العالم - منوعات
لطالما جذبتنا الفراشاتُ إليها من خلال ألوانها الزاهية كأنها لمسة سحرية أبدعها الخالق. التقزح اللوني على أجنحتها ولمعانها من زوايا مختلفة مع قدرتها على التكيف مع حرارة الشمس، دفع بالعديد من العلماء إلى الخوض في أسرارها.
باستخدام الفحص المجهري الإلكتروني (SEM)، اتضح أن أجنحة الفراشة مصنوعة من مواد فاخرة جداً [1]، حيث إنها تستخدم بِنًى نانوية تحقق تلويناً عالي الدقة في مقاييس أرق من البدائل الاصطناعية، كما تحتوي على ألوان فائقة التصميم تضاهي أكثر المواد الاصطناعية!
تتكوّن الأجنحة من عدة طبقات محصورة بالهواء ذات الهياكل النانوية، وتحتوي على ثلاث مناطق متميزة، وهي الصفيحة العلوية الشديدة التعقيد، والصفيحة السفلية المسطحة والخالية من الملامح، والاتصال الشبيه بالعمود للطبقتين.
عندما يضرب الضوء هذه الطبقات المتباعدة بشكلٍ متساوٍ، فإن الانعكاسات الضوئية تخلق أنماط تداخل بنّاءة تؤدي إلى إدراك أعيننا لألوان شديدة الكثافة على أجنحتها (تماماً مثل فقاعات الصابون الملونة إذا ما انكسر عليها الضوء فإنها تُظهر "تقزحاً لونيّاً").
تسهم هذه الهياكل بأنواعها وصغرها المتناهي في اختيار الألوان من خلال عكس أطوال موجية ضوئية معينة. اعتماداً على الشكل والحجم والزاوية والتباعد بين الهياكل، يتم إلغاء أو تقوية بعض الألوان بشكل انتقائي، ما يعطي اللون الفعلي لجناح الفراشة بناءً على القياس النانوي الخاص بالهيكل. يرتد الضوء داخل هذه المواد بطريقة مبعثرة، منتجاً ألواناً زاهية.
أجهزة تكييف نانوية تخفف حرارة الأجنحة
تستخدم الفراشات الأجنحة لاستشعار الأشعة المرئية والأشعة ما تحت الحمراء، وتستجيب للسلوكيات المتخصصة لمنع ارتفاع درجة حرارة الأجنحة.
تعتبر درجة الحرارة على قدر كبير من الأهمية بالنسبة إلى الفراشات أثناء تحركها. يجب أن تبقى عضلات صدرها دافئة حتى تتمكن من التحكم في أجنحتها، وجعلها تتحرك بالسرعة الصحيحة.
إحدى الدراسات وجدت أن الأجنحة مجهزة بأنسجة حية ضرورية للبقاء والطيران حيث إن الحرارة المرتفعة ستجعلها تشعر بعدم الارتياح.
وكي تتفادى الفراشة الحرارة العالية، فإن المواد السميكة المجوفة في أجنحتها تشع حرارة أكثر من المواد الصلبة الرقيقة [2]. في هذه الحالة، تتم تغطية كل عروق جناح الفراشة بطبقة سميكة من الكيتين (مادة تدعم الهيكل الخارجي لها). بصرف النظر عن هذا، فإن الهياكل النانوية الأنبوبية في وسادات الفراشة تشع أيضاً الحرارة من أنسجة الجناح، وهذا كفيل لها كي تطرد الحرارة العالية من بدنها إلى بيئتها المحيطة، وبالتالي تعمل على تبريد ذاتها.
خلاصة: من خلال استخدام الخصائص المختلفة لأجنحة الفراشة، نجحت الأبحاث العلمية في تصنيع أجهزة استشعار حرارية وطبية وبخار وأجهزة أمان مضادة للتزييف ومحفزات ضوئية وأنظمة كهروضوئية ومولدات نانوية احتكاكية وأنظمة تخزين الطاقة. بالمقارنة، أظهرت هذه الأنظمة كفاءة وأداء تنافسيين لأنظمة مماثلة مستوحاة من الأنواع الطبيعية الأخرى، ما يُترجم مقولة ألبرت أينشتاين "انظر بعمق في الطبيعة، وبعد ذلك ستفهم كل شيء بشكل أفضل".
يمكن للمواد الضوئية الحرارية المستوحاة من أجنحة الفراشة أن تكتسب الاهتمام بأبحاث تقنيات "التخفي الناشئة للحرب الحديثة" وتقنيات البحث العلمي، مثل الصواريخ والأجهزة غير القابلة للكشف الضوئي.
أخيراً، أظهرت أجنحة الفراشة خصائص عديدة ومتنوعة أبهرت العلم الحديث، بعضها تمّت الاستفادة منه، والبعض الآخر ما زال سرّه وجوابه عند الفراشة وحدها.