هذا ما قاله آية الله عيسى قاسم بمناسبة عيد الغدير الأغر

هذا ما قاله آية الله عيسى قاسم بمناسبة عيد الغدير الأغر
الثلاثاء ١٩ يوليو ٢٠٢٢ - ١٢:٣٣ بتوقيت غرينتش

ألقى آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم كلمة بمناسبة عيد الغدير الأغر، في مدينة قم المقدسة.

العالم- البحرين

هذا نص كلمة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم بمناسبة عيد الغدير الأغر، وذلك في الحفل الذي نظمه مركز الإمام الخميني «قدس سره» في مدينة قم المقدسة، يوم 17 يوليو/ تموز 2022:

السلام عليكم أيها المؤمنون ورحمة الله وبركاته.

عيدكم مبارك.. بارك الله لكم جميعا بعيد الغدير الأغر.

اللهم ثبتنا على ولاية محمد وآل محمد «صلى الله عليه وآله وسلم».

هذه كلمة عنوانها «الإمامة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)» :

أولا: المسلمون.. وفاقهم وخلافهم:

للمسلمين وفاق بعد رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم”، ولهم خلاف. أحاول أن تكون الكلمة مختصرة واضحة متجهة باتجاه الوحدة الإسلامية الضرورية المباركة.

من وفاق المسلمين بعد رسول الله “صلى الله عليه وآله” أن الإسلام أبدي وخاتمي. الإسلام، يؤمن المسلمون كلهم بأبديته دينا إلهيا خاتما. وهذه نقطة مهمة جدا في وحدة المسلمين، وفي قوة الدين والتمسك بصحيحه.
الإسلام كما هو أبدي؛ حكمه أبدي، أي أن له الحاكمية لا لغيره، وهذه الحاكمية ليست حاكمية مؤقتة، وإنما هي حاكمية أبدية ثابتة لا ترتفع من الأرض.

حكمه أبدي شامل لا يزاحمه فيما ينبغي في علم الله أي مزاحم، لا مكان لحكم آخر في الأرض كما يقضي الإسلام، وإنما الحكم الدائم في الأرض للإسلام وحده. هذا الحكم الإسلامي الأبدي الثابت الدائم مرجعيته كتاب الله وسنة رسوله “صلى الله عليه وآله”، ومرجعيته العقل الثابت النوعي الفطري الدائم الذي لا خلاف فيه.
هذه نقاط وفاق بين المسلمين لم يختلف عليها أحد منهم بعد رسول الله “صلى الله عليه وآله”.

كذلك هي الإمامة، المسلمون متفقون على الإمامة بعد رسول الله “صلى الله عليه وآله” -أصل الإمامة-، ورغم اختلافهم فيمن هو الإمام، وفي الطريق إلى الإمام، إلا أنه لم يتجه أحد منهم إلى أن المسلمين في غنى بعد رسول الله “صلى الله عليه وآله” عن الإمامة. هذا قال بإمام اعتمادا على النص، وذاك قال بإمام اعتمادا على دعوى الشورى، لكن الكل مجمع على أن من هوية الأمة الإسلامية أن لها إماما.

أما خلاف المسلمين بعد رسول الله “صلى الله عليه وآله” فهو في الإمامة مقاما، مرة ينظر إلى الإمامة على أنها المنصب الإلهي الأعلى الذي يعني التقدس، ويعني القرب الخاص لله عز وجل، ويعني التشبه بالصورة الأكمل الممكن للبشر؛ بأسماء الله الحسنى، مما يمكن للبشر أن يتشبه به من أسماء الله تبارك وتعالى.

