لبنان في "البيان الجريدة" لبن سلمان وماكرون

لبنان في
الأحد ٠٥ ديسمبر ٢٠٢١ - ٠١:٤٠ بتوقيت غرينتش

في قراءة هادئة لــ"البيان الجريدة" الصادر عن لقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، نخرج بنتيجة مفادها ان المكسب الاكبر راح لبن سلمان والاقل لماكرون ولما جاء من اجله..

العالم - مقالات
ماركون وفر الاخراج المطلوب دوليا للمآزق المتربع عليها بن سلمان بلا منازع.. فأهم خدمة قدّمها له، هي اخراجه من عزلته الدولية بعد ان نبذه المجتمع الدولي اثر جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول التركية عام 2018، وقد وصلت به العزلة الى ان رفض احد اصدقائه الاستراتيجيين الرئيس الامريكي جو بايدن اعطاءه موعدا للقائه، وأبى المشاركون في اجتماعات قمتي العشرين والمناخ الاخيرتين حضوره الى جانبهم..
واستغل بن سلمان الزيارة ليوجه رسالة "زكزكة" الى بايدن من خلال الشرح المفصل والممل لبن الاتفاقات الشفهية التي تم التفاهم عليها مع ماكرون في مختلف المجالات. مفاد الرسالة اننا قادرون على تجاوز امريكا، عبر تنويع مصادر الاعتماد الدولي، وفرنسا احد هذه المصادر .. مع الاشارة الى ان ما ورد في البيان من بنود، يحتاج اياما لمناقشته، ولا تكفيه هذه الفترة القصيرة من زيارة ماكرون، هذا فضلا عن ان كتابة البيان "الجريدة" يحتاج لساعات لصياغته. ما يعني ان البيان كان معدا مسبقا وقبل ايام.. ولا يعلم ما اذا كان ماكرون قرأه في لُحَيظات، مع انه يحتاج الى نصف ساعة من القراءة.
لن نغوص في الشان الدولي المرتبط بالزيارة بل هدفنا التركيزعلى الشان اللبناني..
بالعودة الى ما قبل الزيارة، كان واضحا ان الرئيس الفرنسي، صاغ المخرج مع ولي العهد السعودي، خصوصا ان الاخير شعر بالندم بعد الخروج الانفعالي الشخصي من لبنان، لما سبب له خسائر كبيرة على المستوى الداخلي اللبناني، المعقل الاخير له، بعد هزائمه وفشله في ادارة كل ملفات المنطقة واخرها الملف اليمني.
سيناريو الاخراج تم بالتنسيق مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، الذي طلب من وزير الاعلام جورج قرداحي الاستقالة وابلغ حلفاء قرداحي "اما قرداحي او انا" وتكثفت الضغوط والاتصالات برئيس تيار المردة سليمان فرنجية للضغط على قرداحي للاستقالة.
بدوره تواصل قرداحي مع حلفائه الاخرين، فتبلغ منهم الرسالة التالية، نحن معك في اي خيار تتخذه، فرد "لن استقيل" ، لكن بعد حوالي ساعتين عاد واخبرهم بأنه غيّر رأيه، عارضا مبررات توجهه نحو لهذا الخيار وهي التي اشار اليها في اعلان الاستقالة، ومشيرا الى رسائل وصلت الى فرنجية من اكثر من جهة، تسأله كيف تتخذ موقفا معارضا للدول الخليجية ومن ثم تريد منها ان تدعمك في السباق الانتخابي الى رئاسة الجمهورية في لبنان؟
فجاء جواب الحلفاء، نحن معك في اي خيار تتخذه. كان ذلك عصر عشية يوم الاستقالة.
ما يمكن استنتاجه ايضا ان سيناريو الاخراج، أمّن العودة للسعودي لكي يلعب دورا في لبنان، ندم على فقدانه بانسحابه طوعا منه، نتيجة قرار انفعالية شخصي غير مدروس.
إدخال السعودي الى لبنان مجددا، يعني انه سيدخل بقوة الى الانتخابات النيابية المقررة في ايار مايو المقبل، دون ان يقيد نفسه او ان يقبل بأي حدود أو ضوابط لدوره.
اهم الاهداف التي سيعمل عليها السعودي، جمع صفوف اتباعه ودعمهم بالمال "الوفير" بهدف الحصول على الاغلبية البرلمانية. ولتحقيق هذه الهدف، سيسمح بن سلمان، للرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل بخوض الانتخابات، بعد منعهما من خوضها نتيجة الخلافات الشخصية، بعد ان ادرك ان معاداته للحريري وعدم رضاه عن ميقاتي، اخلى الساحة السنية، للاعبين اخرين هم تركيا والامارات وقطر ومصر وغيرهم، ما ادى الى بدء تشظي اطراف هذه الساحة،وأوقعها في ضعف وضياع مقابل المكونات اللبنانية الاخرى.
وسيجمع السفير السعودي وليد البخاري الذي سيعود الى لبنان، تجميع تيار المستقبل مع القوات اللبنانية والكتائب والحزب الاشتراكي و"الفرافيط" الاخرين في تحالف ضد التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة امل وحلفائهم. وسيشكل تحالف ضمنيا بين هذا التحالف وما يسمى "منظمات المجتمع المدني" الممول اكثرها الساحق من السفارات وبينها السعودية.. مع الاشارة الى ان هناك احزابا و"جمعيات مجتمع مدني"، تُغري الشباب في كل المناطق للانضمام اليها، عبر دفع راتب شهري لكل ملتحق بها، يبدأ من 300 دولار، بهدف تشكيل ميليشات على امتداد الوطن، يعدّها الممولون لمواجهة حزب الله. ويعتقد السعوديون والامريكيون انهم بهذا المخطط ، يكونون قد حصلوا على الاغلبية البرلمانية وفي نفس الوقت انشأوا ميليشيات موالية لهم وممولة منهم. وبهذين السلاحين¬( حسب مشروعهم)، يحاربون حزب الله، الامر الذي يضع لبنان على فوهة بركان. وان انفجر سيلعن اللبنانيون ساعة قبلوا بعودة السعودية الى ديارهم.

