مع اقتراب موعد الاستفتاء على النص الدستوري الجديد..

'دستور سعيد'.. هل يحظى بمقبولية مجتمعية؟

'دستور سعيد'.. هل يحظى بمقبولية مجتمعية؟
الإثنين ٣٠ مايو ٢٠٢٢ - ٠٤:٠٤ بتوقيت غرينتش

لا يمكن "دستور سعيد" أن يحظى بمقبولية مجتمعية، في ظل ضعف مشروعيته.

العالم - تونس

مع اقتراب موعد الاستفتاء على النص الدستوري الجديد، وما سيليه من محطات انتخابية في تونس، تتصاعد الخلافات حول المسار داخليا، حيث يتكرس الشقاق، بعدما بات جليا أن للتونسيين ما يختلفون حوله، أكثر مما يتفقون عليه، وهو ما يدفع إلى الاستنتاج أن جميع المسارات لن تحظى بإجماع وطني، إلا في حال وقوع «الكارثة» التي يحذر منها «صندوق النقد الدولي»، حين لا تجد تونس من يقرضها خلال الأشهر المقبلة، وما قد ينجم عن ذلك من انهيار اقتصادي يبدو محتوما.

وصف «صندوق النقد الدولي» الوضع الاقتصادي في تونس بـ«الكارثي»، مشيرا إلى أن قدرة البلاد على سداد ديونها تضعف بشكل مطرد. لكن الصندوق يعول على الإصلاحات التي تعهدت بها حكومة نجلاء بودن، لمواصلة دعمه لتونس. وتساوق ذلك مع إصدار الرئيس قيس سعيد قراره تعيين عمداء جامعات القانون في البلاد، من دون أن يأخذ في الاعتبار اعتذارهم علنا عن أداء المهمة، في بيان جماعي أصدروه عقب حديثه عن نيته تسميتهم في اللجنة الاستشارية للإصلاحات الدستورية. وبعد ساعات على بيان العمداء، وردت أسماؤهم في مرسوم رئاسي للمهمة المذكورة، بعدما ضرب سعيد عرض الحائط رأيهم. وبدا موقف العمداء مستغربا، إذ سبق لأغلبهم أن قدم خدمات استشارية للسلطة، منذ عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. لكن هؤلاء تفرقوا بين الأطياف السياسية في أعقاب الثورة، ليقدموا خدماتهم للأحزاب والمؤسسات على السواء، وآخرها استشارتهم من قبل رئيس الحكومة السابق، هشام المشيشي، في خصومته مع سعيد.

ويؤكد رئيس الهيئة الاستشارية، العميد الصادق بلعيد، أن نص الإصلاحات الذي تعمل عليه الهيئة، متناغم مع المعايير الدولية، وهو رأي يشاطره إياه عدد ممن اطلعوا على مشروع التنقيحات الذي يبدو أنه أعد مسبقا في قصر قرطاج. ولكن العميد يغفل أنه لا يمكن النص، وإن كان «ثوريا» مقارنة بدستور عام 2014، أن يحظى بمقبولية مجتمعية، في ظل ضعف مشروعيته، كونه صيغ في سياق أحادي ومن دون إشراك الطيفين السياسي والاجتماعي، علاوة على أنه سيظل موسوما بـ«دستور سعيد». وفيما تتصاعد المطالبات بالمشاركة في الاستفتاء على هذا النص المقترح بحجة استغلال مساحة التشاركية التي تركها سعيد، فإن أطرافا أخرى تعارضه بشكل واضح، من مثل حليف سعيد السابق، حزب «التيار الديموقراطي»، وبعض منظمات المجتمع المدني. ويظهر ذلك مع إصدار «لجنة البندقية» (لجنة استشارية معنية بالدساتير، وتابعة للاتحاد الأوروبي)، رأيا حول مراسيم سعيد، بعدما طلبت منها المفوضية الأوروبية البت فيها. لكن رأي اللجنة لم يأت بجديد، ما خلا الدعوة إلى توسيع الحوار من أجل إشراك الطيف السياسي بما يتيح مشروعية للنص الجديد، إضافة إلى تأجيل الاستفتاء، إذ لا يمكن، واقعيا وعمليا، تنظيمه في حيز زمني لا يتجاوز الشهرين. ودعت اللجنة إلى إلغاء المرسوم المتعلق بهيئة الانتخابات، لأنه يتعارض مع مرسوم سعيد رقم 117 المتعلق بحل البرلمان. وبدا لافتا أنه فيما كان بعض السياسيين ينادون السفارات للتدخل لتنحية سعيد، لم يفكر هؤلاء بطلب الفتوة القانونية. وقد يكون ذلك مفهوما، فاللجنة سبق لها أن أعطت رأيها في بعض القوانين التي أصدرها البرلمان المنحل والسلطة السياسية، خصوصا أيام الباجي قائد السبسي، وجرى تجاهلها تماما والسخرية منها.

بيد أن إشارة الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، خلال لقائه نظيره الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، المتعلقة بـ«مساعدة تونس للعودة إلى الطريق الديموقراطية»، تلقفها المعارضون والمؤيدون بلهفة. وانقسمت الآراء بين من اعتبر تبون غير مؤهل للتعليق على ديموقراطيات البلدان، وبين المعارضين الفرحين باعتراف من حليف سعيد الأول، تبون، بأنه حاد عن الديموقراطية. ولكن التمعن في تصريح الرئيس الجزائري كاملا، يبرز سطحية الطرفين بشكل واضح، إذ جاء تعقيبا على تصريح نظيره الإيطالي الذي قال فيه إن بلاده ستدعم تونس اقتصاديا حتى تواصل إصلاحاتها الديموقراطية في أمان اقتصادي، ولم يكن حديث تبون إلا تأكيدا على ذلك.

المصدر - جريدة الاخبار