الديبلوماسية الأمنية: المهمة الفاشلة

الديبلوماسية الأمنية: المهمة الفاشلة
الأربعاء ١٦ فبراير ٢٠٢٢ - ٠٨:٢١ بتوقيت غرينتش

لم تكن وزارة الخارجية البحرينية بحاجة لأكثر من 49 كلمة، لتبرير ما تداولته وسائل الإعلام بشأن تعيين ضابط من جيش الاحتلال الإسرائيلي بصورة دائمة في البحرين، في سابقة هي الأولى من نوعها في المنطقة، ضمن قاطرة الدول المطبعة. والأنكى في الرواية الرسمية، القول إن عمله يندرج ضمن "حرية الملاحة في المياه الإقليمية"، في الدولة التي لا يربطها منفذ حدودي مباشر، سوى جسر الملك فهد مع السعودية.

العالم - البحرين

في الشكل، فإن وزير الخارجية البحريني، عبد اللطيف الزياني (الرئيس السابق للأمن العام)، لم تشفع له خلفيته الأمنية لأن يكون طرفا مباشرا أو مفاوضا في ما يتعلق بترتيبات التعاون الأمني مع كيان الاحتلال.

فقد انحصرت هذه الإجراءات في أفراد من العائلة الحاكمة ممن هم في مجلس الدفاع الأعلى، كما أن وزير الداخلية، راشد آل خليفة، كان ذا صلاحيات واسعة في هذا التنسيق، بسبب صلة قرابته من العائلة الحاكمة.

طبعا، في دولة أمنية مثل البحرين، لا يعد أي قرار أمني تفصيلا صغيرا، فنحن هنا نتحدث عن بلد فيه ثلاث قواعد عسكرية أساسية، هي: الأسطول الخامس في البحرية الأميركية، والقاعدة العسكرية البحرية البريطانية، بالإضافة إلى "درع الجزيرة".

كما أن هناك الكثير من علامات الاستفهام بشأن ما كشفت عنه وسائل إعلام عبرية، عن أن السبب الحقيقي وراء زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي إلى البحرين، كان تخصيص ميناء بحري بهدف استغلاله أو استخدامه كقاعدة عمل لسلاح البحرية الإسرائيلية.

لذلك، فإن قرارا من هذا النوع لن يكون معنيا بمتابعته وزير كان في يوم من الأيام برتبة أمنية هي أدنى ممن يشكلون مجلس الدفاع الأعلى، فضلا عن كونه من قبيلة موالية للسلطة، وليس فردا من أفراد العائلة الحاكمة.

بيد أن المهمة الأساس للضابط السابق في قوة دفاع البحرين، عبد اللطيف الزياني، في ما يتصل بالأزمة السياسية، هي في استكمال ما لا تستطيع وزارة الداخلية، أو جهاز الأمن الوطني، القيام به، وهو الإجهاز على المعارضة السياسية ديبلوماسيا، وتسويق الإجرام السياسي بوصفه من مظاهر الديموقراطية البحرينية المتقدمة، وكبت أثر نشاط المؤسسات الحقوقية البحرينية والدولية، وإنهاء الإدانات الحقوقية.

هنا، يأتي دور الديبلوماسية الأمنية في مواجهة نشاط المعارضة، التي تنشط رغم كل الملاحقات الأمنية والقضائية، وخطابات الكراهية في وسائل الإعلام الخليجية.

وفي حوار للوزير المفوض بالبعثة الديبلوماسية في جنيف، حسن شفيعي، لجريدة "الأيام" البحرينية في آذار الماضي، تعقيبا على صدور التقرير السنوي الثاني لحقوق الإنسان من سفارة البحرين في المملكة المتحدة (وهي من غرائب الديبلوماسية البحرينية)، كشف عن توجيه مشدد للوزير الزياني للبعثات الديبلوماسية للعناية بالملف الحقوقي.

إلا أنه كشف عن هذا التوجيه، بعد أيام من صدور قرار من البرلمان الأوروبي المتعلق بأوضاع حقوق الإنسان في البحرين، الأمر الذي كان بمثابة فشل ديبلوماسي محرج لوزير الخارجية الجديد، رغم الجهود الحثيثة لشركات العلاقات العامة التي تخصص لها أموال طائلة.

تحاول السلطة العمل على بعض المشاريع غير الجادة للتسويق لنفسها بأنها حققت تغييرا حقوقيا مهما

ومن أحد أهم أسباب الإخفاق الديبلوماسي، سيطرة المنهج الأمني في الدولة، إذ ليس مطلوبا من السلك الديبلوماسي أو المؤسسات الرديفة في السلطة، بما فيها منظمات "الفونغوز"، سوى استلام البيانات النصية التي تصدر عن وزارة الداخلية، بعد أي إدانات حقوقية إعلامية، وإعادة تغريد محتواها، خصوصا مع عدم وجود أي تغييرات جذرية في ما يتصل بالواقع الحقوقي في البحرين.

وفيما ستتم مراجعة ملف البحرين الحقوقي في مجلس حقوق الإنسان، قبل نهاية السنة الحالية، تحاول السلطة العمل على بعض المشاريع غير الجادة، للتسويق لنفسها بأنها حققت تغييرا حقوقيا مهما.

وأخيرا، أعلنت الحكومة عن توجهها لمشروع - ما زال متعثرا - يتمثل في توقيع مذكرة تفاهم مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، بغرض التعاون التقني.

إلا أن المجتمع الحقوقي المستقل، في غالبيته، لديه اعتراضات والكثير من المخاوف بشأن توقيع هذه المذكرة، لا سيما أن السلطات البحرينية تعمد إلى توظيف مثل هذه المشاريع في الإعلام الديبلوماسي، للتسويق لما تصفه بالإنجازات، بينما الحقيقة هي أن عداد الانتهاكات لا يتوقف.

ومما لا شك فيه، أن وزارة الخارجية البحرينية سترغب كثيرا في توقيع مذكرة التفاهم، من أجل معالجة الإخفاق الديبلوماسي. ولكن المؤكد، أنه ما لم تكن هناك بنود قانونية واضحة فيها، بشأن الإصلاح الحقوقي الحقيقي، فإن السلطات البحرينية لن تلتزم سوى باللف والدوران، الذي تجيد القيام به بشكل جيد.

كذلك، كانت هناك المهمة الأخيرة، قبل أشهر، لعبد الله الدوسري مساعد وزير الخارجية السابق (يمتلك خبرة أمنية على مدى 25 عاما)، المتمثلة في متابعة إنجاز مقدمات الخطة الوطنية لحقوق الإنسان، التي لم يشرك فيها المجتمع المدني المستقل والمعارض في البحرين. بالتالي، فعلى الأغلب أنها ستتضمن القضايا الحقوقية غير الرئيسية.

البحرين، اليوم، في أمس الحاجة إلى العدالة الانتقالية، فالديبلوماسية الأمنية التي تشتغل ليل نهار على تسويق الانتهاكات، أو تصديرها، كما هي الحال بشأن ملاحقة الفعاليات البحرينية في بيروت، لا تضيف سوى مزيد من السمعة السوداء لأيادي القمع البوليسي.

إنهاء الأزمة السياسية، يتطلب استجابة فورية لمطالب البحرينيين في الحق السياسي، وتمكينهم من أن يكونوا مصدرا حقيقيا للسلطات. وما دون ذلك، فإن التفريط بالسيادة الوطنية لدى كيان الاحتلال، بوصفه بديلا عن أزمة الشرعية الشعبية، لن يجلب سوى مزيد من التوترات في المنطقة والتراجعات الخطيرة محليا.

المصدر: جريدة الأخبار