هكذا جعلت السعودية من قرداحي كبش فداء لإخفاء السيناريو الأخطر

هكذا جعلت السعودية من قرداحي كبش فداء لإخفاء السيناريو الأخطر
الإثنين ٠١ نوفمبر ٢٠٢١ - ٠١:٥٦ بتوقيت غرينتش

الضجة المفتعلة والمثارة حاليا حول إقالة أو استقالة الوزير جورج قرداحي لا تخرج عن كونها “قنبلة دخان” فقط، تأتي في إطار خطة أمريكية إسرائيلية لترهيب إيران وأذرعها العسكرية في المنطقة، وإجبارها على التخلي عن طموحاتها النووية سلما (عبر مفاوضات فيينا) أو حربا من خلال ضربة عسكرية يجري التحضير لها عمليا في الأجواء وعلى الأرض، ومن المؤكد أن المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الثلاث التي تضامنت معها، وطردت السفراء اللبنانيين من عواصمها، تمثل طرفا رئيسيا في هذه الخطة.

العالم- السعودية

حذرنا في افتتاحية سابقة من “تسريبات” معهد الشرق الأدنى للسياسات، العمود الفقري للوبي الاسرائيلي في واشنطن، تطوع دينيس روس مبعوث أمريكا السابق للشرق الأوسط، بتمهيد الأرضية لهذه الخطة، حيث طرح روس في مقالة له في مجلة “فورن بوليسي” من تحول إيران إلى دولة “حافة نووية”، وباتت تستطيع إنتاج قنبلة نووية في زمن قصير جدا، ونصح الولايات المتحدة باستخدام القوة، وإرسال طائرات “B.1” القاذفة العملاقة وتزويدها “بأم القنابل” القادرة للوصول إلى أعماق الجبال لتدمير المنشآت النووية الإيرانية.

***

هناك خمسة مؤشرات “عملية” تؤكد أن هذا السيناريو الذي نظر له روس في تلك المقالة، دخل مرحلة التنفيذ العملي بتوزيع الأدوار على جميع الأطراف المشاركة فيه إلى جانب أمريكا، من إسرائيليين وعرب:

أولا: تقرير إخباري لوكالة “رويترز” العالمية بثته اليوم عن تجوال قاذفة أمريكية عملاقة من طراز “B1” جنبا إلى جنب مع طائرة إسرائيلية من طراز “إف 15″، في أجواء منطقة الجزيرة العربية والخليجية، في رسالة تهديد إلى إيران، وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان رسمي مصحوب بصورة للطائرتين، أن هذه الرحلة تجسد التعاون العملياتي المستمر مع القوات الأمريكية في المنطقة، هذه الطائرة الأمريكية العملاقة قادرة على حمل “أم القنابل” الخارقة للتحصينات الجبلية وتحت الأرض وقنابل نووية أيضا.

ثانيا: تصريحات الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، التي أدلى بها على هامش مشاركته في قمة العشرين في روما، وقال فيها “إن الأزمة مع لبنان تعود إلى هيمنة “حزب الله”، ولا بد من تحرير لبنان من هذه الهيمنة”، وأكد “أن المفاوضات مع إيران توقفت، ولم تتوصل إلى أي تقدم يبعث على التفاؤل، ولهذا لم يتم تحديد أي موعد للجولة الجديدة القادمة”، مما يعني أن قرداحي كان كبش فداء.

ثالثا: شن الطائرات الإسرائيلية غارات قوية استهدفت ريف دمشق الشمالي، وذكر المصدر السوري لحقوق الإنسان أن خمسة شهداء سقطوا بسبب القصف الصاروخي المذكور، بينما أكد البيان السوري سقوط بضعة أشخاص جرحى، وهذه هي الغارة الثانية في غضون أسبوع، حيث استهدفت الأولى مواقع في مدينة تدمر الأثرية مما أدى إلى استشهاد 50 جنديا على الأقل، حسب المعلومات الموثقة المتوفرة لدنيا.

رابعا: إجراء الاحتلال الإسرائيلي هذه الأيام مناورات عسكرية بكل أنواع الأسلحة في محاكاة لحدوث حرب شاملة يشارك فيها آلاف الجنود والقوات الأمنية لمواجهة اضطرابات في القرى العربية في حالة اشتعال فتيل الحرب مع إيران، وكيفية عيش المستوطنين اليهود في المدن والقرى في الملاجئ لفترات طويلة، والتصدي لآلاف الصواريخ من عدة جبهات، خاصة جنوب لبنان وغزة، والتدريب على التعاطي والتأقلم مع احتمالات قطع إمدادات الكهرباء والماء، وتعطل الخدمات العامة الأخرى.

خامسا: تصريحات نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي التي وردت في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، وقال فيها “برنامج إيران النووي وصل إلى مرحلة فاصلة، وكذلك تسامحنا.. لن نسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية”.

معظم هذه التهديدات ليست جديدة، ولهذا لن تعطي أكلها في “ترهيب” إيران ومحور المقاومة، واستهداف لبنان الخاصرة الضعيفة، وسورية الدولة المحاصرة التي تواجه حروبا على عدة جبهات منذ عشر سنوات، يؤكد هذه الحقيقة، ومثلما كان الرد الإيراني باستهداف قاعدة التنف العسكرية الأمريكية في مثلث الحدود الأردنية السورية العراقية ردا على غارة تدمر، من غير المستبعد أن تكون هناك ردودا أخرى أكبر حجما وتأثيرا، ولعل الصواريخ التي ضربت محيط السفارة الأمريكية في بغداد اليوم رسالة تحذير تقول مفرداتها إن الضربة القادمة قد تستهدف قاعدة “عين الأسد” الأمريكية في الأنبار مرحلة الرد في الزمان والمكان المناسبين انتهت وربما إلى غير رجعة.

***

مشاركة المملكة العربية السعودية في هذا السيناريو الأمريكي الإسرائيلي بافتعال أزمة تصريحات الوزير قرداحي، وربما في سيناريوهات أخرى تطور خطير جدا، قد ينعكس سلبا على أمنها واستقرارها، فقد يأتي الرد من تحالف “أنصار الله” في اليمن، ليس بالسيطرة على مأرب فقط، وإنما تكثيف الضربات في العمق السعودي، ومن غير المستبعد أيضا أن تكون هناك ضربات من قبل الحشد الشعبي العراقي تستهدف أهدافا اقتصادية وعسكرية سعودية أيضا.

أي حرب قادمة لن تكون طريقا من اتجاه واحد، والأزمات السياسية والمعيشية لن تقتصر على لبنان وحده، وهناك أكثر من قرداحي في السعودية، والدول الخليجية الأخرى، ونختم بالقول إن القيادة السعودية لم تنجح في عزل لبنان، وإنما في عزل نفسها عربيا، فلم تؤيدها إلا ثلاث دول خليجية، بينما يؤيد لبنان ويتضامن مع شعبه في محنته أكثر من 400 مليون عربي، وضعف هذا الرقم من المسلمين، إن لم يكن أكثر.. والله أعلم.

عبد الباري عطوان

راي اليوم