بعد استقالة قرداحي ومبادرة ماكرون... هل "يتحرّر" مجلس الوزراء اللبناني ؟

 بعد استقالة قرداحي ومبادرة ماكرون... هل
الأربعاء ٠٨ ديسمبر ٢٠٢١ - ٠٣:١٨ بتوقيت غرينتش

منذ نشوب الأزمة التي افتعلتها السعودية مع لبنان ، قبل أكثر من شهر، وُضِعت استقالة الوزير جورج قرداحي في "بازار" السياسة، وتحوّلت إلى "بند" على الطاولة، إما لفرض بعض "المعادلات"، أو لغاية "الابتزاز" في بعض الأحيان، وطغت سريعًا على "جوهر" الأزمة الحكوميّة، التي يدرك القاصي والداني أنّها سابقة لـ"القطيعة" مع السعودية، وربما "لاحقة" لها.

هكذا، اقترنت الاستقالة بـ"ضمانات" اشترطها الوزير قرداحي لـ"يطمئن" إلى أنّ انسحابه من المشهد سيؤدّي فعلاً إلى الحلّ، وهي "حُجّة" استُخدِمت لتبرير عدم الاستقالة رغم كلّ الواقع الذي نجم عن تصريحاته، كما ارتبطت بـ"دعم" قوي من جانب "حزب الله" الذي زعمت أوساط معلوماتٍ مفادها بأنّ استقالة قرداحي ستُستتبَع تلقائيًا باستقالة وزراء "الثنائي".

لكن، بعيدًا عن "الضمانات" وما رافقها من رفع أسقف تجاوز الحدود والضوابط المرسوم، اقترنت الاستقالة أيضًا بملفّات واستحقاقات لا شأن بها، ربطًا بالواقع الحكومي المتأزّم، فبرزت معادلات جديدة من وحي "جورج قرداحي مقابل طارق البيطار"، بمعنى أنّ "ثمن" استقالة وزير الإعلام لن يقلّ عن "تنحية" المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت.

حصلت الاستقالة لكنّ شيئًا ممّا سبق لم يحصل، فـ"حزب الله" استبق قرار الوزير بتعبيره عن "تفهّمه" له أيًا يكُن، وهو ما اعتُبِر بمثابة "ضوء أخضر" للاستقالة، فيما لا يزال القاضي البيطار على رأس عمله، دون أن يظهر في الأفق، حتى الآن على الأقلّ، أيّ مسار جدّي لعزله، ولو تزايد الحديث عن "تسويات ومقايضات" قد تبصر النور في المدى المنظور.

فما الذي يعنيه كلّ ما تقدّم في المسار العام؟

أيّ "ترجمة فعلية" ستكون لاستقالة وزير الإعلام؟ هل تبقى محصورة بمبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المتجدّدة، والتي تبقى محدودة "كلاميًا"، رغم "إنجاز" أول "انفتاح" سعودي على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي؟

وهل "يتحرّر" مجلس الوزراء بالنتيجة، فيعود إلى الانعقاد بعد "عزلة قسرية"؟!

لا شكّ بدايةً أنّ استقالة وزير الإعلام، وخلافًا لما تمّ الترويج له في الأيام الأخيرة، نجحت في إحداث "فرق"، ودحض "الفرضيّة" القائلة بأنّها ستبقى "بلا تأثير"، بمُعزَل عن حجم وشكل هذا "التأثير"، وهو ما يُسجَّل لرئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، اللذين أصرّا على وجوب حصول الاستقالة، لعلّها تكون "بوابة" لفتح أبواب الحوار "المسدودة" مع دول الخليج الفارسي ، وفي مقدّمها السعودية.

ومع أنّ هناك من يتحدّث عن "تأثير مضاد" للاستقالة، التي كرّست سياسة "الإذلال" التي لا يواجهها لبنان الرسمي سوى بـ"الخضوع والخنوع"، ثمّة من يفضّل مقاربة الأمور بنفحة من "التفاؤل"، حيث ينطلق من الاتصال الذي جمع الرئيس الفرنسي ووليّ العهد السعودي محمد بن سليمان برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ليخلص إلى أنّ الحكومة حصلت على "أوكسيجين" كان محظورًا عليها، حتى قبل "أزمة" تصريحات الوزير جورج قرداحي.

