تصاعد التوتر في لبنان مع اقتراب الانتخابات

تصاعد التوتر في لبنان مع اقتراب الانتخابات
الأربعاء ١١ مايو ٢٠٢٢ - ٠٧:٣٩ بتوقيت غرينتش

اشتدت الحماوة الانتخابية قبل أربعة أيام من انطلاق استحقاق 15 أيار المنتظر وارتفع منسوب التوتر السياسي، وكان الخطاب الأبرز الذي ألقاه كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، اللذين رسما فيه خريطة طريق سياسية اقتصادية للخلاص من مآسي البلد، عبر إستغلال ثروات لبنان من الغاز والنفط في مياهه الإقليمية وكيفية التعامل مع مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، بالإضافة الى تحصين حقوق المودعين من أي محاولة للتضييع أو التمييع، وذلك عبر الدعوة لإصدار قانون يضع خطاً أحمر يمنع أي مساس بهذه الحقوق.

العالم - لبنان

صحيفة البناء اللبنانية اعتبرت أن ثنائي حركة أمل وحزب الله أخرج على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله، في كلمتين متتاليتين خريطة طريق سياسية اقتصادية للخلاص، بعدما تلاقت الكلمتان عند توصيف الاستحقاق الانتخابي بتصفية حساب يريد أن يجريها خصوم المقاومة لحساب أعدائها في الخارج انتقاماً من انتصاراتها. ومثلما وصف السيد نصرالله الحملات التي تستهدف المقاومة بحرب تموز سياسية، قال الرئيس بري إن الحملة التي تقودها اللوائح العابرة للسفارات تريد الانتقام لاتفاق 17 أيار الذي أسقطته المقاومة وانتفاضات الشعب اللبناني وقواه الوطنية، وكذلك الانتقام من انتصار 25 أيار الذي انتهى بتحرير جنوب لبنان من الاحتلال، لأنه حقق فائضاً من الكرامة يفوق قدرة هؤلاء على تحمّله.

وفيما ذهب السيد نصر الله الى اعتبار الاستحقاق الانتخابي استفتاء بين خياري السلم الأهلي والحرب الأهلية، ومعبراً حتمياً نحو أحدهما وفقاً لوجهة تصويت الناخبين، اعتبر الرئيس بري الاستحقاق استفتاء على منظومة قيم المقاومة والكرامة، في مقابل منظومة قمة الفساد والنفاق، التي قال السيد نصرالله إنها تتكوّن من أحزاب شاركت في السلطة منذ الخمسينيات وفجأة خلعت ثوبها ولبست ثوب الثوار والتغيير.

الخطة التي حضرت في كلمتي كل من الرئيس بري والسيد نصرالله تناولت الشقين السياسي والاقتصادي، ففي الشق السياسيّ دعا برّي لقانون انتخاب خارج القيد الطائفي وفق نظام النسبية واعتماد الدوائر الموسّعة وإنشاء مجلس للشيوخ، فيما دعا نصرالله لاعتماد سن الـ 18 سنة لممارسة حق الانتخاب، ملاقياً بري في مفهوم الشراكة الوطنية، معتبراً أنه في لبنان القلق بفعل تكوينه القائم على الأساس الطائفي من مجموعة من الأقليات، تصير الشراكة قدراً لا مجرد خيار صحيح، مضيفاً معادلة الدولة العادلة والقادرة بشرح مفصل لمضامينها، وفي الطليعة بناء الجيش القادر على حماية لبنان من أخطار العدوان والأطماع بمياهه وأراضيه وثرواته، قائلاً إن «الدولة العادلة والقادرة هي القادرة على حماية سيادتها وثرواتها من أي عدوان او تسلط أو هيمنة أو انتقاص لا أن تلقي بأعباء التحرير على شعبها»، مؤكداً أن ليس في لبنان مجال لطائفة تقود النظام ولا لحزب قائد. في الجانب الاقتصادي عنوانان رئيسيان تقاطعت عندهما كلمتا بري ونصرالله، الأول هو تحصين حقوق المودعين من أي محاولة للتضييع أو التمييع، وذلك عبر الدعوة لإصدار قانون يضع خطاً أحمر يمنع أي مساس بهذه الحقوق، فيما اضاف نصرالله الى مبدأ التحصين الالتزام بتحميل المصارف النصيب الأكبر من مسؤولية الأزمة وأكلافها وخسائرها.

