السعودية تدخل «عصر التطبيع»: "الإسرائيليون" في قلب الحرم المكي

السعودية تدخل «عصر التطبيع»:
الخميس ٢١ يوليو ٢٠٢٢ - ٠٤:٣٩ بتوقيت غرينتش

أثار دخول مراسل «القناة 13» العبرية إلى الحرم المكي، وبثه تقريراً مصوراً من هناك، موجة سخط عارم على مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية، مسبباً حرجاً كبيراً لمحمد بن سلمان، ومنغصاً عليه زهوه بـ«الانتصار» على جو بايدن.

العالم - السعودية

وإذ يبدو نشر التقرير مقصودا إسرائيليا بهدف توريط ابن سلمان في عملية تطبيع سريع، فهو يعيد تظهير الحساسيات التي تعترض المملكة في هذا المسار، الذي يبدو - مع ذلك - أنه انطلق بالفعل، سواء كان بطيئا أم متعجلا، علنيا أم سريا.

لم يتأخر في الظهور إلى العلن، الثمن الذي يتعين على محمد بن سلمان، تسديده للإسرائيليين لقاء مساعدتهم الحاسمة له في جلْب الرئيس الأميركي «صاغرا» إلى عقر داره لمبايعته سلفا، ملكا مستقبليا للسعودية، ثم عودته خائبا إلى بلاده.

ولأن الإسرائيليين لا يقدمون خدمات مجانية، فإنهم سيستوفون بالكامل ثمن «خدمتهم» هذه خلال حكم الرجل، طال به الزمن أم قصر. وأثار التقرير الذي بثته «القناة 13» العبرية لمراسلها غيل تماري، والذي يظهر فيه متجولا بأريحية خلال موسم الحج بين المشاعر المقدسة في مكة، وملتقطا صورة «سيلفي» على جبل عرفة، على رغم منع دخول غير المسلمين إليه، وفق القانون السعودي، ثائرة السعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي، استنكارا لما حدث.

وصب هؤلاء غضبهم على القيمين على تلك المشاعر، باعتبار أنه لم يكن ممكنا للمراسل المذكور القيام بجولته وتصويرها، ولو بالهاتف، والتحدث بصوت مسموع باللغة العبرية أثناءها، من دون إذن من ابن سلمان، كما أنه لم يكن ليستطيع القيام برحلته لو لم تكن منظمة من قبل السلطة؛ ذلك أن الحجاج المسلمين أنفسهم يحتاجون إلى أدلاء للتنقل بين المشاعر، ولا يستطيعون دخولها من دون تصريح، فيما القوى الأمنية المولجة بتنظيم الحج، عادة ما تقوم بالتدقيق في هويات الداخلين، ولا تتساهل في قمع ما تعتبره مخالفات، مهما بدت صغيرة.

ومن هنا، كان السؤال الرئيس للسعوديين، هو كيف تمكن هذا الشخص من دخول الحرم المكي؟

وعلى رغم «اعتذار» القناة عن الزيارة التي لم يكن هدفها «المس بمشاعر الأمة الإسلامية» حسب زعمها، إلا أن بث التقرير بدا مقصودا إسرائيليا لتوريط ابن سلمان في تطبيع سريع مع الكيان، وهو تصرف نمطي من قبل العدو في مثل هذه الحالات، لإيصاله إلى نقطة اللاعودة على هذا المسار، لا سيما وأن القضية أثارت ضجة في وسائل الإعلام العالمية، بما يساهم أيضا في تأدية الغرض الإسرائيلي.

ونتيجة لذلك، يواجه حاكم السعودية، الآن، أول أزمة مباشرة تتعلق بالتطبيع مع الكيان، والذي كان يريده تدريجيا ومراعيا لوضع المملكة، ليأتي سيل الغضب الذي عبر عنه السعوديون، بوصف ما حدث اعتداء إسرائيليا على مقدسات المسلمين، مشابها للاقتحامات التي يقوم بها المستوطنون الإسرائيليون للمسجد الأقصى في القدس، ليزيد موقفه تعقيدا.

