الظروف مهيأة لتكرار سيف القدس

الظروف مهيأة لتكرار سيف القدس
الثلاثاء ١٠ مايو ٢٠٢٢ - ٠٦:٥٧ بتوقيت غرينتش

لا تزال شوارع مدينة غزة ومبانيها السكنية وبنيتها التحتية التي تعرّضت للقصف الصهيوني العنيف في معركة "سيف القدس" (الحرب الرابعة)، شاهدة على العدوان الذي بدأ في 10 مايو/أيار من العام الماضي، واستمر حتى 21 منه، وسط تباطؤ في عمليات إعادة الإعمار وتهديدات "إسرائيلية" بتكرار الحرب، وظروف مهيّأة لاشتعال التوتر والتصعيد مرة أخرى.

العالم - فلسطين

ولم تُنجَز عمليات إعادة الإعمار كما يجب إلى الآن، ولا بوادر على دعم دولي وعربي لهذه العمليات، كما كان الحال في الحروب السابقة، ولا تزال غزة تعاني الظروف الاقتصادية والمعيشية القاسية نفسها، فيما لم تعد "التسهيلات الإسرائيلية" تجدي نفعاً، مع استمرار معاناة أكثر من مليونين وربع مليون فلسطيني في القطاع المحاصر.

ووفق الإحصائيات الرسمية، فإنّ ما أُنجِز في ما يتعلق بالإعمار، 200 وحدة سكنية من أصل 1700 وحدة هُدمت بشكل كامل. أما الوحدات المتضررة جزئياً، فبلغ عددها 60 ألف وحدة سكنية، أنجز منها 70 في المائة إلى الآن، فيما 30 في المائة لم تُرمَّم بعد، هذا فضلاً عن وجود 1300 وحدة سكنية من الحروب السابقة لم يتم إعمارها بعد.

وخلال عدوان 2021، أطلقت المقاومة الفلسطينية في 11 يوماً، 4300 صاروخ استهدفت بها مناطق مختلفة من دولة الاحتلال، وكشفت عن طائرات مسيّرة من صنعها، وصواريخ أكثر دقة، وميّزت ضرباتها كثرة أعداد الصواريخ في الضربة الواحدة، على عكس الحروب السابقة.

واستشهد نحو 250 فلسطينياً في تلك الأيام الـ11 من العدوان، بينهم 70 طفلاً و40 سيدة، فيما قتل 13 إسرائيلياً وأصيب آخرون في المواجهة التي استخدمت فيها إسرائيل كل قوتها العسكرية والنارية، وشهدت مجازر جماعية مُحيت على إثرها عائلات بأكملها من السجل المدني الفلسطيني.

فقد ارتكبت إسرائيل في العدوان الواسع مجازر ترقى إلى جرائم حرب، وفق توثيق منظمات حقوق إنسان فلسطينية. ففي 15 مايو من العام الماضي، دمر الطيران الحربي الإسرائيلي بستة صواريخ منزلاً من ثلاث طبقات لعائلة أبو حطب في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد 10 أشخاص، بينهم امرأتان وثمانية أطفال من عائلتي أبو حطب والحديدي.

وفي اليوم التالي، 16 مايو، ارتكبت قوات الاحتلال مجزرة أكثر دموية وسط مدينة غزة، حين قصفت عمارة سكنية وتجارية لعائلة أبو العوف فوق رؤوس ساكنيها، ما أدى إلى استشهاد 24 فلسطينياً، جلّهم من النساء والأطفال.

وليس بعيداً عن المجزرة السابقة، وفي ذات توقيت تلك المجزرة، ارتكبت إسرائيل مجزرة ثالثة بحق عائلتين في شارع الوحدة وسط غزة، ما أدى إلى استشهاد 18 شخصاً من عائلة القولق.

وعلى الرغم من مرور عام على حرب "سيف القدس"، إلا أن الأجواء الحالية، ومنذ شهر رمضان الماضي (من 2 إبريل/نيسان الماضي حتى 1 مايو الحالي)، كانت تُقرّب غزة أكثر من التوتر والتصعيد. فالظروف نفسها التي أشعلت المعركة العام الماضي (اعتداءات في الأقصى وحيّ الشيخ جراح بالقدس) كانت حاضرة هذا العام، ولكن هذه المرة نجت غزة من التوتر العسكري، ولم تنجُ من التهديد والوعيد الإسرائيلي.

وحققت المواجهة الفلسطينية مع الاحتلال منذ 13 إبريل 2021، وحتى المواجهة العسكرية مع غزة في 10 مايو من العام نفسه، وحدة فلسطينية حقيقية، وفرض الفلسطينيون في الداخل المحتل أنفسهم عاملاً مؤثراً في الأحداث بعد سنوات من محاولات إسرائيلية لتدجينهم وسلخهم عن هويتهم الوطنية.

