نُفوذ "تيار المُستقبل" في مَهبّ الريح... من سَيَرِث الحريري في لبنان؟

نُفوذ
الأربعاء ٠١ ديسمبر ٢٠٢١ - ٠٦:١٥ بتوقيت غرينتش

نُفوذ " تيار المُستقبل" في مَهبّ الريح... من سَيَرِث الحريري في لبنان؟

العالم - لبنان
الإحتجاجات الشعبيّة التي حصلت مطلع هذا الأسبوع في مناطق ذات أغلبيّة سنيّة بشكل خاص، أظهرت تحوّلاً كبيرًا له دلالات خطيرة على مُستقبل نُفوذ "تيّار المُستقبل" ضُمن بيئته، حيث تحرّكت "المناطق السنيّة"-إذا جاز التعبير، بتوجيهات لا علاقة لمسؤولي وقيادات "المُستقبل" بها. فهل سيبقى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على تردّده وعلى غيابه لمزيد من الوقت، مع ما يعنيه هذا الأمر من تكاثر تلقائي للجهات السياسيّة التي ستسعى جاهدة لوراثته سياسيًا؟ وهل سيدخل "المُستقبل" المعركة الإنتخابيّة النيابيّة، أم سيُخلي الساحة لجهات تتطلّع إلى الفوز بأكبر عدد مُمكن من النوّاب السُنّة؟.

يقول الكاتب اللبناني ناجي البستاني لا شكّ أنّ خسائر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في السنوات القليلة الماضية جاءت كبيرة، وتردّده الحالي قد يكون مفهومًا لأكثر من سبب:أوّلاً: شركة "سعودي أوجيه" التي أسّسها رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، والتي كانت أحد الأسباب الرئيسة في تحوّل هذا الأخير إلى زعيم لبناني من خارج الزعامات التقليديّة، غرقت بديونها وبمشاكلها الماليّة إلى حدّ الإفلاس، الأمر الذي أفقد الحريري الإبن السند المالي الذي كان يُعوّل عليه في السابق.

ثانيًا: الدعم السياسي والمَعنوي والمادي الكبير الذي كان يتأتّى لتيّار "المُستقبل" من المملكة العربيّة السُعوديّة، والذي إستفاد منه كلّ من رفيق وسعد الحريري إلى أقصى الدرجات، في خلال مراحل حسّاسة من تاريخ لبنان الحديث، إنتهى بشكل دراماتيكي، مع تعاظم الخلاف بين وليّ العهد السُعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس "تيّار المُستقبل"، بفعل عدم رضى السُعودية على السياسة التي إنتهجها الحريري في لبنان خلال السنوات الأخيرة، سواء تجاه "حزب الله" أو تجاه "التيّار الوطني الحُرّ".

ثالثًا: إعتقاد الحريري بأنّه سيرأس كل حكومات عهد رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، كترجمة طبيعيّة للتسوية الرئاسيّة التي حصلت في العام 2016، ذهب مع الريح. فبعد إضطرار الحريري لتقديم إستقالته تحت وطأة إحتجاجات تشرين الأوّل 2019 الشعبيّة، لم ينجح في العودة إلى رئاسة الحكومة مُجدّدًا، وسقطت كل مُحاولات تكليفه بدعم من بعض القوى الداخليّة والخارجيّة، بفعل إعتراضات داخليّة وخارجيّة عليه أيضًا، ليعتبر رئيس "تيّار المُستقبل" في نهاية المطاف أنّ "الحل الأقلّ سوءًا بالنسبة إليه" بعد منعه من العودة إلى السُلطة، يتمثّل بدعم رئيس "تيّار العزم" النائب نجيب ميقاتي في رئاسة الحكومة.