الله هو العليم بالعلم المطلق، الإمام ليس له علم بالعلم المطلق، وإنما هو أعلم عليم بعلم الله عز وجل من البشر بعد رسول الله “صلى الله عليه وآله”، هذه وظيفة لا يمكن أن ينافس المؤمنون سائر المؤمنين الإمام فيها، لا طموح لأحد من الناس فيما تسمح به قابلياته ومواهبه وعظيم عطاءات الله، لا طموح له في أن يبلغ علم الإمام “عليه السلام”، فهو معصوم علما، بمعنى أنه لا يجوز عليه الخطأ عقلا -يعني العقل لا يحتمل فيه الخطأ. ليس من ذاته وإنما بعطاء الله عز وجل وعصمته-. حينما نقول علي بن أبي طالب إماما من أئمة الإسلام، معنى ذلك أنه لا يرتقب من حكمه خطأ، كلمة خطأ، رؤية إسلامية خطأ.

إن هذا المنصب منصب العصمة الخلقية والعملية، وكما يمتنع الخطأ النظري على الإمام، يمتنع عليه الخطأ العملي، فليس شيء مما يعلمه الإمام “عليه السلام” -وعلمه كله صدق وحق- يمكن أن يخطئ في تطبيقه، يمكن أن يغفل عنه في التطبيق، يمكن أن يشتبه عليه في التطبيق، يمكن أن تحدثه نفسه بمخالفته في التطبيق فيستجيب لها، معصوم من الله عز وجل عن أن تزل له قدم على طريق العلم، أو تزل له قدم على طريق العمل عن صراط الله عز وجل. هذا في نظر الشيعة.

في نظر المدرسة الأخرى للمسلمين أن الإمامة منصب سياسي متميز، لكن لا يعني الأشرفية المطلقة بالنسبة للآخرين، القدسية العلمية المستحيل عليه الخطأ، القدسية العملية المستحيل عليها الخطأ، يمكن أن يخطئ، يمكن أن يخطئ علميا، يمكن أن يخطئ عمليا.

هذا محل فارق واضح بين المسلمين، شيعتهم من جهة، وسنتهم من جهة ثانية، فحينما رأى السنة أن أبا بكر إمام المسلمين وخليفتهم لم يدعوا له العصمة، لا العصمة العلمية ولا العصمة العملية، ويقول عن نفسه بأنه ليس أعلمهم، كذلك هو عمر، وكذلك هو عثمان. فالعصمة ليست مطلوبة في الإمام، لا العصمة العلمية، ولا العصمة العملية، هذا عند السنة على خلاف ما هو عند الشيعة من وجوب العصمة العلمية والعصمة العملية في الإمام، والتمتع الفعلي الواقعي للإمام “عليه السلام” بكل من العصمتين.

هذا الاختلاف في المقام، وعطايا الله ومواهبه للأشخاص، الاختلاف في مقدار الأهلية يخالف في الوظيفة، بقدر ما يكون الإنسان يكون حجم وظيفته، فالوظيفة الكبرى لا تكون إلا مع الإمكانات الكبرى، المواهب الكبرى، الأهلية الكبرى.

فلذلك كان الإمام في نظر الشيعة قائد الدين والدنيا، هو عالم بخريطة الدنيا وخريطة الآخرة، متوفر على التربية الإلهية الحقيقية الصادقة بما هو أمر الدنيا وبما هو أمر الآخرة. مؤهل لأن ينتج سياسية لا تزل في الدنيا، ولا تتلكؤ على طريق النجاح والسقف، وأيضا مؤهل لأن يأخذ بالإنسانية إلى أعلى درجات مقاماتها في الآخرة.
أما الإمامة في نظر مدرسة الخلفاء فهي إمامة ناجحة في أداء الدور السياسي بانجاح الأمة والتقدم بالأمة إلى الحد الذي يقتضيه علمه، وتقتضيه قابلياته الأخرى، ومدى عدالته، إلى آخره.

