العالم - كشكول
في الوقائع، ظهرت عمليات الانشقاق في صفوف ما يسمى بـ" الجيش الوطني" المدعوم من الجيش التركي، في ظل التهديدات التركية في الشمال السوري، حيث شهد ما يسمى بـ"الجيش الوطني"، في الأيام القليلة الماضية، انشقاقات عدة في صفوفه، كانت لأسباب متعددة، عزاها البعض الى الخلافات ضمن تشكيلاته، وقال اخرون انها بسبب قلة الرواتب وتأخر صرفها، الا ان هذه الأسباب مجتمعة دفعت بحسب مصادر معارضة، مجموعة من "الجبهة الشامية"، أبرز مكونات ما يسمى بالجيش الوطني أعلنت انشقاقها في مدينة مارع بريف حلب الشمالي، هذه المجموعة تضم 250 مسلحاً قد انشقت مع سلاحها الخفيف لتنضم إلى مجموعة أخرى تطلع على نفسها "كتيبة المعتصم"، وذكرت المصادر ان السبب الإضافي وراء انشقاق هذه المجموعة، عدا عن ان عناصرها لم يستلموا رواتبهم التي لا تتجاوز 250 دولار، منذ اكثر من 50 يوماً، السبب أيضا كان "شعور الإحباط العام لدى المسلحين والإحساس بالفشل المستمر في إحداث تبدلات في الميدان وعدم ثقة هؤلاء المسلحون بقادتهم". كما أعلنت قبل ذلك ما تسمى بمجموعة السلطان سليمان شاه المعروفة وأخرى تطلق على نفسها اسم "الحمزة" المدعومتان من الجيش التركي، انشقاقهما عما تسمى بحركة ثائرون للتحرير، التي تضم عدة مجموعات مسلحة في ريفي حلب الشمالي والشرقي، وهذا شجع ما تسمى بمجموعة " ملك شاه " انشقاقها عما يسمى " الفيلق الثالث" لتنضم إلى ما تسمى بـ "حركة ثائرون".
إن ما يشهده الشمال السوري وتحديدا من المجموعات المسلحة المدعومة من الجيش التركي، من انشقاقات يتجاوز مشهده الحدث العابر، وفي جوهره مرتبط بشكل او بأخر بالتحضيرات التركية لشن عملية عسكرية في شمال البلاد، ويتجاوز أيضا الخلافات على تأخر الرواتب، او حتى الخلاف مع القادة الميدانيين، لذلك فالأسباب المتباينة في هذه الانشقاقات، تتجاوز المجريات داخل كل مجموعة، وتأتي في ظل نتاج عامل هام وهو التجاذب في الأيديولوجيا، وحسابات الدول الداعمة، وإعادة ترتيب بعض الأوراق على المستوى الإقليمي والدولي، بالذات بعد موجة الصراع المسلح الداخلي بين تلك المجموعات، والاقتتال الذي شكل بداية مرحلة الانشقاقات، وإعادة ترتيب خريطة التوزع والانتماء.
وبمراجعة بسيطة نكتشف ان المعارك في النصف الأول من عام 2022 بين المجموعات المسلحة المدعومة تركية، التي اندلعت في مناطق سيطرتها شمال البلاد، ازدادت بمقدار ثلاث اضعاف عن النصف الأول من عام 2021، وحتى ان الاشتباكات بين المسلحين في الستة اشهر الأولى من هذا العام، تساوي ضعف التي اندلعت في الأعوام الثلاثة السابقة، فمن عام 2018 حتى عام 2022، وقع حوال 69 اقتتال داخلي بين المجموعات المسلحة في مناطق سيطرة الجيش التركي، منها 28 اشتباك مسلح في النصف الأول من هذا العام، بينما شهد عام 2021 حوالي 9 اشتباكات مسلحة، و26 أخرى في عام 2020 و6 اشتباكات في عامي 2018 و2019. هذه الاشتباكات التي جاءت كمقدمة للانشقاقات، كانت تتوسع في كل مرة لتصل الى حدود مدينة الباب، بعد ان بدأ التركي يضيق الميزانيات المالية لتلك المجموعات، وتأخر سلسلة الرواتب بعد ارتفاع فاتورة المسلحين، لذلك بدأ يدفع التركي الى تشكيل هيكلية جديدة، من خلال الضغط المالي، الذي شكل المفجر للاشتباكات والانشقاقات، في ظل الفلتان الأمني، ودفع المجموعات المسلحة للدخول في المشروع التركي الجديد، وتأمين مرور عملية توطين اللاجئين السوريين في تلك المنطقة، وهنا كان التدخل القطري بحسب مصادر مطلعة، حيث اكدت تلك المصادر ان القطريين تدخلوا ماليا لحماية بعض الفصائل من التفكك والاندثار، لذلك وصل وفد قطري الى الشمال السوري والتقى عدد من المجموعات المسلحة مما يسمى بالفيلق الثالث واحرار الشام والجبهة الشامية، وكان الهدف المعلن للزيارة، حل الخلافات بين تلك المجموعات، واما السبب الحقيقي كان دفع رواتب المجموعات المسلحة، ووصل عدد هؤلاء لاكثر من 30 الف مسلح، ستتولى قطر دفع رواتبهم.
إن ما يجري في شمال البلاد، من اقتتال او انشقاقات، لا ينفك عن المحاولات الدائمة للدول الداعمة، لتشكيل مسار للمجموعات المسلحة، يتوافق مع مصالحها، ويفرض ايقاعها على حركة تلك المجموعات، والتي باتت تشكل عبء في الكثير من الأحيان على تلك الدول، تحاول التخلص منه بأسرع وقت.
*بقلم حسام زيدان