بهذا المعنى، يعتقد أصحاب هذا الرأي أنّ "النقمة" التي خلّفتها تصريحات قرداحي، وما استتبعها من إجراءات خليجية غير مسبوقة إزاء لبنان، قد تنقلب "نعمة" على الحكومة التي حصلت أخيرًا على "اعتراف" سعوديّ، ولو اقترن بـ"طلبات" تعهّدت الحكومة أساسًا بتنفيذها بموجب بيانها الوزاري، وهو ما يفترض أن ينعكس "تخفيفًا" من حدّة التصعيد الخليجيّ، وربما إعادة للسفراء في الأيام المقبلة، إن سار كلّ شيء وفق المنوال المرسوم له.

لكنّ هذا التفاؤل "المفرط"، على الأرجح، "يصطدم" بدوره بسلسلة من العقبات والمشاكل، أولها وربما أنّ من "الوهم" الاعتقاد بأنّ الأزمة مع دول الخليج الفارسي انتهت فعليًا بمجرّد استقالة وزير الإعلام وحصول الاتصال الفرنسي السعودي اللبناني، لا سيما وأنّها مرتبطة، بإقرار السعوديين، بنفوذ "حزب الله"، وقد تمّ التلميح إليه أساسًا في البيان السعودي الفرنسي، وهو نفوذ يُستبعَد أن يخفّ "كرمى لعيون" الرياض أو غيرها.أما المطبّ الثاني، ولعلّه الأكثر أهمية، فيرتبط بواقع أنّ "تحرير" الحكومة من "قيود" دول الخليج الفارسي.

حتى لو حصل، لا يقدّم أكثر من "حلّ جزئي"، بل هناك من يعتقد أنّ من شأنه "رفع المعنويات" ليس إلا، فهو لن يترجم على الأرض بأيّ خطوات عملية فورية، والأهمّ من ذلك، أنّه لن "يحرّر" الحكومة المعطّلة والمكبّلة منذ ما قبل الأزمة مع بعض دول مجلس التعاون ، مع إصرار "الثنائي الوطني الشيعي" على مقاطعة الجلسات قبل "عزل" القاضي البيطار.

في هذا المجال، تشير المعلومات إلى أنّ "الثنائي" لا يزال ثابتًا على موقفه المقاطع لجلسات مجلس الوزراء من دون حلّ مشكلة التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت، مراهنًا بذلك على "ورقة" الميثاقية التي يمسك بها، وهو يرفض مجرّد البحث بالأمر قبل "البتّ" بمصير المحقق العدلي، علمًا أنّ "تلويح" رئيس الحكومة بالدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء "بمن يحضر" لا يجد آذانًا صاغية لدى هذا الفريق، الذي يستبعد أن يذهب ميقاتي بعيدًا في هذا "السيناريو"وعلى الرغم من الحديث المتكرر عن "تسوية" تُطبَخ على "النار"، قوامها "المقايضة" بين القاضي البيطار وطعن "التيار" بتعديلات قانون الانتخاب، فإنّ كلّ المعطيات المتوافرة تؤكد أنها لا تزال تصطدم بالعديد من العراقيل.

أولها أنّ "التيار" لم يتعهّد سوى بتأمين نصاب جلسة للبرلمان، من دون التصويت إلى جانب "الثنائي"، لمحاذير شعبية، وهو ما يرفضه رئيس المجلس، الذي لا يبدو محبّذًا كذلك لفكرة تصويت المغتربين لدائرة "حصرية" لهم.بين هذا وذاك، يبدو أنّ المبادرة الفرنسية السعودية التي نتجت عن استقالة وزير الإعلام بقيت "محصورة"، وأنّ "ثمارها" لن تظهر عمّا قريب، وهي لم "تحرّر" مجلس الوزراء، بانتظار "تسوية" ينظر إليها الكثير من اللبنانيين على أنّها "فضيحة" ستضرب التحقيق بأكبر جريمة في تاريخ لبنان الحديث، وتدين طبقة سياسية عن بكرة أبيها!.

*حسين عز الدين