أما العنوان الثاني فيتعلق بمستقبل ثروات لبنان من الغاز والنفط في مياهه الإقليمية وكيفية التعامل مع مفاوضات ترسيم الحدود البحرية. وفي هذا السياق جدّد نصرالله شرح نظريته حول ان هذه الثروات تمثل كنزاً للبنان، الذي يملك بمقاومته ما يكفي من القوة لاستثمار هذا الكنز، بدلاً من مشروع التسوّل الدولي المهين، الذي يراق معه وجه لبنان ويتم تغيير هويته الثقافية، فيصير بلد كم الأفواه بدلاً من بلد الحريات، ويصير بلد الاستتباع بدلاً من بلد السيادة والعنفوان.

وكانت الإضافة الهامة للرئيس بري اعلانه منح مهلة شهر للتفاوض كي يظهر الغث من السمين، يطلب بعدها من الشركات التي رست عليها التلزيمات أن تبدأ بالتنقيب، وفي حال تخلفها يتم إسناد التلزيم لشركات سواها، ووفقاً لمصادر تتابع ملف التفاوض فإن الرهان الأميركي على ضغط الانتخابات والحملات الانتخابية، الذي كان مأمولاً منه تخفيض سقف لبنان التفاوضي عبر محاولات إضعاف حضور المقاومة قد جاء بنتائج عكسية. وتجزم المصادر ان الأميركيين والإسرائيليين قد يسارعون لتقديم عروض تفاوضيّة جديدة في محاولة لإنقاذ المفاوضات وتفادي جولة مواجهة يعلمون أنها لغير صالحهم، وأنه كلما صارت يد المقاومة حاضرة في معادلة الثروات البحرية زادت الخسائر الإسرائيليّة الماديّة والمعنويّة.

وعشية الصمت الانتخابي للمرحلة الثانية من الانتخابات للطاقم الإداري والوظيفي المكلف تنظيم العملية الانتخابية، وعلى مسافة أربعة أيام من انطلاق استحقاق 15 أيار المنتظر، اشتدت الحماوة الانتخابية وارتفع منسوب التوتر السياسي، حيث تناوب رؤساء اللوائح والكتل النيابية والقيادات السياسية والمرشحون المستقلون على المنابر لإفراغ حواصلهم وثقلهم السياسي وتلاوة الخطابات الانتخابية لمخاطبة ناخبيهم وجمهورهم لشدّ العصب الطائفي والانتخابي لرفع الحواصل الانتخابية ونسب الاقتراع، مطلقين سلسلة مواقف بارزة ستطبع مرحلة ما بعد الانتخابات.

وتوقفت أوساط سياسية عند الحركة الانتخابية والسياسية النشطة للسفير السعودي في لبنان وجولاته المكثفة على المناطق والدوائر واللقاءات الشعبية التي ينظمها، في محاولة لاستخدام تأثير السعودية الديني والسياسي والمالي لتجييره لصالح الاقتراع للوائح المدعومة من المملكة لا سيما لوائح القوات اللبنانية والسنيورة وحزب الكتائب وبعض تجمّعات المجتمع المدني، ما يعد تدخلاً فاضحاً بالعملية الانتخابية وبالشؤون الداخلية اللبنانية، وبالتالي انتهاكاً للقوانين والأصول الدبلوماسية. متسائلة عن دور الحكومة ووزارتي الخارجية والداخلية وهيئة الإشراف على الانتخابات إزاء هذا الخرق الفاضح لا سيما الإنفاق المالي الذي يحصل في مناطق عدة. بدورها رأت صحيفة الأخبار أنه لا يبدو أنّ كثيرين التقطوا من المواقف التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أول من أمس، من ملفّ النفط والغاز في البحر، البعد الذي يتجاوز منع العدو من العبث بحقوق لبنان.

