مساعي سعودية وإماراتية لشراء ولاءات القبائل اليمنية

مساعي سعودية وإماراتية لشراء ولاءات القبائل اليمنية
الخميس ٠٩ سبتمبر ٢٠٢١ - ٠٦:٠٦ بتوقيت غرينتش

حتى أواخر العام 2014، كانت السعودية تحتفظ بعلاقات واسعة مع كبرى القبائل اليمنية، لكنها فقدت معظم تلك العلاقات التي بنتها على مدى عقود، بسبب تدخلها العسكري في اليمن، والذي يتناقض مع مصالح القبيلة ويقوض سلطتها التقليدية التي تقوم مقام الدولة. وضاعف انكشاف أجندة التحالف السعودي ــ الإماراتي في المحافظات الجنوبية والشرقية والساحلَين الغربي والشرقي للبلاد، أزمة الثقة في أوساط ما تبقى من قبائل موالية للمملكة.

العالم - اليمن

بنت السعودية خلال العقود الماضية، علاقات تاريخية مع القبائل اليمنية في معظم المحافظات، وتمكنت عبر «اللجنة الخاصة» بإدارة الملف اليمني التابعة للديوان الملكي، من شراء ولاءات عدد كبير من الزعماء القبليين، وتحديدا في محافظات صنعاء وذمار والبيضاء وحجة وصعدة.

لكن كل ذلك لم يسعفها في تطويع القبيلة بشكل كلي لصالح حربها، على رغم تفعيلها عدة آليات لإدامة تلك العلاقات وتعزيزها، واعتمادها سياسة الإغراءات المالية، فضلا عن تبنيها عبر الأحزاب الموالية لها، كحزب «الإصلاح» حملات استقطاب مدفوعة بامتيازات متعددة كمنْح القيادات القبلية رتبا عسكرية عليا ومناصب وزارية.

وتعاملت السعودية مع القبيلة كمخزون بشري لتغذية الجبهات المناهضة لحركة «أنصار الله» بالمقاتلين، وخلال العامين الأول والثاني من الحرب أغدقت على معظم القبائل المال والسلاح بهدف تشكيل ألوية عسكرية كاملة من أبنائها، وخوض القتال نيابة عنها. وعلى رغم ما تقدم ظلت الرياض تشعر بأن الزمام القبلي خارج عن سيطرتها، خصوصا في ظل بروز حالات تمرد على المزاج الموالي للسعودية.

وعلى هذه الخلفية، وفي محاولة لإعادة شد العصب، عقد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مطلع نيسان 2017، لقاء موسعا للعشرات من زعماء القبائل الموالين للمملكة، دعاهم فيه إلى توحيد جهودهم في الحرب.

لكن اللقاء كشف تناقص رصيد السعودية في الأوساط القبلية، وهو ما برز من خلال إحجام شخصيات قبلية مؤثرة عن المشاركة، وحضور أخرى لا تمتلك أي ثقل في أوساطها، بل إن الخطوة السعودية استفزت الكثير من القبائل اليمنية، ودفعتها إلى اتخاذ موقف مناهض لـ«التحالف» والانضمام إلى صفوف الجيش واللجان الشعبية، إلى أن صدمت الرياض مطلع العام 2018، بانقلاب قبائل طوق صنعاء ضدها، ومنعها قوات الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، من تحقيق أي اختراقات عسكرية هناك.

الفوقية السعودية
بدونية، تعاملت السعودية والإمارات مع القبائل المتركزة في المناطق الواقعة خارج سيطرة صنعاء. فأبوظبي التي لم تكن تربطها أي علاقات بالقبائل الجنوبية، اتخذت من «نصرة القضية الجنوبية العادلة» شعارا لتحشيد قبائل لحج ويافع والضالع وأبين لصالح مشروعها في الجنوب، وتمكنت من بناء ميليشيات بتكلفة بلغت 48 مليار ريال سعودي خلال السنوات الماضية.

وبالمثل، حشدت الرياض الآلاف من أبناء قبائل تعز لحماية حدها الجنوبي، معتمدة على علاقات حزب «الإصلاح» مع القبائل في المناطق الوسطى، وعاملت هؤلاء كمرتزقة يقاتلون مقابل الأجر اليومي، مما أدى إلى نفورهم وتمردهم وانضمام الآلاف منهم إلى صفوف صنعاء.

