مفاوضات فيينا.. وعُقدة الإستعلاء الغربي

مفاوضات فيينا.. وعُقدة الإستعلاء الغربي
الأربعاء ١٥ ديسمبر ٢٠٢١ - ٠٨:١٣ بتوقيت غرينتش

"نقترب من النقطة التي يكون فيها تصعيد إيران لبرنامجها النووي قد أفرغ تماما خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) من مضمونها.. على إيران أن تختار بين انهيار الاتفاق أو التوصل إلى اتفاق عادل وشامل"، هذا اهم ما جاء في كلمة نيكولا دي ريفييه سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة عندما تلى بيانا مشتركا من بريطانيا وفرنسا وألمانيا في الامم المتحدة يوم امس الثلاثاء، تعليقا على المفاوضات الجارية في فيينا بين ايران ومجموعة 4+1 من أجل الغاء الحظر الامريكي عن ايران.

العالم كشكول

واضح جدا من خلال بيان الترويكا الاوروبية، ان الغرب مازال يتعامل مع الاخر معاملة فوقية واستعلائية، بل ان الغرب لا يتحمل ان يجد نفسه على طاولة تفاوض واحدة ، في الجانب الاخر منها، بلد لا ينتمي الى نادي الدول الغربية او القوى الكبرى، فالتفاوض من منظور غربي، يعني ان هناك طرفا غربيا او قوة كبرى، وعدا ذلك ليس سوى إملاءات، وفرض ارادة، واصدار الاوامر، وما على الطرف الاخر سوى التنفيذ، وإلا سيتحمل "عواقب تمرده" على ارادة الاقوياء.

الثلاثي الاوروبي، رغم تبعيته العمياء لامريكا في مباحثات فيينا، الا انه في الوقت نفسه، يخشى في ان تتحول ايران الى انموذج، يحتذى للبلدان الاخرى، الساعية لتحرير حقوقها من قبضة التغول الاوروبي والهيمنة الامريكية، فما يجري في فيينا، يتم رصده من قبل العالم اجمع، الذي يرى كيف تتفاوض ايران، البلد الاسلامي، مع القوى الكبرى في العالم، بندية واضحة، لإستحصال حقوقه المشروعة، التي يحاول الغرب حرمانه منها، دون أن تؤثر في ارادته، كل التهديدات العسكرية، والحروب النفسية، والتصريحات العنترية.

البيان الاوروبي، الذي يأتي في اطار الضغوط والحرب النفسية التي يشنها الغرب على ايران، يتحدث عن "التصعيد الايراني" الذي اوشك ان يُفرغ الاتفاق النووي من مضمونه، ناسيا او متناسيا، ان هذا الاجراء الايراني التعويضي جاء ردا على انسحاب امريكا من الاتفاق وانتهاكها قرار مجلس الامن 2231، وتواطؤ اوروبا مع امريكا في جريمة خنق الاتفاق النووي.

بلغة غربية استعلائية، تخير الدول الاوروبية الثلاث، ايران "بين ان تختار بين انهيار الاتفاق أو التوصل إلى اتفاق عادل وشامل"، في الوقت الذي تعلم هذه الدول، ان من افرغ الاتفاق من مضمونه، ودفعه الى حافة الانهيار، هو حليفهم الامريكي، وتبعيتهم العمياء له، وان ايران هي الطرف الوحيد الذي حال دون انهيار الاتفاق النووي بشكل كامل، بل ان عودة الوفد الايراني الى فيينا، جاء لاحياء هذا الاتفاق الذي داست عليه امريكا والدول الاوروبية الثلاث.

العالم كان شاهدا على الجهود التي بذلتها طهران لاحياء الاتفاق النووي، بل ان مقترحات ايران التي قدمتها في الجولة السابعة من مباحثات فيينا، مطابقة تماما لنص الاتفاق النووي والقرار 2231 الصادر عن مجلس الامن الدولي، ولم تقدم اي شرط مسبق او شرط جديد، بل مازالت تؤكد على الشروط الواردة في الاتفاق النووي والقرار 2231، وهي ذات الشروط التي تشكل اساس الاتفاق النووي وذات الشروط التي ادت الى توازن التعهدات المتقابلة للطرفين في الاتفاق.

اليوم على سائر الاطراف التي انسحبت من الاتفاق النووي، ونقضت التزاماتها في الاتفاق، وفي مقدمتها امريكا والدول الاوروبية الثلاث، ان تتحمل مسؤولية اكبر لاحياء الاتفاق ، وان تكف عن لعب دور الضحية ومحاولات القاء اللوم على ايران، فطريق احياء الاتفاق النووي، يمر فقط عبر التنفيذ الكامل والمؤثر والقابل للتحقق، لجميع الالتزامات الواردة في نفس الاتفاق الذي انتهكه الغرب، وجاء اليوم يذرف عليه دموع التماسيح.

هناك قاسم مشترك بين تصريحات ومواقف جميع المسؤولين الايرانيين من مباحثات فيينا، وهذا القاسم هو؛ رفض محاولات ارتهان تنفيذ الاتفاق النووي بقضايا خارجه عنه، مثل البرنامج الصاروخي الدفاعي التقليدي الايراني، ودور ايران في المنطقة، او طرح وجهات نظر مثل التفاوض من جديد حول الاتفاق النووي، او جدوله الزمني او مقترحات مثل الأقل مقابل الأقل او الأكثر مقابل الأكثر، فهي ليست محاولات مرفوضة تماما من قبل ايران، بل ومحكومة عليها بالفشل ايضا.. فلا خيار امام الغرب،إلا التحرر من عقدة الإستعلاء، والعودة الى الاتفاق النووي، وقبل ذلك، رفع الحظر الامريكي الاحادي الجانب وغير القانوني عن الشعب الايراني.