جنين تتحضّر لجولة جديدة ضد جرائم الاحتلال الاسرائيلي

جنين تتحضّر لجولة جديدة ضد جرائم الاحتلال الاسرائيلي
الأربعاء ١٨ مايو ٢٠٢٢ - ٠٤:٠٧ بتوقيت غرينتش

بينما تشهد مدينة القدس مواجهات عنيفة ضمن معركة الوجود المتواصلة هناك، تستمرّ جنين في تصدّر مشهد المقاومة المسلّحة في الضفة الغربية، حيث أدّى استشهاد المقاوم داوود الزبيدي إلى تفاقم الغضب الشعبي، وسط توقّعات بتعميق «كتائب شهداء الأقصى» انخراطها في الميدان، وتتالي محاولات تنفيذ عمليات فردية جديدة جنوب نابلس، وهو ما تُقابله تلميحات إسرائيلية إلى إمكانية تصعيد استهداف المقاومين في جنين ومخيّمها.

العالم - فلسطين

ويصعّد الفلسطينيون فعّالياتهم الاحتجاجية في القدس، في وجه إصرار الإسرائيليين على محاولة فرض وجودهم، ومنع أيّ مظهر من مظاهر الوجود الفلسطيني أو أيّ رمز من الرموز الوطنية، إضافة إلى السعي لتعطيل الفعّاليات الشعبية الفلسطينية أو تحجيمها على الأقلّ، الأمر الذي يندرج في سياقه احتجاز جثمان الشهيد وليد الشريف لعدّة أيام قبل تسليمه لعائلته، ثمّ قمع المشيّعين في جنازته. والشريف، المتحدّر من بلدة بيت حنينا في القدس، هو أحد المرابطين في المسجد الأقصى، وينتمي إلى حركة «حماس»، وكان قد أصيب برصاص العدو صباح الجمعة الثالثة من شهر رمضان خلال المواجهات في باحات الأقصى، ووثّقت عدسات الكاميرات إصابته، ثمّ سحله من قِبَل الجنود الإسرائيليين، قبل أن يُحتجز 23 يوماً في مستشفى إسرائيلي تحت أجهزة التنفّس الاصطناعي، حيث أُعلن استشهاده لاحقاً.
وبدأت المواجهة في ملفّ الشريف باكراً؛ إذ اشترط الإسرائيليون تسليم الجثمان ليلاً، ومنع رفع العلم الفلسطيني أو الهتافات الوطنية في جنازة الشهيد، إضافة إلى تقييد عدد المشاركين فيها وتحديد مسارها مسبقاً، لكنّ العائلة والمحامي الممثّل لها رفضا تلك الشروط. وأمام الإصرار الفلسطيني، جرى تسليم الجثّة مساء الإثنين الماضي بلا قيود، لتنطلق الجنازة من مستشفى المقاصد، وتطوف المسجد الأقصى ومكان إصابة وليد، ثمّ تخرج إلى «مقبرة المجاهدين». والجدير ذكره، هنا، أن العدو يحرص على تسليم جثامين الشهداء ليلاً في أحداث كثيرة، لرغبته في تقليص عدد المشيّعين وتجنّب الصدامات مع الفلسطينيين، لكن ما جرى هذه المرّة هو العكس، إذ خرج آلاف الفلسطينيين في تشييع الشريف، ورفعوا الأعلام الفلسطينية ورايات «حماس»، وهتفوا للشهيد وضدّ العدو. وقمعت شرطة الاحتلال المشيّعين بأساليب متعدّدة، بادئةً بتقييد الحركة في القدس ونصب حواجز على أبواب الأقصى وداخل البلدة القديمة، مروراً بملاحقة المشيّعين ومرافقة الجنازة وتتبّعها، وصولاً إلى الاعتداء على المشاركين فيها بالرصاص المطّاطي وقنابل الغاز والهراوات، وفي النهاية اقتحام «مقبرة المجاهدين» مرّتَين.
وامتدّت المواجهات، على إثر ذلك، إلى عدد من الشوارع والأحياء في القدس، وأعنفها كان في شارع صلاح الدين وسط المدينة، حيث ألقى الشبان خزّانات مياه بلاستيكية كبيرة وقطعاً خشبية ثقيلة أصابت عدداً من عناصر شرطة العدو. ووثّقت مقاطع فيديو حالة من الهلع والاستنفار الإسرائيلييْن، وجرّ أحد الشرطيين لزميله المصاب، فيما أفادت قناة «كان» الإسرائيلية بإصابة 6 من عناصر الشرطة خلال هذه المواجهات، ونقل اثنين منهم إلى المستشفى. وعلّق الصحافي الإسرائيلي، نوعم أمير، على ما جرى في القدس بالقول: «يجب تسمية الواقع باسمه... هذه ليست مجرّد اضطرابات، بل فقدان للسيادة الإسرائيلية». وخلال تشييع الشهيد والمواجهات التي أعقبته، اعتقل العدو 35 فلسطينياً بينهم أربعة أطفال، في حين خلّفت الاشتباكات نحو 200 مصابٍ في صفوف الفلسطينيين، من بينهم إصابة خطيرة للشاب نادر الشريف الذي فقد عينه ولا يزال يرقد في المستشفى.

