابقت، فإزدحمت أعمالها. فهل هي تتحضّر للعب دور في الإنتخابات النيابية المقبلة؟

أثبتت دراسة اجراها مركز الإستشراف الإقليمي للمعلومات، ولم تُنشر نتائجها، أن اللبنانيين لا يزالون يتمسّكون بأحزابهم، ولم يبتعدوا نسبياً عن زعاماتهم. بيّنت الدراسة ان النقمة موجودة بحقّ كل المنظومة السّياسية، لكن عدم وجود بدائل في زمن الأزمة لن يُبعد اللبنانيين عن خياراتهم. فإذا أطلّت الأحزاب بوجوه جديدة، وطوت نهائياً صفحات نوابها ووزرائها التقليديين، تستطيع ان تكسب اصوات جماهيرها، تحت عنوان: اذا لم تستطع ان تغيّر في الأشياء، غيّر في الأسماء.تراقب العواصم الدولية مسار الوقائع اللبنانية، وهي باتت تُدرك ان "ثورة 17 تشرين الأوّل" إنتهت مفاعيلها، في وقت تركّز فيه العواصم الغربية على محاصرة "حزب الله"، بعد فرض عقوبات عليه، وزيادة الضغوط الاقتصادية والسياسية على لبنان، بهدف إثارة اللبنانيين ضد الحزب المذكور. لكن، هل خفت نجمه؟ هل إرتبكت جماهيره؟ هل تضرّرت صورته الشعبية؟ أظهرت كل المعطيات ان الحزب المذكور لم يتأثر إقتصادياً، بسبب تقاضي مناصريه رواتبهم الكاملة بالعملة الصعبة، الدولار الأميركي. مما زاد في صلابة شعبيته، من دون اي تفكك. وبيّنت الوقائع ان كل اللبنانيين تضرّروا جرّاء تلك الخطوات الدولية، العربية والغربية.

يتابع الكاتب سمع وفد الكونغرس الأميركي مطالعة كاملة من رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري مفادُها وجوب إستثناء لبنان من قانون قيصر الذي فرضه الاميركيون بحق سوريا. زاد القانون المذكور من ازمات اللبنانيين، لأنه منع شركاتهم وتجّارهم من التعامل مع سوريا. علما ان جغرافيّة البلدين تحتّم التعاون والتنسيق والتبادل التجاري بين بيروت ودمشق. أبدى الوفد الاميركي الذي يتكوّن من اعضاء فاعلين في الحزب الديمقراطي الحاكم حالياً كل تجاوب، ووعد بطرح الطلب في الكونغرس الاميركي، أسوة بما حصل بطلب العراق بشأن إيران.

يمكن هنا العودة أيضاً الى رغبة أردنيّة عبّر عنها الملك عبدالله الثاني في زيارته للولايات المتحدة الاميركية، فإقترح على ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن استثناء بلاده من قانون قيصر ايضاً. هنا تلعب الجغرافيا دورها الطبيعي، لتأتي تطورات السياسة الاقليمية تصب في هذه الخانة.لذا، سيكون الغاز اول عنوان لعودة شريان الاقتصاد من وعبر سوريا بإتجاه لبنان. وهنا بالذات، لا يمكن ابعاد عامل البواخر الايرانيّة التي يستقدمها "حزب الله" الى بانياس السوريّة ثم عبر ناقلات نفط الى لبنان، مما دفع بالأميركيين الى اعادة النظر بقرارات عقابيّة مستترة تمّ اتخاذها بحق لبنان، ليتم عبر الادارة الاميركية الجديدة نسف كل توجهات الادارة السابقة. لقد اصبح ديفيد شينكر وخطواته من الماضي، وبات مورفي وتوجهات ادارته عناوين للآتي.