نعم، لا يرون في الخليفة أن يكون فاسقا، ولا أن يكون الخليفة جاهلا بالإسلام كل الجهل، وأنه يخبط خبطة عشواء على طريق الإسلام، لابد له من علم، ولابد له من مراعاة لعلم الإسلام، ولكن مهما كان له من علم، مهما كان له من عدل، فليس الذي هو الذي يبلغ حد العصمة العلمية ولا العصمة العملية. أيضا عندهم خلاف فيمن هو المعين للإمام، أنا وحدي لا أعرف تعيين الإمام، فلان لا يعين الإمام، من هو المعين للإمام؟

لأن أمر الإمامة، وواقع الإمامة للإمام، ليس هو الشيء الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وهو الكمال. مرة نقول شرط إمامة الإمام كماله بالنسبة للبشر الآخرين، وهذا الكمال والعصمة طبعا لا يعرفه غير الله عز وجل، ما من أحد منا يشخص أن الآخر معصوم تشخيصا من نفسه، هذا التشخيص راجع لله، ولا يعلم به إلا من طريق إبلاغ الله عز وجل لرسوله “صلى الله عليه وآله” وعباده.

فالمعين للإمام إذا وقفنا أمام علي “عليه السلام”، والحسن والحسين لو كانا بالغين في بلوغهما، وسائر الأئمة، وقلنا من هو الأكمل من هؤلاء؟ فليس منا من يشخص من هو الأكمل، ومقام الإمامة مقام الأكمل من الناس، هو إمام لابد أن يكون في الأمام على المستوى العقلي، في الأمام على المستوى الروحي، الإرادي، السلوكي، الخلقي، الكمالي. كن الأكمل تكن الإمام. من هو الأكمل؟ لا يشخص ذلك إلا الله عز وجل، فتعيين الإمام إذا قلنا أن من شرط الإمامة الأكملية، تحتم أن يكون المعين للإمام ليس الناس وإنما هو الله عز وجل.

ولذلك يذهب الشيعة إلى أن تعيين الإمام هو من أمر الله عز وجل، وأن عهد الإمامة هو عهد الله. لما سأل إبراهيم “عليه السلام” لذريته، جاء الجواب من ربه تبارك وتعالى: (لا ينال عهدي الظالمين)، -لازم عدل على مستوى العلم وعلى مستوى العمل-.

(عهدي)، الإمامة التي تعطى لذريتك هي (عهدي)، أنا الذي أعهد بها إلى الآخر، وليس أحد آخر يعهد بها إلى من دونه، لا يعهد بها لنفسه ولا يعهد بها لمن دونه.

أما إذا كان الإمام شخصا عاديا، كل ما هناك أنه مرضي، يرى الناس بأن له قابلية الحكم، يمتلك خبرة، يمتلك حزما، يمتلك فهما في الإسلام، أنهم يطمئنون إلى أنه لا يعرف الحكم الإسلامي فيخالفه عمدا ويتساهل فيه، هذا أمر في العادة -إذا كان هذا هو الأمر المطلوب في الإمام فيمكن للناس أن يتشاوروا فيه، أن يبحثوا عن تشخيصه، أن يرجحوا هذا على ذاك-، وبذلك أتت دعوى الشورى في مدرسة الخلفاء.

هذا طبيعي، تكلمنا عن شروط الإمامة. شروط الإمامة أن يكون هناك أكملية علمية وعملية، وأنه الشخصية الأكبر دينيا -ليس عند الناس وإنما عند الله عز وجل-، أنه المجسد الأكبر لدين الله، هذا هو المطلوب في نظر المدرسة الإمامية، المطلوب في هذا الإمام أن يكون المجسد الأكبر لقرآن الله عز وجل، لسنة رسول الله “صلى الله عليه وآله”، الأقرب الذي لا أقرب منه من شخصية رسول الله، في شخصيته هو من شخصية رسول الله “صلى الله عليه وآله”، هذه الشروط يتطلب تشخصيها العلم من الله تبارك وتعالى.

ثانيا: الإمامة بين النص والشورى:

صارت الإمامة بهذا محل انقسام بين المدرستين -مدرسة النص ومدرسة الشورى-، أن تعيين الإمام يحتاج إلى نص من الله عز وجل، قرآني أو وحي من الله لرسوله الذي لا يكذب ولا يتقول على الله عز وجل، قولا من رسول الله بأن الله يعين لكم فلانا إماما: (من كنت مولاه فعلي مولاه).