وقد كرّر نصر الله، أمس، الحديث عن الملف من زاوية أنه يفترض أن يكون عنواناً رئيسياً في الإدارة العامة لقدرات لبنان في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية. وهو كلام لاقاه فيه رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي شدّد على «أننا لن نفرّط بحقّنا ودمنا تحت أيّ ضغط وتهديد». ما يحتاج الى متابعة هو أن موقف حزب الله وحركة أمل يتّخذ بعداً جديداً يقوم على وضع استراتيجية، يجري النقاش حولها مع الحلفاء في الحكومة الحالية ومع الرئيس ميشال عون والتيار الوطني الحر، حول ضرورة اعتبار مهمة التنقيب عن الغاز أولوية مركزية في المرحلة المقبلة، ضمن سياق يستهدف السير في مشاريع لإنشاء معامل لتوليد الطاقة الكهربائية. وقد كان نصر الله أمس أكثر وضوحاً في إشارته الى أنّ على لبنان العمل على إطلاق عمليات التنقيب لعدم الذهاب الى مزيد من الديون، وهو ما يندرج في إطار مقاربة جديدة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي والدول المانحة من جهة، وفي النقاش مع الجهات اللبنانية التي تستعجل بيع الأصول الرئيسية للدولة واستخدامها في سداد الديون. الأمين العام لحزب الله كرّر التذكير بأنّ المقاومة ستكون حاضرة لحماية أيّ قرار لبناني باستقدام شركات عالمية للتنقيب، مجدّداً الحديث عن قدرة المقاومة على تحقيق توازن مع العدو يمنعه من أن يحول دون إطلاق يد لبنان في العمل أيضاً، مؤكّداً أن «ما نحتاج إليه هو امتلاك جرأة التلزيم، وإذا أراد العدو منعنا من التنقيب فإننا قادرون على منعه»، مع إشارة أكثر وضوحاً في بعدها التحذيري ليس الى العدو فقط، بل الى الشركات العالمية، عندما أكد أن في مقدور المقاومة البعث برسائل إلى الشركات نفسها وليس إلى العدوّ إن اقتضى الأمر. لم يعُد الكلام عن رفض سعد الحريري الامتثال للأوامر السعودية مجرّد تحليلات. المسار الهجومي الذي تستكمِله الصحف السعودية ضده يؤّكد تمسّكه بمقاطعة الانتخابات ورفض دعوة أنصاره للمشاركة، فيما تؤكّده مصادر قريبة منه أنه لن يأتي إلى لبنان قبلَ 15 أيار. ارتفاع وتيرة الهجوم يأتي قبلَ أيام قليلة من يوم الاقتراع، وفيما يسود الأوساط السنية على اختلافها انطباع واحد مفاده أن كل التحشيد الذي قامَ به السفير السعودي في بيروت وليد البخاري لم يُثمِر التجاوب المطلوب، إلى حدّ أن الرئيس فؤاد السنيورة، أكثر المستفيدين من الدعم السعودي على الساحة السنية مادياً ومعنوياً، يشكو والمرشحين على اللائحة المدعومة منه في دائرة بيروت الثانية من ضعف وضعيتهم الانتخابية. إذ إن التحريّات الانتخابية والشعبية كشفت أن التهويل بحزب الله والاجتماعات والمشاورات فوقَ العادة، وعمليات الإقصاء وفرض التحالفات والتفاهمات الاضطرارية لم تستطِع أن تدفع الناخب السني إلى تجرّع مشروع السنيورة، المتهّم في العاصمة بأنه «لا يصرف على حملته الانتخابية كما يجِب، فضلاً عن نكرانه جميل رفيق الحريري الذي لم يذكره في مقابلاته التلفزيونية.