ولا تزال تداعيات المبدأ الذي فرضته المقاومة بـ"ترابط الساحات الفلسطينية" حاضراً في المشهد، مع خشية إسرائيلية حقيقية من أنّ أي عمل عسكري مقبل، ستكون الجبهات الفلسطينية موحدة فيه، كما جرى مع الهبّة الشعبية التي سبقت "سيف القدس".

وعلى صعيد المقاومة، ووفق معلومات "العربي الجديد"، أعادت الفصائل بناء قوتها العسكرية التي خسرتها خلال معركة "سيف القدس"، إذ أتمّت بناء أنفاقها التي تعرضت للاستهداف الإسرائيلي المباشر وغير المباشر خلال العدوان. كذلك تُسجل زيادة التنسيق بين الأذرع العسكرية، وخصوصاً حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" لمواجهة التحديات المقبلة.

وتُجري المقاومة بين الحين والآخر، منذ انتهاء الحرب الرابعة، تجارب صاروخية بشكل لافت تجاه بحر غزة، لتطوير قدراتها العسكرية، ولإظهار جاهزيتها للمواجهة، إن حدثت. مع العلم أن المقاومة تفضّل حالياً البعد الشعبي والفردي في المواجهة، لما له من تأثير واضح في تدفيع الإسرائيليين ثمناً أكبر.

سياسياً، تقول الفصائل الفلسطينية إن معركة "سيف القدس" حققت إنجازات وفرضت معادلات من غير المسموح تغييرها، وأعادت البوصلة للقضية الفلسطينية، في ظلّ حالة التطبيع التي اجتاحت المنطقة والتقارب بين بعض الدول العربية والاحتلال الإسرائيلي.

وبالنسبة إلى القيادي في حركة "حماس"، إسماعيل رضوان، فإنّ معركة "سيف القدس" التي جاءت انتصاراً لأهالي حيّ الشيخ جراح والقدس ولتأكيد الخط الأحمر الفلسطيني المتمثل بالمسجد الأقصى، "حققت إنجازات كبيرة، أولها أنها كانت عامل ردع للاحتلال، وأكدت أن أي اعتداء على القدس والأقصى، اعتداء على الشعب الفلسطيني ككل، وأن المقاومة لم ولن تسكت عنه".

ويشير رضوان، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "المعركة رسخت قواعد اشتباك جديدة مع الاحتلال، وأكدت أن المقاومة هي الخيار الحقيقي الذي يعوّل عليه الشعب الفلسطيني للدفاع عنه، وأنها حاضرة للرد على كل عدوان إسرائيلي".

ويضيف رضوان أن "المعركة وحّدت الفلسطينيين في غزة والضفة والداخل المحتل، وأعادت الاعتبار للقدس والقضية الفلسطينية عربياً ودولياً، وأنتجت حالة إرباك في المنظومة السياسية والأمنية والعسكرية للاحتلال الإسرائيلي، الذي ظنّ واهماً أنه استطاع إبعاد فلسطينيي الداخل المحتل عن وطنهم وأنه نجح في تدجينهم".

ويتابع المتحدث نفسه، قائلاً إن "المعركة أكدت أن المقاومة هي الخيار الأمثل والأقدر على تحقيق الإنجازات لشعبنا، وإن خيار التسوية والتنسيق مع الاحتلال فاشل ولا يحقق شيئاً، فالمقاومة في حالة صعود، وكل خياراتها أثبتت نجاعتها في مواجهة العدوان والاحتلال والمستوطنين".

ويلفت القيادي في "حماس" إلى أن "ما يحدث في الضفة والقدس المحتلتين حالياً، ومنذ بداية شهر رمضان الماضي، من مفاعيل سيف القدس، فهذه الحالة الثورية والاشتباك مع الاحتلال جزء مما صنعته المعركة، والمقاومة اليوم حينما تعلن موقفاً، فإنها تؤكد أنها سند حقيقي لشعبها".

ويشدد رضوان على أن "المقاومة دائماً في حالة جاهزية تامة للدفاع عن شعبنا ومقدساته، وإذا ما تجاوز الاحتلال الإسرائيلي الخطوط الحمراء، فالمقاومة لن تسمح له بتغيير قواعد الاشتباك وفرض قواعد جديدة في الضفة والقدس، وسيدفع ثمن أي حماقة ضد الفلسطينيين".

وفي السياق نفسه، يشير القيادي في حركة "الجهاد الإسلامي"، أحمد المدلل، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "كل ما نراه من حالة اشتباك في الضفة الغربية والعمليات النوعية في الداخل المحتل، رافد من روافد سيف القدس التي وحدت الشعب الفلسطيني، وأكدت أن هناك مقاومة تحمي المسجد الأقصى وتردع المستوطنين الذين يحاولون تكريس وقائع جديدة على الأرض في المسجد".