تأكيد على الإمامة من يوم الدار، إلى آخر حياة رسول الله “صلى الله عليه وآله”، تتكرر المواقف للتأكيد على إمامة أمير المؤمنين “عليه السلام” تبليغا عن الله عز وجل -هذا هو الدليل النصي-. إما نص قرآني من الله عز وجل، أو نص من رسول الله “صلى الله عليه وآله”، ونص رسول الله نقل صدق عن الله عز وجل.

نحن لدينا الأمرين، هل هناك دليل قام على أن الطريق لتعيين الإمام هو النص؟ أو أن هناك دليل قام على أن الطريق لتعيين الإمام هو الشورى؟ عندما نرجع إلى الأدلة الإسلامية المأخوذ بها، هل تدلنا على أن الطريق لتعيين الإمام شورى؟ أو أن الطريق هو النص؟ ما هي الأدلة؟

عندنا العقل، وهو دليل إسلامي. العقل الفطري النوعي، ليس التفكير الشخصي لي ولك، أو التفكير المرتبط بهذا الزمان أو بذلك الزمان، وإنما هو القضايا العقلية الأساسية النظرية أو العملية كما يكون العقل النظري أو العملي، -العقل العملي الذي هو؛ هذا الفعل مما ينبغي فعله، وهذا الأمر مما لا ينبغي فعله. العقل النظري هو؛ هذا الأمر صحيح واقع حق، ذاك الأمر باطل غير موجود، لا يقبله العقل-لدينا الدليل العقلي، ولدينا القرآن الكريم، ولدينا السنة المطهرة.

*مرور عابر بالدليل العقلي، ومرور عابر للدليل من القرآن، دليل السنة طويل ولا يمكن الخوض فيه في مثل هذا الحديث المختصر:

العقل ماذا يقول؟

نحن نطرح له أن الطريق لتعيين الإمام هو الشورى، وهذا يجعلنا نتوقف على الشورى.
الشورى غير الديمقراطية. الديمقراطية غلبة كمية في الأصوات تقرر ما هو مختلف فيه، الإمام فلان أو فلان، أغلبية الأصوات هي المرجع في تقرير أن الإمام هذا أو ذاك، أما الشورى فهي استمزاج آراء، استعراض آراء خاصة أهل الصفوة، النخبة في مجال معين، هو المجال الذي يكون فيه الاستشارة. ننظر إلى رجال النخبة في هذا المجال الذي نحن نريد أن نصل إلى قرار تعيين شخص فيه، لو جئنا لأمر مرتبط بعمران عمارة أو بناء مدينة، نريد أن نستشير، نستشير من؟ نستشير الخبراء في العمران ليشخصوا لنا أن البناء يكون بهذه الكيفية أو بهذه الكيفية، هنا تعطى الآراء، لكن الأخذ بها إنما يؤخذ الرأي الأرجح في النظر، وليس بالرأي الأكثر عددا، القرار لمن؟ القرار لمن يريد أن يقيم المدينة، ليس لأصحاب الشورى، أصحاب الشورى يعطون آراء وعصارة تفكيرهم وخبرتهم، لكن القرار الأخير يرجع لمن؟ أن المدينة تبنى بهذه الكيفية التي يقول بها هذا الفريق الأكثر، أو الكيفية التي يقول بها هذا الفريق الأقل ولو واحد؟ اتخاذ القرار من أجل أن يأخذ مساره في التنفيذ هو لمالك أمر إقامة المدينة. شخص مستعد لإقامة المدينة بماله.

الشورى لها متعلقات:

1- مرة تتعلق الشورى بإيجاد دستور الحكم، بإيجاد التشريعات، النظام التشريعي، وجملة الأحكام التي يقوم عليها تدبير المجتمع البشري -المجتمع البشري العام والصغير-، وضع الدستور والأحكام القانونية أو الشرعية التي ينضبط بها تدبير الناس، والأخذ بها يحقق العدل بين الناس، والرقي بهذا المجتمع والتقدم به، مرة تتعلق الشورى بهذا الأمر، هذه الشورى ما جرت في الإسلام أبدا، ولا يصح أن تجري، لأن الأحكام مرجعها الله عز وجل، وليس رأي البشر، فما اجتمع المسلمون في يوم من الأيام في ظل أي خليفة من الخلفاء ليقرروا دستور الحكم الإسلامي بما هو حكم إسلامي، دستور الحكم الإسلامي من يقرره؟ يقرره الإسلام نفسه.هذا متعلق من متعلقات الشورى، ولا يأتي عندنا في الشورى التي يمكن أن يقال بأن الإسلام أخذ بها.

