معضلة بايدن في سورية

معضلة بايدن في سورية
الأربعاء ١٧ نوفمبر ٢٠٢١ - ٠٦:٣٦ بتوقيت غرينتش

قاد إيثان غولدريتش، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، المسؤول عن مشاركة بلاد الشام وسورية، مؤخرًا وفدًا أمريكيًا في شمال شرق سورية للقاء القادة العسكريين والسياسيين لما يسمى بقوات سورية الديمقراطية "قسد". وقد سلّط الاجتماع الضوء على حقيقة أنه في حين أن إدارة بايدن قد تفقد قدرتها على عزل سورية، إلا أنها لا تزال ملتزمة بوجود عسكري يؤدي إلى نتائج عكسية.

العالم-مقالات‏

رسميًا، القوات موجودة للمساعدة في مكافحة الإرهاب ضد تنظيم داعش وتقديم المساعدة الإنسانية.
ومع ذلك، يرى معظم المحللين أن وجود 900 جندي أمريكي يهدف بشكل أساسي إلى درء هجوم محتمل لقوات المعارضة المدعومة من الجيش التركي لشمال شرق سورية والتأكيد على أن الجيش السوري لن يستعيد المنطقة.
لقد أصبحت تركيا، العضو في الناتو، مستاءة بشكل متزايد من الميليشيات الكردية التي تسيطر على شمال شرق سورية، بما في ذلك تلك الموجودة على طول الحدود التركية السورية، والتي تعتبرها إرهابية. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي رداً على هجوم صاروخي قتل شرطيين تركيين إن بلاده “مصممة على القضاء على التهديدات”.
و من ناحية أخرى، ترى الحكومة السورية أن المنطقة الواقعة شمال شرق البلاد جزءًا لا يتجزأ من أراضيها التي تخضع للقانون الدولي.
ويجري الجانبان، الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى ضامن رئيسي آخر لعملية السلام وهو روسيا، محادثات لحل هذه القضية.
و فيما يتعلق بالتفكير الاستراتيجي للسياسة الخارجية، لا تريد الولايات المتحدة التخلي عن قوات سورية الديمقراطية أو السماح لها بالاندماج مع دمشق، لأن القيام بذلك سيأخذ كل نفوذها في تشكيل المستقبل السياسي للبلاد – حتى لو كان ذلك الإحتمال بعيداً.
في بداية الصراع، كان العديد من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة على استعداد لدفع واشنطن للإطاحة بالرئيس الأسد.
لكن الآن، تتقبل معظم دول المنطقة حقيقة أن دمشق نجحت في صد عملية تغيير النظام المدعومة من الخارج، والتي أغرقتها – والمنطقة من نواح كثيرة – في حالة اضطراب لأكثر من عقد من الزمان.
إنهم لا يرون مقايضة معقولة بين ملايين اللاجئين وتنامي التطرف وأي مكاسب محتملة من الإطاحة بالحكومة السورية.
وفي أحدث مثال، التقى وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان بالرئيس السوري بشار الأسد في 9 تشرين الثاني (نوفمبر)، مما أظهر أن المواقف قد تغيرت بشكل كبير بشأن القضية السورية بين القادة العرب.
و حتى مع تحول هذا الإجماع إلى نتائج ملموسة أكثر، مثل احتمال إعادة قبول سورية في جامعة الدول العربية، فإن إدارة بايدن ستواجه تحديات سياسية خطيرة إذا حاولت سحب القوات الأمريكية.
و تُعد ردة الفعل الأخيرة من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مثالاً على كيفية حدوث ذلك في سورية.
على سبيل المثال، شهد تنظيم داعش انتعاشًا في نشاطه مؤخرًا بعد خسارة آخر منطقة رئيسية له في الشرق الأوسط في عام 2019، والتي كانت في دير الزور السورية.
وإذا أدى الانسحاب الأمريكي إلى عودة ظهور تنظيم داعش على أرض الواقع، كما يبدو في أفغانستان، فسيكون ذلك بمثابة ضربة سياسية ساحقة لجو بايدن.
هناك أيضًا حقيقة أن التخلي عن الحلفاء، قوات سورية الديمقراطية، في مواجهة تقدم لقوات المعارضة مدعومة بتركيا، أو الاعتراف بشكل أساسي بالهزيمة لدمشق، من شأنه أن يثير أسئلة أساسية ومحرجة حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
كما من شأنه أن يقوض الثقة في الضمانات الأمنية الأمريكية حول العالم ويجعل الناس يتساءلون عن مدى التزام الولايات المتحدة في الواقع بأهدافها المعلنة.
مع وصول بايدن إلى أدنى مستوى تأييد له حتى الآن، فمن الواضح أن إدارته لا تستطيع تحمل إحراج آخر بسحب القوات من سورية كما حدث في أفغانستان، بالإضافة إلى القضايا المحلية الجارية التي تجعل مثل هذه القرارات المحفوفة بالمخاطر لا يمكن الدفاع عنها سياسيًا.
على أي حال، فإن الحقيقة المهمة التي يجب تذكرها هي أن الوضع الراهن في سورية يضر فقط بفرص إعادة البناء ويسبب معاناة لا داعي لها.
كما أنه يكذب حقيقة أن الوجود الأمريكي في شمال شرق سورية كان محفوفًا بالجدل.
على سبيل المثال، كشف تحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا عن مقتل ما يصل إلى 64 مدنيًا في غارة جوية أمريكية عام 2019 في شمال شرق سورية، والتي وصفها محامي القوات الجوية الكولونيل كورساك بأنها جريمة حرب – لكن وزارة الدفاع حاولت إخفاءها.
أعتقد أنه يوجد على الولايات المتحدة التزامًا بتسهيل تسوية واقعية للصراع السوري والنظر بواقعية للمجريات على الأرض، ويجب أن يكون هذا ما يوجه سياسة الولايات المتحدة.
كما أعتقد أيضًا أن المخاوف السياسية المحلية بشأن الانسحاب من سورية مبالغ فيها على الأرجح، ولا أرى أي سبب يمنع دول المنطقة من إدارتها بنفسها.
كان الانسحاب من أفغانستان كارثة، بلا شك، لكن هذا الوضع يجب أن يكون بمثابة درس لكيفية تنفيذ انسحاب مسؤول، وليس تجنبه بالكامل.
المصدر: شبكة تلفزيون الصين العالمية