أمريكا تخسر آخر خياراتها في اليمن.. تحرير مأرب آتٍ لا محالة

أمريكا تخسر آخر خياراتها في اليمن.. تحرير مأرب آتٍ لا محالة
الخميس ٠٤ نوفمبر ٢٠٢١ - ٠٣:٢٨ بتوقيت غرينتش

إشارات أمريكية واضحة الى السعودية، حملها مستشار الامن القومي جايك سوليفان خلال زيارة المملكة أيلول الماضي، بأنه حان الوقت للاستعداد لصفقة مع صنعاء تُوْقِف سيطرة الجيش واللجان الشعبية على مأرب، خاصة وأن التشريع المعلق في الكونغرس، بما في ذلك التعديلات على قانون تفويض الدفاع الوطني، قد يجبر الإدارة الامريكية على زيادة تقييد التعاون العسكري مع السعودية.

العالم - كشكول

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا تخاف أمريكا من سقوط مأرب بيد حكومة صنعاء ولماذا تقود أمريكا هذه المعركة بالذات بشكل مباشر؟!

لا تنظر الولايات المتحدة الى سعي حكومة صنعاء لتحرير مأرب، من وجهة نظر جغرافية عسكرية فقط، ولكنها ترى في ذلك تداعيات كبيرة على الاستراتيجية الامريكية المعدة لليمن شمالا وجنوبا، يتمثل بعضها في التالي:

- يوفر السيطرة على مأرب لحكومة الانقاذ في صنعاء تأمين مصادر دخل مستدامة.

- يوفر استقرارا في امدادات النفط والغاز تضعف ورقة الحصار الأميركي السعودي.

- يعزز الوضع الاقتصادي في مناطق سيطرة صنعاء بشكل عام.

- يعزز استقلالية القرار السياسي اليمني الذي يعتبر أساس الرفض اليمني لما تسمى المبادرة السعودية التي تفرض الوصاية على اليمن.

- يسهل تحرير محافظة شبوة المطلة على بحر العرب، والغنية بالنفط والغاز، إضافة الى البنية التحتية لنقله وتصديره عبر ميناء بلحاف، حيث تقع أكبر منشاة يمنيه مخصصه لتصدير الغاز المسال.

- يؤمن السيطرة على ميناء بير علي، الذي يقع بالقرب من ميناء بلحاف، ويستخدم لتصدير نفط محافظه شبوه ايضا، وهو نقطه وصول خط انابيب "شبوه - بير علي" الذي تبلغ قدرته 135 ألف برميل يوميا.

- يسهل تحرير كامل الشرق اليمني.

- يضع الدعوات الانفصالية في عدن في موقف خطير، بسبب سيطرة الجيش واللجان الشعبية على مساحات من شبوة، وإمكانية تطوير الهجوم مستقبلا للسيطرة على منابع النفط والغاز في المحافظة، الامر الذي يحرم الجهة المسيطرة في عدن، من مداخيل مستدامة لتعزيز اقتصاد المدينة.

- تحرير شبوة، يضمن اطلالة استراتيجية لحكومة صنعاء على بحر العرب والمحيط الهندي، حيث تمر عبره الملاحة البحرية التجارية والعسكرية الدولية.

- انفجار الصراعات البينية بين الرياض وأبو ظبي، وأدواتهما من التشكيلات العسكرية المختلفة، بسبب تقلص المساحة الجغرافية المتاحة لحكومة هادي، وسعي الرياض لتأمين موطئ قدم لها في عدن، ما ينعكس ضعفا في النفوذ الأميركي في اليمن.

وفي المقابل بدأت خيارات أمريكا وأدواتها السعودية والإمارات تضيق شيئا فشيئا وأصبحت الادارة الامريكية أمام خيارين لا ثالث لهما:

إما: التسليم بتحرير محافظة مأرب وحقل صافر النفطي ضمنا، مقابل ضمانات من حكومة صنعاء بوقف التقدم، والاكتفاء بالمكتسبات التي حققتها، والدخول في محادثات سلام تهدف لتقسيم اليمن.

أو: عدم التسليم بتحرير صنعاء لمأرب، وهنا توجد أربع احتمالات:

- الدفع باتجاه التعويض، عبر شن هجوم على الحديدة للسيطرة عليها، وهذا يتطلب موارد بشرية ومادية ولوجستية كبيرة، لا يبدو أنها متوفرة اليوم، ولا يمكن توفيرها على عجل.