2- شورى تتعلق بتعيين الحاكم: وأن تعيين الحاكم يؤخذ به ويتحصل عليه بواسطة الشورى. الشورى خبراء مخلصون أوفياء يتوقع فيهم الوفاء والإخلاص والخبرة والعلم، ولا يخونون الأمة، إلى آخره. هل حدث هذا في تعيين حاكم إسلامي أو لم يحدث؟

تمت بيعة أبي بكر في السقيفة، والسقيفة عبر عنها على لسان أحدهم بأنها (فلتة وقى الله المسلمين من شرها)، كان المتوقع فيها القتال، كانت معركة جدلية حادة، وفيها تنافس واضح بين أنصار ومهاجرين وما إلى ذلك، وبين أشخاص، فلم تكن شورى. الشورى مجلس هادئ، مجلس اجتمع فيه أناس بإرادتهم، وقالوا ندخل في دراسة الموضوع الفلاني، وأن البناء يكون هكذا أو هكذا، بأن فلان هو الأولى بالرئاسة أو فلان هو الأولى بالرئاسة، من هو الخليفة للمسلمين بعد رسول الله “صلى الله عليه وآله”؟ يتفقون على هذا، يجلسون، يستعرضون كل الآراء، يعملون دينهم وعقلهم في الوصول إلى ما هو الأرجح من هذه الأقوال، هذه هي الشورى. هذا لم يحصل. حصل هذا يعرض خليفته الذي يراه، وذاك يعرض خليفة، ويتغالب الأطراف على تقديم الخليفة ثم لم يتح الأمر لبيعة حرة للمسلمين، وإنما الجو كان ساخنا جدا دفع بعدد من الحاضرين لمبايعة شخص معين، والشورى ليست هذه صورتها.

الشورى لم يجمع عليها المسلمون، والمتخلفون عن حضور مجلس الشورى ليسوا نفرا هامشيا، لا أحد يستطيع أن يقول بأن علي بن أبي طالب الذي لم يحضر الشورى شخص هامشي في الإسلام والمسلمين بأي نظر من الأنظار، سلمان المحمدي ليس هامشيا، عبدالله بن عباس ليس هامشيا، أبوذر، هذه هي الشورى المدعاة في بيعة أبي بكر.

أبو بكر نفسه في تخليفه لعمر لم يذهب للشورى. إذا كانت الشرعية -شرعية الإمامة- معتمدة على نتيجة الشورى، واعجباه كيف أن أبا بكر يعدل عن الشورى ويستخلف عمر بإرادته المحضة؟ أين الشورى؟حصر عمر الخلافة بعد وفاته في ستة نفر يتشاورون، ويعطي مدة معينة في التشاور، يحدد لهم الطريق، وفي النتيجة إذا غلبت كفة على كفة بواحد وامتنع الآخرون عن المبايعة ضربت رقابهم بالسيف، هذه جبرية! هنا جبر واكراه، وتحت تهديد السيف!

فالشورى بما تعنيه وفي حقيقتها لم يؤخذ بها لا في خلافة أبي بكر ولا في خلافة تعيين عمر ولا في خلافة عثمان، جائت بيعة عامة في بيعة علي “عليه السلام”، جائت بيعة عامة شعبية، تداك الناس على علي “عليه السلام” يطلبون منه أن يكون خليفتهم وإمامهم، والإمام علي “عليه السلام” اعتماد الشيعة في إمامته ليس على بيعته وإنما على النص عليه.