ويوضح المدلل أن "معركة سيف القدس أنهت الاستفراد الإسرائيلي بالضفة والقدس وغزة، وأحدثت تحولاً جذرياً وقواعد جديدة بوحدة الساحات الفلسطينية في المواجهة والاشتباك، إذ أصبحت فلسطين كلها ساحة مقاومة موحدة في مواجهة العدوان الإسرائيلي".

ويؤكد المدلل أن "إسرائيل في حالة تخبّط سياسي وأمني، وكل مخططاتها لفصل الفلسطينيين بعضهم عن بعض والتعامل معهم كمناطق منفصلة باءت بالفشل". ويبين أن "المجتمع الإسرائيلي لم يعد يحتمل ضربات المقاومة، ويعيش حالة من التفكك أكثر من أي وقت مضى".

ويشير المتحدث نفسه إلى أن "المقاومة تسابق الزمن من أجل تطوير قدراتها وأدواتها النضالية، وهي على أتمّ الجاهزية لردع الاحتلال ومستوطنيه، وقادرة على إيلامه أكثر مما مضى، وكل يوم تحقق المقاومة إنجازات في قدراتها وأدواتها، ولم ولن تتوقف عمليات التطوير والإنتاج".

أما عضو اللجنة المركزية لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، هاني الثوابتة، فيقول في حديث مع "العربي الجديد"، إن "معركة سيف القدس رسّخت معادلات جديدة في الساحة الفلسطينية من خلال وحدة مكوناتها وتلاحم كل الساحات والأداء المقاوم، وما يجري اليوم امتداد لما تحقق في المعركة".

ويرى الثوابتة أن "كل الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة في الأقصى فشلت، لأن المشهد في معركة سيف القدس وما انطوت عليه هذه المعركة من إنجازات، كان بمثابة القوة التي تلوّح بها المقاومة في حال تصاعُد الإجراءات، والمعركة ممتدة وتستند إلى ما تحقق في سيف القدس".

ويلفت الثوابتة إلى أنه "حتى يكتمل المشهد وتتقوّى الساحة الفلسطينية، نحن بحاجة إلى بناء استراتيجية مقاومة على الصُّعد كافة، وتعظيم حالة الاشتباك بين الشعب الفلسطيني والاحتلال، وهذه الاستراتيجية تعتمد على المقاومة المسلحة والشعبية والإعلامية والدبلوماسية والسياسية وتوحيد كل الميادين والساحات الفلسطينية".

ويشير إلى أن "المقاومة تعظّم من إمكاناتها وقوتها، واستطاعت بعد معركة سيف القدس أن تضع تكتيكات جديدة لمواجهة التحديات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي بأنماط مختلفة".

بدوره، يشير الكاتب والمحلل السياسي، أحمد الكومي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى جملة من "المكاسب الفلسطينية التي ترتقي إلى المستوى الاستراتيجي، والتي تحققت من خلال سيف القدس"، موضحاً أنها كانت "معركة استثنائية في إطار المواجهة والمعارك التي يخوضها الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده".

ووفق الكومي، "أعادت المعركة الاعتبار للقضية الفلسطينية، في ظلّ الانشغالات الكبيرة في الإقليم والعالم بشكل عام، كذلك أعادت القضية إلى المجتمع الدولي الذي تناساها، وأكدت للجميع أن الهدوء في الشرق الأوسط لن يتم من دون حل حقيقي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي".

ويضيف المتحدث نفسه أن "سيف القدس أثبتت قدرة المقاومة على الدفاع عن شعبها وامتلاكها الآلية لتدفيع الاحتلال الإسرائيلي ثمن جرائمه وجرائم المستوطنين بحق الفلسطينيين، وأنها قادرة على إفشال مخططات الاحتلال ومشاريع الأسرلة، وكذلك فإن ما تقوم به غزة من إعداد وتجهيز ليس من أجل مطالب حياتية، على أهميتها، بل من أجل القضية الكبرى، وهي التحرير".

وبحسب الكومي "كانت معركة سيف القدس مفاجئة للاحتلال الإسرائيلي، ونجحت في أن تفقده عنصر المبادرة، وجعلته غير قادر على التنبؤ بقدرات المقاومة وردها"، مشيراً إلى أن "المقاومة حققت مكتسبات في هذه المعركة، ولا تزال تمتلك زمام المبادرة، في ظلّ فشل الاحتلال في تقدير موقفها وردها على الأحداث".

وبالنسبة إلى الكومي، فإن ما جرى في رمضان الماضي وبعده "أثبت أن المقاومة أدارت معركة أخرى باقتدار ومن دون رصاصة واحدة، وقد رأينا النتيجة في منع اقتحامات الأقصى بالأعداد الكبيرة كما في السابق، واستطاعت المقاومة تقييد المستويين الأمني والسياسي في إسرائيل، وجعلهما في حالة إرباك وفقدان الخيارات في التعامل مع هذه الحالة، في ظل إدراك إسرائيلي بأن المقاومة قد تذهب بعيداً لمواجهة أي تصعيد".