استقالات جماعية من حزب أردوغان .. هل بدأ حزبه التخلي عنه؟!

استقالات جماعية من حزب أردوغان .. هل بدأ حزبه التخلي عنه؟!
الأحد ١٦ يناير ٢٠٢٢ - ٠٦:٠٩ بتوقيت غرينتش

يبدو أن الإجماع التركي على حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، أو الثقة بالأخير وسياساته، قد انفرط عقدها، ليس فقط على صعيد المعارضة، وأصدقاء الأمس، بل على صعيد الحزب الحاكم “العدالة والتنمية”، الأنباء القادمة من أنقرة، تشير إلى استقالة 1000 عضو من الحزب الحاكم، وانضمامه إلى حزب “الخير”.

العالم ـ تركيا

هذه الاستقالات يقول أصحابها، ومن بينهم آخر المستقيلين رشاد كيزماز الذي أعلن استقالته من حزب العدالة والتنمية، وهو عضو مجلس الحزب عن مقاطعة أكتشة، يقول رشاد في تغريدة بأنه جرى انتخابه كعضو مجلس البلدية، وقد وعد كما قال بأنه سيعمل من أجل شعبه، لكنه لم يتمكن من الوفاء بوعده، ووعد بالاستمرار بشكل مستقل، ويبدو أن صدمة عدم الوفاء بالوعود التي عبر عنها المستقيل، قد تفسر أسباب استقالة 1000 عضو من الحزب الحاكم، قرروا الانتقال لأحزاب أخرى معارضة مع توالي الصدمات وأهمها الاقتصادية، وارتفاع الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية، والتضخم، ومشاكل البطالة حيث كان النهوض الاقتصادي عنوانا عريضا للمباهاة بين أعضاء الحزب الحاكم.

ومما يعزر وجود حالة عدم ثقة بين أعضاء حزب “العدالة والتنمية” بسياساته، أنه وفي العام 2021 لوحده، يبدو أن الحزب الحاكم في تركيا، قد خسر 146 ألف عضو، بدا أنهم باتوا ينظرون لحزبهم بمثابة القارب الذي يتعرض للغرق، في الوقت الذي يتنامى فيه انضمام أعضاء جدد لأحزاب منافسة، مثل حزب الخير (95 ألف عضو جديد)، وحزب الشعب الجمهوري المعارض، الحزب الأكثر منافسة لحزب أردوغان وأكبرها، (49 ألف عضو جديد)، فيما التنافس والتحضيرات على أشدها لخوض الانتخابات الرئاسية، والإطاحة بأردوغان، وحزبه الحاكم العام 2023.

ومع تواصل تأرجح الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، تساءل زعيم المعارضة التركية كمال كليتشدار أوغلو الذي يبدو أنه ذاهب لخوض المنافسة للانتخابات الرئاسية، تساءل مهاجما: “من اختلس المليارات عندما كان الدولار الأمريكي 18 ليرة، وتراجع شراؤه إلى 13 ليرة، وتابع من أخذ هذا المال، أسأل بائع الخضروات يقول لست أنا، أسأل المتقاعدين ويقولون لسنا نحن، وأسأل العمال، ويقولون لسنا نحن، وأسأل المصنعين ويقولون لسنا نحن، اقترحنا إجراء بحث واستطلاع عمن اكتسب هذه الأموال، وهذه الوثائق موجودة بالبنوك أساسا، فقوبل اقتراحنا بالرفض، وقالوا لن نفحص هذا، وتعهد زعيم المعارضة الكشف عن مصير “المليارات المنهوبة” عند وصولنا للسلطة، وهو هنا يغمز لتورط حزب أردوغان، وهو ما يضع الأخير أمام تساؤلات قانونية، حال وصول المعارضة للسلطة.

وتعود قصة “المليارات المنهوبة” إلى حملة كان قد أطلقها حزب الشعب الجمهوري المعارض (أكبر الأحزاب المعارضة في البلاد) منتصف العام الماضي، وانضم إليها حزب “الخير” التركي، وأطلقوا حملة لمعرفة مصير 128 مليار دولار، قالوا إنها مفقودة من الخزينة، مما أدى إلى التضخم بشكل كبير، والاتهامات كانت موجهة في حينها إلى براءت ألبيرق “صهر أردوغان”، وخلال توليه منصب وزير الخزانة والمالية، وهي الحملة التي قوبلت بتفتيش الشرطة التركية مقار الأحزاب المعارضة، واعتقال بعض الأعضاء فيها، وهي حملة انتقدها زعيم المعارضة ذاته.

وفي سياق اتهامات النهب والسرقات، دخل على الخط أيضا، رئيس حزب “المستقبل” ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو، بنهب ثروات تركيا، وأكد أنه رأى ذلك حين كان رئيسا للحكومة، ورأى ما يشير إلى فساد الحكومة ومطاردتهم للمناصب والثروات، يشار إلى أن أحمد داوود أوغلو، كان حليفا قويا للرئيس أردوغان، وبات اليوم من خصومه، الذين من بين الذين دعوا الرئيس للاستقالة، كما وتجنب مصير نهايته الإعدام.