الشورى في العقل لا تعطي حق الإمامة:

أنا وأنت لا يملك أينا أن ينصب نفسه ولو كان أهلا للإمامة، لو رأى نفسه خطأ أو صحيحا -وهو خطأ هنا- أنه أهل للإمامة، فليس له في العقل أن ينصب نفسه، أهليته أمر، وكون أن له السيادة والحق الشخصي في تعيين نفسه وليا على الناس يتصرف في دمائهم، نفوسهم، أموالهم، دينهم -إما أن يقوم بإمامته للدين والدنيا وإما أن ينهدم-، أن أعطي نفسي الحق في هذا التصرف (..)، هذا يحتاج إلى خلفية، هذه الخلفية ليست موجودة لأحد من الناس مطلقا، حتى رسول الله “صلى الله عليه وآله”. رسول الله “صلى الله عليه وآله” لا يملك أن يفرض نفسه على الناس بنفسه حاكما متصرفا في أموالهم، دمائهم، في حربهم وسلمهم، في ميزانيتهم، في كل أمورهم، المتصرف في الناس مالك الناس، المتصرف في الشيء هو مالكه، والمالك للخلق أجمعين هو الله تبارك وتعالى، هو الخالق، هو الرازق، هو المدبر، هو المحيي، هو المميت، هو الذي لا نعمة عند أحد حدوثا ولا بقاء إلا بأمره، فمن هو الحاكم الحق؟ الملك الحق من هو؟ الملك الحق هو الحاكم الحق، من ملك حكم، المالك حقيقة هو الذي له الحكم حقيقة، له الملك وله الحمد، له الشكر، له الطاعة، فلا مالك غير الله حتى يكون الحكم حقا له على عباد الله تبارك وتعالى.

فأنا عندما أصير في الشورى فأقول فلانا هو الحاكم في نظري، حسب ترجيحاتي هو الحاكم، هذا التنصيب على نفسي وعلى الآخرين، هذا لن يكون حاكما لي وحدي، سيكون حاكم للأمة بكاملها، من ولد من أبنائها ومن لم يولد، من هو بالغ اليوم ومن لم يبلغ، من هو رشيد اليوم ومن هو سفيه اليوم، من هو عاقل اليوم ومن هو مجنون اليوم، صوتك سيمضي على الجميع، فالعقل ليس من نظره أن يجعل الشورى طريقا لتنصيب الإمام لأن كل أهل الشورى ليس لهم أن يتصرفوا في مصير الناس. نعم، يحتاج الناس علمهم، ينبغي للناس أن يحترموا علمهم، هذا أمر آخر، إما أن تكون لهم السيادة الذاتية فلا، فنحتاح إلى دليل من الكتاب ومن العقل على صحة الشورى، أو من الكتاب والسنة، العقل لا يرى ويكفي. الكتاب أيضا سيأتي، هناك استغلال للكتاب على مشروعية الشورى، والشورى قلنا لها أكثر من متعلق، متعلقها وضع الدستور والأحكام الشرعية، والمتعلق الثاني نظام الحكم وتعيين من هو الحاكم، هناك شيء ثالث وهو تسيير الحكم، أن يكون أهل الشورى شركاء في تسيير الحكم، تطبيق الحكم، فاقامة الحرب لا تقوم بشخص واحد -ليس تشخيص أن الحكم في الصالح أو لا- قرار إجراء الحرب، قرار الخروج من الحرب إلى السلم، هذا القرار لو قلنا بأن الشورى لها دخل فيه معناه أن قرار إقامة الحرب لا يتم، لا ينفذ إسلاما إلا بمشاركة أهل الشورى، هم الذين يأخذوننا إلى الحرب، يعني يشتركون في التنفيذ. هذا متعلق من متعلقات الشورى، وهذا أيضا لم يوجد في السيرة العملية للمسلمين، كانت الحرب بأمر الخليفة، إيقافها، اجرائها، مدينة تقام، طريق يشق، كل هذا بأمر الخليفة، يمكن أن يستشير فيه ممكن، يستشير في صلاحية هذا الشيء.

