انفراجة حقوقية في مصر: النظام يرسم دائرة أمان

انفراجة حقوقية في مصر: النظام يرسم دائرة أمان
الخميس ٢٨ أبريل ٢٠٢٢ - ٠٣:٥٣ بتوقيت غرينتش

مرة جديدة، يعود النظام المصري إلى تفعيل السياسات نفسها عندما تشتد عليه الأزمات. إذ توازيا مع إطلاقه دعوة إلى حوار سياسي، عمد إلى إطلاق عدد من السجناء المعارضين، في مسعى منه لإظهار تحول في تعامله مع القضايا التي تخص حقوق الإنسان. ومن المنتظر أن يرفق ذلك بإصلاحات سياسية تستهدف جذب استثمارات أجنبية، وتبرير الإجراءات الاقتصادية القاسية المرتقبة.

العالم - مصر

لم يتأخر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في إطلاق "حوار سياسي" "يتناسب مع فكرة بناء أو إطلاق الدولة الجديدة". فخلال إفطار "الأسرة المصرية" الذي نظمته الرئاسة وسط حضور لافت لقيادات معارضة، من مثل حمدين صباحي، الذي شارك للمرة الأولى في فعالية رئاسية، والكاتب خالد داود الذي أمضى أكثر من عامين خلف القضبان، تطرق السيسي إلى جوانب مختلفة في السياسة والاقتصاد. وكان الرئيس قد وجه بإجراء "حوار وطني" مع القوى السياسية كافة من دون "تمييز ولا استثناء". فإن السيسي "كلف إدارة المؤتمر الوطني للشباب (رسمي) بالتنسيق مع كل التيارات السياسية الحزبية والشبابية لإدارة حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة". وطلب "رفع نتائج هذا الحوار إليه شخصيا"، واعدا بـ"حضور المراحل النهائية منه". كذلك قرر "إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي (تشكلت أواخر عام 2016)، على أن توسع قاعدة عملها بالتعاون مع الأجهزة المختصة ومنظمات المجتمع المدني المعنية"، بحسب المصادر نفسها. وتأتي هذه الخطوة استجابة لضغوط دولية، فيما يسعى النظام إلى استغلالها من أجل الحصول على الدعم اللازم للإجراءات الصعبة التي يعتزم السير بها على المستوى الاقتصادي في الأسابيع المقبلة، نتيجة الأزمة الخانقة التي يمر بها الاقتصاد، والتي لم ينجح الدعم الخليجي، في الأسابيع الماضية، في التخفيف من آثارها.

وفيما تؤكد الرئاسة المصرية عدم تدخلها في شؤون القضاء، رحب السيسي بإطلاق عدد من الموقوفين السياسيين، ذلك أن "الوطن يتسع للجميع". وجاء هذا في ظل استمرار الإفراج عن النشطاء السياسيين المحبوسين على ذمة قضايا سياسية وقضايا رأي. وأن هناك توجها للإفراج عن المرشح الرئاسي السابق المحبوس على ذمة قضايا عدة، عبد المنعم أبو الفتوح، على أن تدرج أسماء مجموعة من الشبان المسجونين بموجب لجنة العفو الرئاسي التي انضمت إليها وجوه محسوبة على المعارضة. وجرى إطلاق المعتقلين بشكل منظم ووفق توجيهات عليا أعلن عنها "المجلس القومي لحقوق الإنسان" برئاسة الوزيرة السابقة، مشيرة خطاب، الساعية إلى تحسين سجل مصر الحقوقي أمام المجتمع الدولي بتحركات دبلوماسية مكثفة، في مقدمها استغلال عملية الإفراج عن النشطاء السياسيين. واللافت في عمليات الإفراج هذه، أن أقل شخص مفرج عنه، أمضى عامين أو أكثر خلف القضبان من دون محاكمة، هي أقصى مدة للحبس الاحتياطي بحسب قانون الإجراءات الجنائية الذي عدله السيسي عقب وصوله إلى السلطة، ما يعني أن الإفراج لم يكن منحة أو هبة، لكنه حق مكتسب للمحبوسين تأخر تنفيذه لاعتبارات سياسية.

ولا يعد ما تقدم دليلا على تغيير النهج الأمني في التعامل مع المعارضة؛ فغالبية المحبوسين تعرضوا للتنكيل على مدار أكثر من عامين، وهناك عشرات غيرهم أمضوا على الأقل عاما واحدا محبوسين على ذمة اتهامات مطاطة، وجدد حبسهم تلقائيا، فيما تستمر عملية توقيف المعارضين، وآخرهم الصحافية صفاء الكوربيجي التي اعتقلت من منزلها قبل أيام، بسبب مقاطع مصورة وتدوينات انتقدت فيها الرئيس المصري، ومدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل. وتأتي هذه الخطوات في إطار مساعي النظام المصري للترويج لنفسه على أنه يعمل على تحسين وضع حقوق الإنسان في مصر، وتسوية أوضاع المعتقلين السياسيين على ذمة قضايا خلفيتها انتقاد سياسات السيسي وطريقة إدارته للبلاد. ولا تعد تلك المحاولات موضع ثقة لدى المعارضين، وخاصة أن النظام حاول التملص من مسؤوليته عن وفاة الباحث الاقتصادي المعارض، أيمن هدهود، وإبقاء جثمانه لمدة شهر في مستشفى الصحة النفسية قبل إبلاغ أسرته. وفي السياق، كشف عضو "المجلس القومي لحقوق الإنسان"، محمد أنور السادات، أن الفترة المقبلة ستشهد مزيدا من المراجعات القانونية لمواقف النشطاء المسجونين، بالإضافة إلى عودة العفو الرئاسي وإعداد قوائم بالمسجونين المطلوب حصولهم على العفو، وهي خطوات تشبه ما قام به النظام عامي 2015 و2016، في ظل حاجته، في حينه، إلى استثمارات أوروبية وقروض خارجية.

ويعمل النظام، راهنا، على الخروج بموقف سياسي موحد ومتفق عليه مع المعارضة للتعامل مع الإجراءات الاقتصادية المتوقعة خلال الأسابيع المقبلة، والتي ستكون من بينها خطوات جديدة على مستوى رفع الدعم، أو تخفيض قيمة الجنيه مجددا بأكثر من 20% ضمن سياسة وضع سعر حر للصرف، فضلا عن النقص المتوقع في عدد من السلع المستوردة نتيجة ترتيبات الترشيد لتحجيم الاستيراد، في ظل تعديل حكومي يجري إعداده ليكون "كبش فداء" لكل ذلك .

المصدر: جريدة الأخبار