ما وراء كواليس "الحي اليهودي" في الإمارات

ما وراء كواليس
الأربعاء ٢٠ أبريل ٢٠٢٢ - ٠٦:٠٥ بتوقيت غرينتش

ستضيف الإمارات، إلى معالمها الكثيرة، حياً يهودياً، تريده في الظاهر أن يكون رمزاً للتسامح، إلا أنه في الواقع محاولة للاندماج أمنياً مع كيان الإحتلال، المطلوب منها حماية نظام أبو ظبي، مع تراجع الضمانة الأميركية له ولغيره من أنظمة مجلس التعاون.

العالم - الإمارات

أما الهدف بالنسبة إلى "إسرائيل" فهو استيطان جزيرة العرب، حيث سيمثل ذلك الحي المستوطنة الإسرائيلية الأولى خارج «أرض العسل واللبن»، لتتعمم بشكل أو آخر لاحقا على السعودية والكويت وقطر وسلطنة عمان.

حين يحمل حي في مدينة ما، اسم جالية أجنبية، كما الحي الصيني في باريس، أو غيره الكثير في كل أنحاء العالم، فإنه يكتسب هذا الاسم عبر عشرات السنين من الهجرات التي يتجمع خلالها المهاجرون من بلد معين في ذلك الحي، لتخفيف آثار الغربة، والاستفادة ماديا من سهولة التعامل مع أشخاص من الثقافة نفسها.

الحي اليهودي المنوي إقامته في الإمارات، لا يندرج ضمن هذه الخانة، إذ سيكون حيا مفتعلا له وظائف كثيرة وخطيرة، يراد منها زرع ما يزيد غربة أهل هذه البلاد في ديارهم، من دون حتى أن يتغربوا.

لا أحد أشطر من نظام الإمارات، القائم على التآمر حتى قبل تأسيس الدولة، حين كانت تحاك المكائد بين القبائل أو داخل القبائل نفسها في الصراع الأبدي على السلطة في تلك المنطقة القاحلة، في التقاط أين تكمن القوة.

هم أدركوا أخيرا أن أميركا نفسها ليست ضمانة، لأنها تركتهم فريسة للقلق على المستقبل خلال السنوات العشر المضطربة الأخيرة، وما عادوا يرون ضمانة غير الارتماء في حضن "إسرائيل" التي يعتقدون أنه دائما ما يكون النفوذ في العالم حيثما تكون، سواء في أميركا أو في روسيا أو الصين أو أي مكان آخر.

لا يعود غريبا حينها أن تكون الوتيرة التي تريدها الإمارات في التطبيع، أسرع من تلك التي يمكن أن يتحملها أو يستجيب لها العدو نفسه، حيث يواجه الأخير مشكلة على مستوى الإحلال والتوطين في "إسرائيل" نفسها، ولا سيما في مستوطناتها في الضفة الغربية، فكيف سيبني حيا يحمل اسم جالية لا يوجد منها إلا نحو ألفي شخص، سوف تقام لهم منازل وفنادق ومراكز تسوق (كوشير) ومدارس وكنيس ومركز للجالية وحتى حمامات «ميكفاه»، بحسب ما أعلن رئيس «المجلس الأعلى لليهود في الإمارات»، الحاخام الأكبر إيلي عبادي، الذي يراهن على انتقال الكثير من اليهود للإقامة في الدولة الخليجية.

ولا يعود مستهجنا أيضا، والحال هذه، أن يقوم المستشار الرئاسي الإماراتي، أنور قرقاش، المستند إلى التحالف مع "إسرائيل"، بتقريع أميركا، على رغم اعتذار وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، لولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، على التأخر في الرد على الهجمات بالصواريخ والمسيرات التي شنتها «أنصار الله» ضد العمق الإماراتي، فيقول في مجلس رمضاني لابن زايد بكل جرأة إن الهيمنة الغربية على النظام الدولي تعيش أيامها الأخيرة، وإن الإمارات تعيد النظر في تحالفاتها، وإن الصين لاعب قوي، رافضا تقسيم الدول إلى دول ديموقراطية وأخرى استبدادية، وهو تقسيم أميركي، ومعتبرا أن النظام الاقتصادي المعتمد على الدولار عمره 70 عاما، و«التغيير طبيعة الحياة، والثبات والاستقرار هما الشواذ».

الوظيفة الأولى للحي اليهودي، إماراتيا، تحقيق مزيد من التماهي الأمني مع "إسرائيل"

الوظيفة الأولى للحي اليهودي، إماراتيا، ستكون تحقيق مزيد من التماهي الأمني للإمارات مع "إسرائيل"، وليس إظهار التسامح، كما يقول مستشار ابن زايد، الأستاذ الجامعي عبد الخالق عبد الله، وهو تسامح مفقود كليا إزاء أي شكل من أشكال الاعتراض على سياسة الحكام، إذ ستسعى "إسرائيل" إلى ضمان أمن هذا الحي، وهو ما يفترض وجود ثقة إسرائيلية بأمن الإمارات، بل والمشاركة فيه ومعرفة كل تفاصيله.

أما الهدف بالنسبة إلى "إسرائيل" فهو استيطان جزيرة العرب، حيث سيمثل ذلك الحي المستوطنة الإسرائيلية الأولى خارج «أرض العسل واللبن»، وإنما في أرض النفط، لتتعمم بشكل أو آخر لاحقا على السعودية والكويت وقطر وسلطنة عمان، بعدما كان نظام البحرين سباقا إلى خطوات مماثلة، على رغم أنه لم يستطع اجتذاب الكثير من الإسرائيليين بسبب العداء الشعبي البحريني لـ"إسرائيل"، فظل عدد أفراد الجالية اليهودية هناك بحدود 35 شخصا بينهم مسؤولون في الحكومة البحرينية وسفراء.

إزاء ذلك، جاء الرفض للحي اليهودي في الإمارات، خليجي الطابع، حيث هاجم معارضون سعوديون ذلك بشدة على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة أن ما هو مسموح للإسرائيليين لا يتوفر للمعارضين الذين لا يستطيعون الإقامة في بلدانهم خارج السجون، وخصوصا في الإمارات، التي يتغنى حكامها بوجود نحو 200 جنسية على أراضيها ليس فيها حي واحد يحمل اسم أي من تلك الجاليات التي يعد بعضها بالملايين مثل الهنود والبنغلادشيين والمصريين.

ومما زاد من استفزاز مشاعر الخليجيين، تزامن التقارير بشأن الحي اليهودي في الإمارات مع تصعيد إسرائيلي كبير ضد الفلسطينيين في المسجد الأقصى. وإدانة رفع العتب الإماراتية لاقتحام الأقصى، أدرجها معارضون خليجيون ضمن ما سموه «سايكولوجيا النفاق» التي شب عليها عيال زايد وشابوا، وخاصة أن هذا توازى مع إعلان وقح عن مشاركة طائرات حربية إماراتية في الاحتفالات التي يقيمها العدو في ذكرى نكبة فلسطين.

المصدر: جريدة الأخبار