عندنا الشورى في تعيين الأصلح من الأمرين، حرب أو سلم، نحارب أو لا نحارب؟ الوجوه الموضوعية، ماذا تقول الخبرة العملية بما تستعرض من الوجوه الواقعية، والمعادلات الخارجية، ماذا تقول هذه الخبرات المتخصصة في أن هذه الحرب ناجحة أو غير ناجحة، فيها خسارة أو ربح، هذا متعلق من متعلقات الشورى.

فأقول إلى هذا الحد هنا، لابد من دليل من عقل أو من شرع كدليل الكتاب والسنة يقول لنا خذوا بالشورى في تعيين الحاكم، في تعيين خليفة المسلمين، فيجري البحث: هل قال الكتاب لنا في آياته الكريمة خذوا بالشورى في تعيين الحاكم؟ هل قال لنا ولو من خلال آيات الشورى؟ آيات الشورى موجودة في الكتاب الكريم، ولكن هل لها مؤدى يقول بأن تعيين الحاكم في نظر الإسلام هو عن طريق الشورى؟ هذا المؤدى موجود في آيات الشورى أو غير موجود؟

السنة الشريفة، هل فيها دليل على صحة الأخذ بالشورى في تعيين الحاكم أو لا؟
أيضا الكتاب الكريم، ماذا يقول عن النص؟ هل يدل على أن الإمامة بالنص أو لا يدل؟ فتصير مقارنة بين آيات الكتاب الكريم بين ما يدعى بأنها دال على أن الطريق هو الأخذ بالنص، وبين آيات الشورى التي يدعى بأنها تعين أن الشورى هو طريق تعيين الإمامة.

المسلمون اليوم وحكم الإسلام:
عرفنا أن المسلمين بعد رسول الله كانوا يتفقون على أبدية الإسلام، وعلى أبدية الحكم بالإسلام، وعلى أبدية مرجعية هذا الحكم؛ وهو كتاب الله، وسنة رسوله “صلى الله عليه وآله”، والعقل الفطري، الآن كيف؟

الآن نزاع كل الطغاة وكل الحكام الذين أقاموا حكمهم على غير قاعدة دين الله عز وجل، كلهم على إنكار حاكمية الإسلام، وصار الإسلام السياسي تهمة، من يذهب إلى الإسلام السياسي تهمة، وصارت المقاومة من أجل حكم الإسلام جريمة، وصار كل ذلك رجعية، وصار السائد أن الحكم الوراثي مازال يتمتع بالصحة، وأن الديمقراطية هي الحق. المسلمون اليوم صارت الشقة بينهم وبين القول بحكم الإسلام شقة بعيدة، نعم وجدت نهضة حديثة جديدة من أجل الحكم الإسلامي، وصارت مقاومة؛ وهي على طريق القوة والصلابة والنمو والازدياد إن شاء الله، ولكن لازال المسلمون اليوم عمليا الكفة من ناحية عملية راجحة عندهم للحكم غير الإسلامي ديمقراطيا أو غير ديمقراطي.
هذا واضح جدا، لكن أنتقل لشيء ثاني وهو مهم. يأتي سؤال كيف يحكمون بالإسلام وهم شيعة وسنة؟ أيحكمون بالإسلام السني أو يحكمون بالإسلام الشيعي؟ وهل هذا إلا بداية شن حرب بين المسلمين؟ وكأن الحكم الوراثي ليس بابا لشن الحروب! والحكم بالسيف ليس مجالا لشن الحروب! الانقلابات العسكرية ليس مجالا لإفتراق المسلمين، كل ذلك خير إلا إذا حكم الإسلام فإنه يخاف على المسلمين أن يتحاربوا شيعة وسنة.

الشيعة تقول في حاضرها من يقول بولاية الفقيه، وولاية الفقيه عند (الاختلاف) بين الفقهاء، والتنازع على من هو الأولى؛ نرجع فيه لأغلبية الأصوات، إما الشورى أو الديمقراطية حلا للنزاع وليس طريقا للحكم. الحكم يعين أن المرشح للحكم هو الفقيه العادل العالم الكفوء، الديمقراطية فقط لحل النزاع، الشورى لحل النزاع، فيأخذون بحل النزاع عن طريق الشورى أو عن طريق تصويت الأمة، تصويت مباشر أو تصويت غير مباشر عن طريق الخبراء.