وعلى رغم أن ‌‎السلطات السعودية التي بدت مأخوذة بـ«المفاجأة» الإسرائيلية، واجهت الأزمة بصمت رسمي، إلا أنها أفلتت في المقابل ذبابها الإلكتروني ليدافع عن ابن سلمان ويروج للتطبيع، وليتهم «الخونة العملاء» من المعارضين السعوديين، وجماعة «الإخوان المسلمون» بنشر وسم «يهودي في الحرم» لإثارة الرأي العام السعودي ضد ولي العهد.

كذلك، لم يجرؤ القيمون على الحرم من رجال الدين على فتح أفواههم، إما طاعة لابن سلمان وإما خوفا منه.

تظهر الحادثة حساسية التطبيع السعودي مع إسرائيل، والتي تفوق بكثير ما يسم تطبيع دول عربية أخرى

لكن الحادثة تظهر حساسية التطبيع السعودي مع إسرائيل، والتي تفوق بكثير ما يسم تطبيع دول عربية أخرى، باعتبار أن آل سعود يستمدون جزءا من «شرعيتهم» من حراسة الحرمين وخدمتهما. ولذلك، فإن الاختراق الإسرائيلي يطعن تلك «الشرعية» في الصميم، ويضيف نقيصة أخرى إلى مشاكلها التي يعاني منها ابن سلمان بالذات، الذي تسلق سلم السلطة بالمؤامرات التي أطاح خلالها بالآلية المعروفة لتوارث العرش، بالاتفاق مع إسرائيل والمؤيدين لها في الولايات المتحدة.

كما تسلط الحادثة عينها الضوء على نوع التحديات التي سيواجهها ولي العهد خلال حكمه، خاصة أن هذا الحكم سيكون محميا بالعلاقة مع إسرائيل أولا، نتيجة الشكوك التي تحيط بالضمانات الأميركية التي جلبها بايدن إلى السعودية، نظرا للاعتراضات الواسعة في الولايات المتحدة على العلاقة مع ابن سلمان والمملكة ككل، من قبل التيار الأوسع في «الحزب الديموقراطي» الذي تعبر عنه الصحف ووسائل الإعلام الكبرى، وأيضا من قبل التيار اليساري المتزايد القوة في الحزب، والذي يمثل أبرز رموزه بيرني ساندرز الذي هاجم زيارة بايدن للسعودية، وعبر عن معارضته لإقامة علاقات دافئة معها.

في المقابل، سوف تعطي الحادثة دفْعا للمعارضة السعودية، وجلها إسلامي الطابع، في صراعها مع ولي العهد، بعد النكسة التي تلقتها بـ«خيانة» بايدن لها، لا سيما وأنها سلفا جعلت رفض التطبيع واتهام ولي العهد بالسعي إليه، إحدى أبرز أدوات عملها، مراهنة على الرفض السعودي الشعبي لإسرائيل.

ويعتبر مجرد الاعتراض بالحجم المشار إليه على انتهاك المراسل الإسرائيلي للحرم، نجاحا كبيرا لهذه المعارضة، نظرا لمستوى القمع والبطش الذي يمارسه النظام السعودي، حيث يمكن لتغريدة صغيرة أن تكلف المرء قضاء بقية عمره في السجن.

بالنتيجة، ابن سلمان دخل العصر الإسرائيلي، سواء كان التطبيع مع الكيان بطيئا أم سريعا، علنيا أم سريا، منذ أن سلم أمن نظامه للإسرائيليين، بدءا من استخدام نظام «بيغاسوس» للتجسس على المعارضين، ومن ثم اعتقالهم أو قتلهم، وصولا إلى المظلة الرادارية التي يفترض أن تربط إسرائيل بدول خليجية، لتوفير إنذار مبكر لهذه الدول من الهجمات بالصواريخ والمسيرات.

ومن البداية، كان أداء ابن سلمان عبارة عن مقدمات توصل إلى مثل هذه النتيجة، بدءا من العدوان على اليمن الذي أطلقه فور تسلمه وزارة الدفاع عام 2015، إلى «الاتفاقات الإبراهيمية» التي باركها، وصولا إلى محاولات كي وعي المجتمع السعودي المحافظ عبر «هيئة الترفيه»، وإضعاف الجناح الوهابي في الحكم، واستخدامه في تمهيد الأجواء للتطبيع، من خلال الدعوة إلى تقبل الإسرائيليين، واستقبال حاخامات وسياسيين ورجال أعمال إسرائيليين في المملكة.

المصدر: جريدة الأخبار