على خطّ موازٍ، احتدمت جبهة جنين مجدّداً، مع الإعلان عن استشهاد الجريح والأسير المحرَّر داوود الزبيدي، شقيق الأسير زكريا الزبيدي - أحد أبطال عملية «نفق الحرية» الستّة، الذين تحرّروا من سجن جلبوع ثمّ أعيد اعتقالهم-. وكان داوود أصيب بجروح خطيرة، خلال اقتحام قوات الاحتلال حيّ الهدف في جنين، ومحاصرتها منزل عائلة المطارَد محمود الدبعي واعتقاله. وعلى إثر ذلك، جرى تحويل داوود إلى مستشفى «رمبام» في حيفا، حيث أُعلن عن استشهاده بعد يومين. وتقول مصادر مطّلعة، لـ«الأخبار»، إن داوود أحد المقاومين البارزين في مخيم جنين، ومن قادة «كتائب شهداء الأقصى» هناك، وقد اعتُقل سابقاً 12 عاماً في السجون الإسرائيلية، وهو متزوّج وله عدّة أبناء أكبرهم طه الذي سُمّي باسمه تيمّناً بالشهيد طه الزبيدي، شقيق داوود وزكريا، والذي سقط خلال معركة مخيم جنين عام 2002، عندما كان مقاوماً في صفوف «سرايا القدس». وتضيف المصادر أن داوود، المعروف بـ«أبو طه»، يُعدّ «أباً روحياً لمجموعة كبيرة من المقاومين في مخيم جنين من مختلف الفصائل»؛ إذ تربطه علاقة وطيدة مع المسلّحين، خاصة في «كتيبة جنين» التابعة لـ«سرايا القدس»، وعمل جنباً إلى جنب مع مقاومين استشهدوا أخيراً في جنين مِن مِثل: عبدالله الحصري، أحمد السعدي، وأيضاً الأسير محمود الدبعي، وثلاثتهم من «سرايا القدس». كان داوود شخصية محبوبة واجتماعية، وعمل كقائد مجهول، وخاض ملثّماً اشتباكات مسلّحة ضدّ جيش العدو، وأصيب في النهاية مشتبكاً على أطراف مخيّم جنين أثناء سعي المقاومين لفكّ الحصار عن منزل الدبعي، كما زوّد مقاومين من «سرايا القدس» بالذخيرة في أوقات عدّة، كانت فيها الطلقات شحيحة في المخيم.
وضاعف استشهاد داوود غضب الفلسطينيين في جنين، حيث خرج عشرات المقاومين المسلّحين من «كتائب شهداء الأقصى» في مسيرة ضخمة بعد ساعات من إعلان استشهاده، في مشاهد تُذكّر بانتفاضة الأقصى في المخيم. ويتوقّع كثيرون، من جرّاء ذلك، تعميق «الكتائب» انخراطها في الاشتباكات المقبلة مع قوات الاحتلال، عند أيّ عملية عسكرية قادمة في جنين. وفي المقابل، كشفت «القناة 12» العبرية أن قادة في جيش العدو يبحثون إمكانية تفعيل الطائرات المروحية ضدّ عشرات المقاومين في جنين، وهو ما لا يبدو مستغرباً في ظلّ فشل عمليات القوات الخاصة والضربات الخاطفة في اجتثاث ظاهرة الاشتباك، وفي أعقاب مقتل ضابط من وحدة «اليمام» على أطراف المخيم قبل أيام. ويتمثّل التحدّي الإسرائيلي، الآن، في كيفية القضاء على المقاومين من دون خسائر كبيرة أو تعريض الجنود للخطر، وفي الوقت نفسه من دون فتح جبهات أخرى كجبهة غزة، أو المخاطرة بتصاعد عمليات المقاومة ووتيرة المواجهة في بقيّة الساحات كالضفة الغربية بكاملها.
وفي شمال الضفة، لم يبدُ المشهد هادئاً خلال اليومين الماضيين؛ إذ أعلن العدو اعتقال شاب من مدينة البيرة أثناء محاولته تنفيذ عملية طعن على حاجز زعترة جنوب نابلس. وبحسب الرواية الإسرائيلية، فإن الشابّ استمرّ في التنقّل في مركبته وبحوزته «بلطة»، وبحث عن مستوطنين لطعنهم، ولكن أوقفه جنود العدو عند حاجز زعترة واعتقلوه، وعثروا في حوزته على وصيّة مكتوبة يقول فيها إن «العملية انتقام للشهداء الذين سقطوا خلال الأيام الأخيرة». كذلك، أعلن جيش الاحتلال إصابة فلسطيني آخر أثناء محاولته الهجوم على جندييْن بسكّين قرب حاجز حوارة جنوب نابلس أيضاً.