- التدخل المباشر عبر سلاح الجو الأميركي لوقف تقدم الجيش اليمني واللجان الشعبية الى مدينة مأرب وحقل صافر، ما يعرّض القواعد العسكرية الامريكية في السعودية للمخاطر المتأتية من الصواريخ اليمنية.

- استدراج قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية الى حرب شوارع في مأرب، وعبر خطوط المواصلات العسكرية والمدنية باستخدام عناصر القاعدة وغيرها من التنظيمات المتطرفة وقد جربت أمريكا والسعودية ذلك في مناطق سابقة وكانت النتيجة فرار التكفيريين وانسحابهم.

- تقديم مقايضة، تقضي بوقف الهجوم على مأرب مقابل رفع الحصار، وهنا تبدو "المبادرة السعودية" أضعف من المطلوب وأقرب إلى خدعة للعدوان لإعادة ترتيب الصفوف والتحصينات في مأرب وهو ماتدركه صنعاء وترفضه مطلقا وتطالب برفع الحصار بالكامل.

بالنظر الى الخيارات التي أوردناها سابقا يتضح سبب الحركة الدبلوماسية الامريكية والاممية الملحقة بها تجاه المسألة اليمنية، التي تمثلت في جولة المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ في المنطقة بدءا من عمّان، الى الإمارات والسعودية وسلطنة عمان، ولقاءه ممثلي المجتمع المدني ومسؤولين حكوميين إقليميين والأمم المتحدة، وما وازاها من جولة للمبعوث الاممي الى اليمن هانس غروندبرغ، في المنطقة، بدءا من زيارته الى الرياض "استمرت 3 أيام"، حيث كان همه الوحيد توحيد الجبهة في عدن لمحاولة تقسيم مناطق سيطرة تحالف العدوان السعودي الاماراتي ووكلائهم الى عدة أقاليم فدرالية -وهو ما يخدم في الوقت ذاته الخطة الامريكية لتقسيم اليمن- تحكمها الجهة الفاعلة المحلية التي تسيطر عليها، وحكومة موحدة مقرها عدن، وفي النهاية تسوية سياسية تشمل صنعاء وبالتالي تكريس تقسيم اليمن.

علما ان هذه التحركات تسعى في جزء كبير منها، في الاساس، الى منع الجيش واللجان الشعبية من تحرير مأرب، أو عرقلة وإبطاء العمليات العسكرية، وهي تبدو حركة بائسة ويائسة، بسبب تسارع انتصارات الجيش واللجان الشعبية، بعد قيامهم بمناورة إلتفافية واسعة، لوضع مأرب بين كفي كماشة عسكرية تمهيدا لتحريرها، وهو ما أدى الى تضييق مساحة الخيارات الامريكية اتجاه حكومة صنعاء، التي تدرك حدود القوة الامريكية في اليمن، فالمواجهة العسكرية الامريكية المباشرة وإن تم حصرها بسلاح الجو مع حكومة صنعاء تبدو ضعيفة الاحتمال، ولا تبدو جبهة الحديدة جاهزة للاشتعال، بسبب الخلافات البينية في معسكر حراس الجمهورية بين التهاميين والمكتب السياسي للمقاومة الوطنية التابع لطارق صالح، الذي لا يريد أن يستنزف ميلشياته في مواجهة قوات صنعاء، الذي سوف يستفيد منه حزب الإصلاح بالتأكيد، كذلك كونه جزء من مشروع كيان فيدرالي في الساحل الغربي، بينما تعد مأرب مدينة متوسطة الحجم مبنية أفقيا، ولا تصلح لحرب شوارع طويلة الأمد، بالإضافة الى أنه لا تبدو فكرة مقايضة إيقاف الهجوم لتحرير مأرب مقابل مطلب صنعاء برفع الحصار بالكامل عن اليمنيين واردة عند السعودية الى الآن.

في المقابل، تبدو حظوظ التسليم الأميركي بتحرير محافظة مأرب، ومن ضمنها حقل صافر النفطي كبيرة بسبب عدم وجود إمكانية فعالة لإيقاف اندفاع قوات صنعاء في هذا الاتجاه، وضعف قدرة وكلاء الولايات المتحدة الإقليميين، وأدواتهم من المليشيات المحلية أمام فعالية حكومة صنعاء والقوات المسلحة اليمنية بجناحيها الجيش واللجان الشعبية.