من فيينا الى الدوحة.. أمريكا والإصرار على الخطأ

من فيينا الى الدوحة.. أمريكا والإصرار على الخطأ
السبت ٠٢ يوليو ٢٠٢٢ - ٠٣:١٨ بتوقيت غرينتش

غالبية المراقبين يستغربون التوجه الامريكي الاوروبي لتحميل ايران مسؤولية أزمة الاتفاق النووي، فيما العالم اجمع على علم انها أزمة اوجدتها امريكا، عندما انسحبت منه وفرضت اقصى ما يمكن من عقوبات على ايران، التي ظلت ومازالت متمسكة بالاتفاق، وهو ما أيده 15 تقريرا صادرا عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

العالم قضية اليوم

حتى اليوم، وبعد ان منحت ايران فرصة للدبلوماسية، عندما شاركت في مباحثات الدوحة غير المباشرة مع امريكا بوساطة اوروبية، لاقناعها بالعودة الى الاتفاق ورفع الحظر الاحادي الجانب عن ايران، نرى الغرب يواصل سياسته في القاء اللوم على ايران، قبل وبعد مباحثات الدوحة، بل ان وتيرة الاتهامات تزايدت خلال المباحثات، الامر الذي اثار العديد من علامات الاستفهام حول حقيقة التزام الغرب بالمفاوضات كوسيلة لحل الازمة التي اصطنعها هو؟.

ان محاولة الغرب اظهار ايران على انها سبب الازمة، محاولة مفضوحة، فمواقف ايران وامريكا واوروبا، بعد انسحاب امريكا من الاتفاق النووي، لم يمر عليها عقود طويلة لينساها العالم، وليبني الغرب محاولته المفضوحة على هذا النسيان، فعندما انسحبت أمريكا من الاتفاق عام 2018، يتذكر العالم كيف حاول الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون والمستشارة الامريكية انجيلا ميركل، وحتى رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، وبشكل استعراضي غير جاد، اقناع الرئيس الامريكي دونالد ترامب بالعودة الى الاتفاق، وعدم فرض حظر على ايران، بينما على ارض الواقع لم تكتف اوروبا بسحب جميع شركاتها من ايران فحسب بل شاركت في الحظر الامريكي ضد ايران.

في المقابل بقيت ايران رغم انسحاب امريكا وتواطؤ اوروبا معها، متمسكة بالاتفاق، ولولا تمسكها، هل كان هناك ما يتم التفاوض في اطاره اليوم في فيينا والدوحة؟، لايران الفضل للابقاء على الاتفاق النووي حيا، لذا لو كانت اوروبا منصفة لردت الجميل لها من خلال الضغط على امريكا لإعادتها الى الاتفاق واقناعها برفع الحظر، أو على الاقل لخجلت من اتهامها، بانها وراء الازمة، وتصطف مع امريكا التي تسببت بكل هذه الازمة.

كان واضحا منذ البداية ان امريكا واوروبا تقاسما الادوار في مسرحية اقناع ترامب بالعدول عن الانسحاب، وهو ذات الدور الذي تقوم به اوروبا الان في عهد الرئيس الامريكي الحالي جو بايدن، وهو بالمناسبة دور لا ترضاه اي دولة او جهة في العالم على نفسها، ولكن هذه هي حقيقة العلاقة التي تربط اوروبا بامريكا، فهي علاقة التابع بالمتبوع، وما يجري اليوم في اوروبا على خلفية الحرب في اوكرانيا، والتي قد تتسع وتدمر كل ما بنته القارة الاوروبية، بسبب السياسة الامريكية، ما هو الا بعض تداعيات هذه التبعية.

النزعة المركزية في الفكر الغربي، والتي تعتبر الغرب مركزا للعالم، هي التي تُملي على الغرب مواقفه، والتي شاهدنا بعضها خلال الايام القليلة الماضية، وبالتزامن مع مباحثات الدوحة، فهذا الغرب الذي لم يصل لحد الان لحل الازمة التي إختلقها مع ايران على خلفية انسحاب امريكا من الاتفاق النووي، نراه كما ظهر جليا في بيان قمة مجموعة السبع، يكيل الاتهامات لإيران، ويقدم البرنامج الصاروخي الايراني الدفاعي التقليدي، وكذلك دورها الاقليمي، على اعتبار انها تهديدات يجب مواجهتها، الامر الذي يؤكد ان ما جاء في بيان قمة السبع، ما هو إلا إجترارا لتلك النزعة الغربية المركزية، التي تعتقد ان القوة وحدها هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها التعامل مع الاطراف حول المركز الغربي.

خطأ الغرب يكمن في اعتقاده ان سياسته هذه يمكن ان تنجح في كل مكان ومع اي كان، وهذا ما يفسر مواقف الغرب في التعامل مع ايران، وكذلك يفسر دور الاوروبيين المخزي والتابع للسيد الامريكي كالاعمى، وهذه الحقيقة اشار اليها وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان، وبشكل غير مباشر، عندما قال لقد حذرنا الأميركيين بأنهم إذا ضغطوا من اجل اصدار قرار ضد ايران من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فاننا لن نقف مكتوفي الايدي، وعليهم اتباع المسار السياسي للمفاوضات، في تأكيد واضح على ان ايران، لن ترضخ للقوة والتهديد.

رغم ان امريكا أعلنت أنها قدمت القرار للوكالة الدولية من اجل رد الاعتبار لها، وانها على استعداد لتغيير هذا القرار من حيث المضمون وإصدار قرار اقل حدة ضد إيران، الا ايران رفضت الاعلان الامريكي، واكدت انا سترد على امريكا والغرب إذا كان هناك قرار، وهذا ما حصل، دون ادنى إكتراث للتهديد والوعيد الامريكي والغربي. فعلى الفور ابلغت ايران الوكالة الدولية بانها ستتخذ عدة اجراءات منها، اولا، ضخ الغاز في العديد من سلاسل اجهزة الطرد المركزي الجديدة وتخصيب اليورانيوم، وثانيا ستقوم بتركيب الجيل الجديد من أجهزة الطرد المركزي، وثالثا، إيقاف تشغيل الكاميرات التي اتفقت عليها في اطار الاتفاق مع الوكالة، وهي كاميرات تم تركيبها طواعية في المواقع الايرانية.

يجب ان يكون هذا الدرس الايراني كافيا للغرب، من اجل الكف عن التعامل بإستعلاء معها وغيرها انطلاقا من النزعة المركزية والقوة المجردة، وعلى الغرب، الا يتجاهل، كما تجاهل، بيان قادة مجموعة السبع، انتهاكات امريكا الخطيرة للاتفاق النووي، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، وفرضها حظرا غير قانوني ضد الشعب الايراني، والا يجرب صبر ايران، وان يستغل الفرص التي توفرها لتصحيح أخطائه، والعودة للدبلوماسية، مع الرفع الكامل للحظر، فمثل هذه الفرص لن تكون في متناول اليد دائما، كما هي فرصة الدوحة.

منيب السائح