الأمن المستورد.. "كعب أخيل" جمهورية أذربيجان

الأمن المستورد..
الأربعاء ٠٦ أكتوبر ٢٠٢١ - ١٠:٥٨ بتوقيت غرينتش

ظهور رئيس جمهورية اذربيجان الهام علييف امام عدسات الكاميرات وهو يبتسم إبتسامة عريضة ويرفع شارة النصر ويمسح بيديه، بفخر وزهو متعمدين، على طائرة مسيرة اسرائيلية الصنع، جاء ليؤكد ان علييف مُصرّ على تبني خيار "الامن المستورد"، كخيار استراتيجي لبلاده حتى النهاية، رغم كارثية هذا الخيار، على ضوء التجارب المرة التي عاشتها بعض الدول التي تبنته قبل جمهورية اذربيجان.

العالمكشكول

اللافت ان علييف، أعلم من غيره، ان "طبيعة الامن"، الذي يصر على إستيراده هو "أمن" قد إنتهت صلاحيته، وتحول الى مادة مسمومة. فـ"الامن" المستورد من "اسرائيل" و تركيا، ليس صالحا للاستهلاك في جمهورية اذربيجان، فـ"إسرائيل" لا تستهدف من تدخلها في جمهورية اذربيجان- الذي يفتخر علييف بطائرتها المسيرة التي كان لها دور في الحرب الاخيرة التي خاضتها جمهورية اذربيجان مع ارمينيا- السهر على أمن واستقرار ومصالح جمهورية اذربيجان، بل تستهدف الاقتراب من الحدود مع ايران، وتحويل ارض جمهورية اذربيجان الى قاعدة للاعتداء على ايران. أما تركيا، فهي ايضا لم تتدخل في الحرب بين جمهورية اذربيجن وارمينيا لصالح عيون علييف، ولا حتى لما يشاع بشأن توحيد الشعوب التركية، فهذا الهدف هو اقرب من ان يكون الى مزحة منه الى حقيقة، فالرئيس التركي عبر تدخله في جمهورية اذربيجان يسعى للانتقام من ارمينيا، على خلفية العداء التاريخي بين ارمينيا وتركيا.

بات واضحا لكل ذي عين ، ان "اسرائيل" وتركيا، استخدمت وتستخدم جمهورية اذربيجان كوسيلة من اجل تحقيق اهداف خاصة بهما، وان علييف يخطىء لو اعتقد ان بامكانه استغلال عداء "اسرائيل" لإيران، وعداء تركيا لارمينيا، و إستيراد الامن منهما لتحقيق مصالح جمهورية اذربيجان، لسبب بسيط وهو ان مصالح اي بلد ترتبط بمصالح البلدان الجارة له، فمن الصعب ، بل حتى من المستحيل، ان يحافظ بلد ما على مصالحه وامنه واستقراره ، بينما تتعرض مصالح وامن واستقرار جيرانه للخطر بسبب سياساته، ويكفي علييف ان يلقي نظرة سربعة الى الاوضاع التي تمر بها تركيا، التي سجلت طفرات كبيرة في النمو الاقتصادي والثبات السياسي، الى ان قرر الرئيس التركي اردوغان الدخول في مغامرات عسكرية، انقلبت وبالا على الاقتصاد التركي، وخسر حزبه الانتخابات في معقله اسطنبول امام معارضيه، كما انشق كبار المسؤولين عن حزبه، حتى بدأت التقارير تتحدث عن نهاية للمرحلة الاردوغانية التي بدات قوية، وانتهت الى ضعف واضمحلال، بعد ان تصور اردوغان ان بامكانه ان يحافظ على مصالح بلاده وامنها، على حساب مصالح وامن جيرانه.

اما الكيان الاسرائيلي الذي يتباهي علييف بصداقته الاستراتيجية معه، ويتبختر بين طائراتها المسيرة، ليس سوى ثكنه عسكرية اقامها الغرب في قلب العالم الاسلامي لشذاذ الافاق، فهذا الكيان ومنذ تأسيسه قبل اكثر من 70 عاما، لم يذق طعم الامن ابدا، لانه اقيم من اجل سلب امن الاخرين، وكل ما يفعله الان، حتى توغله في جمهورية اذربيجان، هو من اجل تصدير النزاعات والحروب الى هذه المنطقة، ظنا منه انها ستخفف من حالة فقدانه الشعور بالامن.

ايران كانت ومازالت تقف الى جانب شعب جمهورية اذربيجان، فهي اشادت بتحرير الأراضي الأذربيجانية المحتلة منذ 30 عاما، ولطالما نصحت الرئيس الأذربيجاني الراحل حيدر علييف، كما كشف رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في الجمهورية الاسلامية الايرانية كمال خرازي، منذ البداية بتعزيز القوات المسلحة لبلاده وتحرير أراضيها المحتلة من خلال التعاون اللوجستي والتعليمي مع ايران و لكنه لم يقبل العرض للأسف ، واختار "الامن المستورد"، لذلك أصبحت جمهورية أذربيجان أكثر اعتمادا على القوى الأجنبية.

بات واضحا من خلال تجارب الدول الاخرى مع "الامن المستورد"، كما في تجارب افغانستان والسعودية والامارات والبحرين و..، والتي انتهت اما الى تمزيق هذه الدول، او الى توغل الصهاينة في جميع مفاصلها، وتحويلها الى قواعد، للاضرار بأمن واستقرر ومصالح الدول الاخرى، وهو إضرار سينعكس حتما وبشكل كارثي على امن واستقرار ومصالح الدول التي توهمت، كما تتوهم جمهورية اذربيجان اليوم، ان بالامكان ان تحصل على الامن من الكيان الاسرائيلي، الذي لا يعتبر اكبر مهدد للامن في العالم فحسب، بل "الامن المستورد" من هذا الكيان، ليس سوى "كعب أخيل"، لكل دولة توهمت إن بامكانها ان تستقوي بـ"إسرائيل" على جيرانها.