وفي مأرب، اشتغلت السعودية بدأْب على سلْب قبائل عبيدة ودهم ومراد والجدعان حقها في تقرير مصير المحافظة، وساندت ميليشيات «الإصلاح» في شن أكثر من 20 جولة ضد «عبيدة» تحديدا لكسر هيبتها، كما استخدمت المال لدفْع القبائل إلى القتال في صفوف قوات هادي، بل إنها، وفقا لمصادر في مأرب، استهدفت بطيرانها العشرات من المسلحين القبليين لرفضهم القتال، ودمرت منازل عدد من المشائخ على خلفية موافقتهم على مبادرة السلام المقدمة من صنعاء.

أما في المهرة، فقد حاولت السعودية تدجين القبائل لصالحها لفترات طويلة، مانحة الآلاف من المهريين الهوية، ومعتبرة إياهم مواطنين سعوديين، إضافة إلى خصهم بامتيازات مالية مغرية. لكنها، مع ذلك، لم تفلح في تبديل موقفهم الرافض لتدخلها العسكري في المحافظة الشرقية.

تعاملت السعودية والإمارات بدونية مع القبائل المتركزة في المناطق الواقعة خارج سيطرة صنعاء

في المقابل، وبعيدا من أي إغراءات تمكنت حركة «أنصار الله» من كسب ود عدد كبير من القبائل في مختلف الجبهات، على مدى السنوات الماضية. ومرد ذلك أن الحركة تعاملت مع القبيلة بمرونة (وهذا بالمناسبة نهجها منذ نشأتها)، ولم تخرج عن العادات والتقاليد المتعارف عليها، حتى إزاء القبائل التي وقفت ضدها. وعلى النقيض من سلوك «التحالف» والأطراف الموالين له والذين يسعون إلى تفكيك القبيلة من الداخل، تبنت «أنصار الله» حل النزاعات الداخلية في أوساط القبائل المختلفة.

وعبر آلية التحكيم القبلي، تمكنت من إنهاء المئات من النزاعات والثارات، وقضت على الكثير من الحروب القبلية لصالح تعزيز وحدة الجبهة الداخلية، مفوتة على «التحالف» العديد من الفرص، كما حدث في منطقة حجور (الواقعة بين محافظات عمران وصعدة وحجة) في شباط 2019، عندما حاولت السعودية الاستثمار في تجدد الصراع بين قبيلتي «ذو الدريني» و «ذو النماشية» الممتد إلى صيف 2012، وتحويله إلى بؤرة للتمرد ضد صنعاء، قبل أن يتم إنهاء المواجهات خلال أسابيع. كذلك، لم تفرض «أنصار الله» على أي قبيلة القتال إلى جانبها بشكل قسري، بل اعتبرت الأمر قرارا اختياريا متروكا للقبائل نفسها.

اتفاقيات السلام القبلية

مع اتساع نطاق المواجهات بين الجيش و«اللجان» وقوات هادي خلال السنوات الماضية ليشمل 49 جبهة، لم تلجأ «أنصار الله» إلى التعبئة العسكرية القسرية، بل تمكنت من إبرام عدد كبير من اتفاقيات السلام مع العديد من القبائل التي رفضت تحويل أراضيها إلى ساحة حرب.

حدث ذلك في إب والبيضاء والجوف وصنعاء، وهو ما كان من نتائجه تحييد مناطق واسعة ممتدة من جنوب صنعاء إلى جنوب غرب مأرب. وخلال العام الفائت، أبرمت الحركة أيضا عدة تفاهمات مع قبائل الجدعان ومراد وبني عبد التي تسيطر على مديرية العبدية جنوبي مأرب، وأخرى حيدت مناطق واسعة في مديريتي حريب والجوبة في المحافظة نفسها.

كما عقدت اتفاقيات مماثلة مع قبائل يافع في محافظة لحج. وعلى مر الأشهر الماضية من العام الجاري، حاولت قوات هادي تقويض تلك التفاهمات والاتفاقيات، لتنجح في مسعاها هذا في مديريتي رحبة ورغوان الواقعتين في نطاق محافظة مأرب، واللتين حولتهما إلى ساحة حرب مفتوحة.

وهي تعمل بين فترة وأخرى على اختراق الاتفاق المعقود مع قبائل خولان وبني ضبيان في جنوب صنعاء، من دون أن تفلح في نسفه.

المصدر: جريدة الأخبار