"البيان الجريدة" لبن سلمان وماكرون، لم يتطرق الى مد لبنان بالدعم المالي، ولا أشار الى عودة العلاقات الدبلوماسية(وان كانت ستعود حتما) بل ركز على نقاط بينها، دعم الاصلاحات والاستقرار في لبنان، وحصر السلاح في يد الدولة. فاذا كان يدرك السعودي ان الاصلاح غير ممكن في نظام يغمره الفساد من اعلاه الى ادناه، بفضل الطاقم الذي اتى به هو الى السلطة منذ العام 1992، واذا كان الاستقرار في لبنان لا يهم الرياض، بدليل انها حرضت القوات اللبنانية على اشعال حرب اهلية في لبنان بافتعال مجزرة الطيونة، فماذا يبقى من البيان سوى سلاح حزب الله؟
تدرك السعودية ان احدا في لبنان غير قادر على نزع هذا السلاح، وتدرك ايضا ان دولا - هي منها - حاولت نزعه وفشلت، فكيف تركب بعقل عاقل ان حكومة لبنان قادرة على نزعه اذعانا للرغبة السعودية؟ الا يعني الطلب السعودي هذا، محاولة لتوريط الجيش اللبناني بحرب ضد الحزب بغض النظر كان ذلك سيتحقق ام لا؟
ويقضي المخطط السعودي، انه في حال حصول صدام بين الطرفين، تستقدم قوات دولية لدعم "الشرعية في لبنان" على غرار اليمن. وبالتالي، تحويل لبنان الى يمن اخر، واعادة بلدنا المتعب الى حرب اهلية لا تبقي ولا تذر.
بكل الاحوال لا يعقل ان يقع الجيش في هذه المصيدة، لانه يدرك ان سيناريو من هذا النوع، سيؤدي الى انشقاقات في صفوفه مع ما يترتب على ذلك من كوارث.
مع عودة السعودية الى لبنان، فان البلد سيكون امام مرحلة حساسة واخطر من قبل خروجها، ما يتتطلب اقصى درجات الحيطة والحذر والحكمة والا سيكون لبنان على "بوز" المدفع.

*د. حكم امهز - خبير في شؤون الشرق الاوسط