في المقابل، تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية في تركيا، لا يعني أنه من السهل الإطاحة به من الحكم، وتبدو هجمات المعارضة تحت عنوان “فضائح” نهب الثروات والمليارات الجاري تكثيفها الآن، ذات طابع انتخابي، والاستفادة كما يقول الخبراء من أخطاء الحزب الحاكم، والعمل على الإطاحة به، والعودة إلى النظام البرلماني ومصالحة دول الجوار، وقد تستغل المعارضة وجود اثنين من الرموز المعروفة في الحزب الحاكم في صفوفها اليوم، وهما أحمد داوود أوغلو الذي بات معارضا شرسا لأردوغان، والوزير السابق علي باباجان للفوز في المعركة الانتخابية.

ويتحرك أحمد داوود أوغلو زعيم حزب المستقبل بالفعل، ويجتمع مع أقطاب المعارضة في البلاد، ويهدف إلى إنشاء تحالف جديد، تجتمع تحت سقفه جميع الأحزاب المعارضة، وأبرزهم كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري، وميرال أكشنار رئيسة حزب الجيد، وهذا التحالف قد يوصل المعارضة للوصول إلى مرشح إجماعي ينافس أردوغان، ويكون له برنامجه الانتخابي الواضح للناخبين، هذه الاجتماعات بكل حال، تفسر حملة الهجوم المشتركة على حزب العدالة والتنمية بعنوان الاتهام بنهب الثروات، والعمل على تشويه سمعته، وتحديدا من عضو سابق فيه رئيس وزراء أسبق كأحمد داوود أوغلو يعرف دهاليزه (العدالة والتنمية)، وخباياه، وتصله المعلومات كما صرح.

ومع هذا يراهن حزب العدالة والتنمية رغم إدراكه تراجع شعبيته وفقا للاستطلاعات، وتكاثر أخطائه، على عدم قدرة توحد المعارضة، بدليل عدم إجماعها على مرشح واحد لخوض الانتخابات الرئاسية ضد مرشح الحزب الحاكم الأوحد الرئيس أردوغان، كما ومعضلتها في تقديم المصالح الحزبية على مصالح تركيا، أو هكذا تقول أدبيات حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأنصاره المتفائلين بسياساته بعد.

النظام الرئاسي المعمول به حاليا في تركيا، أمامه معضلات إشكالية عليه أن يسارع لحلها، وإقناع الناخب التركي بأسباب انتخابه، وبقائه في الحكم، وتحديدا ملفات الاقتصاد، والغلاء، والتضخم، وأهم ما يهم الناخب عودة قدرته الشرائية، وبعملة بلاده المحلية، وقد تكون الملفات الخارجية في حساباته كأولوية فرعية.

وتسارع الحكومة التركية بالفعل الخطى، لخفض معدلات التضخم إلى الآحاد، وذلك قبل الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية المقرر إجراؤها منتصف عام 2023، وبعد الربع الأول من العام 2022 لا بد أن يرى المواطن التركي التغير وتراجع التضخم الذي يسجل أعلى نسبة له بنسبة 36 بالمئة منذ أعوام، كما وثبات أسعار الصرف أمام الليرة التركية التي يقول وزير المالية نور الدين نباتي إنها مستقرة الآن، وإلا سيكون حزب العدالة والتنمية أمام إحراج اقتصادي عنوانه استمرار ارتفاع نسبة التضخم، والأعلى منذ أعوام.

ويبدو أن الرئيس أردوغان لا يزال يراهن على شعبيته التي اكتسبها حزبه للفوز والبقاء، كما وتحالفه القوي مع رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي ضمن تحالف الشعب، فأكد أن الانتخابات القادمة ستمحو حزب الشعب الجمهوري من ذاكرة الأمة، لن يستطيع السيد كمال ورفاقه أن ينقذوا أنفسهم من العاقبة التي تنتظرهم في صناديق اقتراع انتخابات 2023.

بكل الأحوال، ستكون الكلمة العليا والفصل، للناخب التركي، والذي سيقول كلمته الأخيرة فيمن يريد أن يحكمه في الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية القادمة، وعلى المتنافسين أن يزيدوا من حدة التصفيق لعودة نظامهم البرلماني، أو بقاء الرئاسي الحالي، وكلاهما أمام اختبار اقتصادي وحل مشكلة البطالة، يلخصه مشهد صراخ أحد المواطنين الأتراك في قاعة البرلمان بقوله: “مشكلتنا البطالة، أنا جائع”، وجرى طرده للمفارقة من القاعة في مشهد صدم الأتراك على منصاتهم الافتراضية.

* خالد الجيوسي ـ رأي اليوم