السنة بم سيأخذون؟ سيأخذون بالشورى. حكومة طالبان تأخذ بالشورى، (وهناك) حكومة الولي الفقيه في إيران.

طبعا المشتركات الإسلامية كثيرة كثيرة كثيرة في المجال السياسي وفي الغير السياسي، في مجال الأحوال الأسرية، أحكام الأسرة التي يسمونها الأحوال الشخصية، هذا محلول إذا كان يحل في الحكم العشائري القبلي الوراثي، ويحل في الأحكام حتى في البلاد التي تحكمها الأحكام الوضعية، حكم وضعي علماني لكن يكون في مجال الأسرة أن يعمل فيها الحكم الشرعي لهذا المذهب أو الحكم الشرعي لذلك المذهب، هذا يأتي في الحكم السني والشيعي، الشيعة في حكم طالبان يحكمون بأحكام الأسرة طبقا للمذهب الشيعي، السنة في إيران يحكمون في الأحوال الشخصية طبقا للحكم السني. بعد ذلك تأتي المسألة العامة، العدل، يشتركون في المذهب السني والشيعي. القوة الأقوى للإسلام، أن يعمل على قوة الإسلام وأن يكون أقوى قوة، يشترك فيه المذهبان.

كل المصالح الإسلامية يجب أن يشترك فيها أهل المذهبين، من أين يأتي الخلاف؟ القضية محلولة جدا لو رجعنا للإسلام، حتى لو رجع هذا لولاية الفقيه عن طريق ترجيح الشورى للمنتخب عند النزاع، أو رجع السني لطريق الشورى مباشرة، على أساس أنه ليس هناك تعيين للولي الفقيه، على أنه في المذهب السني هل يقدم الفاسق على العادل؟ ما هي ولاية الفقيه؟ أن الحكم في الإسلام للفقيه الأفقه، للعدل الأعدل، للكفوء الأكفأ، للراجح على المرجوح.

لنأتي للسنة، -الطالبان مثلا-، طالبان تذهب لولاية الفاسق لتقدمها على ولاية العادل؟ ستقدم ولاية المسلمين من لا فهم له في الفقه ولا صلة له بعلم الإسلام على الفقيه العالم بالإسلام في المذهب السني؟ ستقدم العالم على الأعلم؟ ماذا ينبغي لها؟ ماذا ينبغي لها رعاية لمصلحة الإسلام ولمصلحة المسلمين، ولحمايتهم وتقدمهم، من الأصلح أن تقدمه؟ لا شك الأعلم الأفقه، الأخبر كخبرة، الأكفأ، الأشجع، إلى آخره، فأين مورد الخلاف؟ اختارته السنة سنيا فلتختره سنيا، اختارته الشيعة شيعيا فلتختره شيعيا، فليست هناك مشكلة لو أراد المسلمون أن يرجعوا اليوم لحكم الإسلام مع اختلافهم المذهبي بين شيعة وسنة، يمكن أن يجري الحكم الإسلامي عند السني، والحكم الشيعي عند الشيعة في مشتركات الإسلام وهي كثيرة كثيرة على خط واحد في المذهبين على مستوى الأحوال الشخصية -إرث، زواج، طلاق، ما إلى ذلك، هذا يرجع فيه كل أهل مذهب لأحكام مذهبهم-، فيجب أن لا يكون هذا سبب الخلاف بيننا.

اللب بالضبط لم أصل إليه، وهو الدليل النصي من القرآن الكريم على الإمامة عن طريق النص، والدليل النصي من ناحية القرآن الكريم على أن الطريق هو الشورى، لابد من استعراض الآيات الكريمة من الجانبين للوصول إلى أن الناهض هو دليل النص أو دليل الشورى، واسمحوا لي على هذا التطويل، وطبيعة الموضوع في نظري تقتضي ذلك، وغفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.