رابعًا: خوض الإنتخابات النيابيّة المُقبلة في ظلّ غياب التمويل الخارجي وحتى الذاتي، وفي ظلّ غياب الدعم السياسي الإقليمي، وفي ظلّ كثرة الخُصوم الداخليّين، قد لا يكون مُوفّقًا على الإطلاق. وبما أنّ وضع كل الأحزاب والتيّارات السياسيّة مُهتزّ شعبيًا، بفعل إستفحال الأزمة المعيشيّة والحياتيّة، يُدرك "تيّار المُستقبل"-كما غيره من القوى، أنه قد يفقد جزءًا من نوّابه في المعركة. وإذا كانت إنتخابات العام 2018 النيابيّة قد شهدت تراجع الكتلة النيابيّة برئاسة "المُستقبل" من نحو 40 نائبًا إلى 21 نائبًا فقط، فإنّ إنتخابات العام 2022 في ظلّ هذا الواقع الصعب المذكور أعلاه، قد يؤدّي إلى إنخفاض عدد أعضاء الكتلة إلى ما دون العشرين، في حال عدم نسج تحالفات مُوفّقة، وعدم خوض المعركة وفق خطابات سياسيّة واضحة.

والمُشكلة أنّ الحريري يعلم أنّ لا مجال لتحقيق أيّ فوز نيابي كبير من دون نسج تحالفات مع قوى رئيسة، وهو غير قادر في الوقت عينه على التحالف مع "التيّار الوطني الحُرّ" بسبب إستفحال الخلافات بينهما، ومُتردّد في التحالف مع "القوّات" بسبب سوء العلاقة الحاليّة بينهما، وعدم حماس "القوات" لأيّ تحالف غير هادف أصلاً. وإضافة إلى فُقدانه الحليف المسيحي القوي، لا يريد الحريري أيّ تحالف مع "حزب الله" في أيّ دائرة، تجنّبًا لمزيد من الغضب الإقليمي عليه، الأمر الذي يجعل عمليًا تحالفه مع حركة "أمل" مثلاً غير مُمكن، بسبب تقاسم "الثنائي" اللوائح الإنتخابيّة وفي ظلّ هذا الواقع الصعب، يستنفد رئيس "تيّار المُستقبل" كامل الوقت المُتاح، لإتخاذ قراره النهائي والحاسم بالنسبة إلى خوض "المُستقبل" للإنتخابات من عدمه، ووفق أي برنامج وأي تحالفات في حال جاء القرار الأخير إيجابًا. لكن في غُضون ذلك، بدأت شراهة الجهات الراغبة بوراثة الحريري سياسيًا تظهر إلى العلن، بدءًا من بيته الداخلي وُصولاً إلى خُصومه ضُمن البيئة السنيّة.

وبالتالي، من غير الواضح حتى الساعة لمن سيُصوّت الناخبون السنّة، إن في حال خاض "المُستقبل" المعركة بكامل طاقته، أو لم يفعل ذلك، من دون إستبعاد تشتّت النفوذ السنيّ في المُستقبل على أكثر من جهة، من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مرورًا بشخصيّات مثل النائب فؤاد مخزومي والوزير السابق أشرف ريفي والنائب نهاد المشنوق، وُصولاً إلى فيصل كرامي وأسامة سعد والجماعة الإسلاميّة، والكثير من الشخصيات والجهات الأخرى.

في الختام، تردّد النائب سعد الحريري في السابق، وعدم ثباته على موقفه، وإعتماده لغّة رماديّة في التعاطي السياسي، أسفر عن خسارته الكثير من نُفوذه ومن هيبته. فهل سيُواصل نفس هذه السياسة ليُكمّل على ما تبقّى من موقع لتيّار "المُستقبل" ضُمن التركيبة اللبنانيّة، أم أنّه سيحزم أمره وخياراته، ويعود إلى لبنان قبل فوات الأوان، ليخوض المعركة الإنتخابيّة تحت عناوين واضحة، تعيد شدّ عصب أنصاره الذين كانوا كثرًا قبل عقد من الزمن؟

*مراسل العالم