هل يمكن لأوروبا حقا الاستغناء عن الغاز الروسي؟

هل يمكن لأوروبا حقا الاستغناء عن الغاز الروسي؟
الأربعاء ٠٧ سبتمبر ٢٠٢٢ - ٠١:٥٨ بتوقيت غرينتش

دعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين دول الاتحاد الأوروبي الى الموافقة على تحديد سقف لسعر الغاز الروسي، معتبرة أن الاتحاد قادر على تعويض واردات الغاز الروسي، في حين وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سعي الغرب لوضع حد لأسعار الطاقة الروسية بالغباء.

العالم - قضية اليوم

فون دير لاين قالت في تصريحات صحفية اليوم الأربعاء أن دول الاتحاد الأوروبي وجدت "مصادر بدليلة" للغاز الروسي من دول مثل النرويج والجزائر والولايات المتحدة، مضيفة أن لدول التكتل استثمارات ضخمة في مصادر الطاقة البديلة لتصل إلى "الاستغناء الكامل عن الغاز الروسي"، لكن بعيدا عن التصريحات السياسية هل هذا الأمر ممكن عمليا من وجهة نظر أصحاب التخصص؟

صعوبات تفنية

يرى خبراء الطاقة ان التصريحات السياسية التي توحي بأن أوروبا قادرة على توفير بدائلها من الغاز لا تعبر عن حقيقة الواقع، فأقصى ما تستطيعه أوروبا هو توفير حاجياتها لهذا الشتاء بالتعاون الداخلي. لكن الرهان على حلول دائمة والاستغناء عن الغاز أمر صعب جدا.

ويستشهد الخبراء بتصريحات لبعض متخصصي الطاقة في أوروبا نفسها فمثلا "نيه باوتس"، الرئيس التنفيذي لشركة غازنات ورئيس مركز الغاز العالمي قال في تصريحات صحفية قبل أشهر، أي قبل ان تعلق روسيا ضخ الغاز في نورد ستريم-1 بسبب عطل فني، ان التعويل على المقاطعة التامة للغاز الروسي سيمثل تحدياً كبيراً قبل هذا الشتاء أمام تعبئة مخازن الغاز الكائنة تحت الأرض في فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وألمانيا وبلدان أخرى. موضحا سيتطلب ذلك إبرام عقود جديدة طويلة الأجل والقيام باستثمارات كبيرة في الغاز المسال في أوروبا، وهذا سيستغرق من 3 إلى 4 سنوات.

وأما عن البدائل أوضح نيه باوتس ان هناك شمال أفريقيا، وبحر قزوين من الشرق، وبحر الشمال الذي يضم أنابيب البلطيق قيد الإنشاء والتي تربط النرويج ببولندا عبر الدنمارك. ويوجد أيضاً مشروع في مصر بعد اكتشاف حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط. وسيكون من الممكن أيضاً زيادة الواردات من الغاز الطبيعي المسال، ولكن يجب أن تتوفر موانئ بحرية قادرة على تسييل الغاز (عند -163 درجة مئوية) بغية تقليص حجمه ثم تسخينه عند الوصول. بيد أن ألمانيا، التي تستورد 49% من غازها من روسيا، ليس لديها أي ميناء من هذا النوع.

وتحاول الدول الاوروبية جاهدة رفع وتيرة تخزين الغاز، وقد وصلت النسبة الآن إلى 80 في المائة في بعض الدول كفرنسا وألمانيا لكنها لم تتجاوز الـ60 و40 بالمئة في بعض دول اوروبا الشرقية، والرقم المستهدف هو 95 في المائة بحلول تشرين ثاني/نوفمبر، وفي حال تحقيق هذا الهدف عبر توقيع عقود شراء غاز طبيعي مسال من قطر والولايات المتحدة، وبدء التفاوض الآن مع أذربيجان والجزائر، فإن هذا لن يحل أزمة الطاقة في أوروبا بشكل كلي، من ثم قد تكفي فقط لمدة ثلاثة شهور، وبالطبع الأمر يعتمد على قساوة البرد في الشتاء، والتزام السكان والشركات بتطبيق الاقتصاد في الاستهلاك".

ومن الواضح ان الحلول قد تكون مجدية فقط على المدى القصير، ولكن لحل أزمة الطاقة أوروبيا على المدى الطويل، يجب الإسراع بتطوير واستخدام الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين، ولكنها أيضا لن تحل أزمة أوروبا إلا بعد سنوات، وبعد إنفاق تريليون يورو.

تداعيات اقتصادية مؤلمة

يرى خبراء الاقتصاد ان الوضع في أوروبا يتجه نحو التباطؤ الاقتصادي الواضح، مع انخفاض سعر اليورو إلى أدنى مستوى له منذ عام 2002، وانخفاض الجنيه الإسترليني.

ويعتقدون أن هناك اتجاها حتميا نحو الركود، خاصة مع توجه البنك المركزي الأوروبي إلى رفع أسعار الفائدة لمعالجة التضخم الذي بلغ 9.2 في الاتحاد الأوروبي، وأكثر 10 في المئة في بريطانيا، ويتوقع أن يصل إلى 20 في المئة مع ارتفاع أسعار الطاقة.

ويجتمع البنك المركزي الأوروبي، الخميس، ويتوقع اقتصاديون أن يرفع سعر الفائدة على الودائع بمقدار 0.5 أو 0.75 نقطة مئوية على خلفية القلق بشأن قدرة أوروبا على تلبية احتياجاتها من الطاقة هذا الشتاء وتراجع النمو.

كما تسببت أزمة انقطاع امدادات الغاز الروسي لأوروبا عبر نورد ستريم-1 في مخاوف بشأن أزمة طاقة مرتقبة قد تسبب اضطرابات اجتماعية واسعة، وبعد القرار الروسي، ارتفعت أسعار الغاز، الاثنين، وارتفعت العقود الآجلة للغاز الطبيعي في شمال غرب أوروبا، التي تعكس تكلفة الوقود، بأكثر من 20 في المئة.

وتراجع اليورو بنسبة 0.26 في المئة إلى 0.9903 دولار الاثنين، قرابة الساعة 6,00 ت غ، بعيد هبوطه إلى 0.9883 دولار، مسجلا أدنى مستوى منذ ديسمبر 2002.

وتراجع الجنيه الإسترليني بسبب تقلبات سعر الغاز، وهو مصدر طاقة تعول عليه إلى حد كبير بريطانيا. وخسرت العملة 0.12 في المئة فتراجعت إلى 1.1479 دولار، وهو أدنى مستوى لها منذ مارس 2020.

وتوقع محللون أن "يصل اليورو إلى أعماق جديدة" بسبب عدم اليقين السياسي والاقتصادي، وفق وول ستيرت جورنال.

وتواكب ذلك مع تراجع حاد في البورصات الأوروبية عند بدء التداولات الاثنين، فقد انخفض مؤشر Stoxx Europe 600 القاري بنسبة 0.8 في المئة، بينما فقد مؤشر DAX الألماني 2.3 في المئة، وانخفض مؤشر FTSE 100 في المملكة المتحدة بنسبة 0.2 في المئة.

وقالت جانيت موي، رئيسة تحليل السوق في شركة إدارة الثروات في المملكة المتحدة، بروين دولفين، لـ"سي أن بي سي" إن آفاق الأسواق الأوروبية تبدو "قاتمة للغاية بالفعل" حيث من المرجح أن تستمر روسيا في تقييد إمدادات الغاز إلى المنطقة .

وقالت: "سيكون المستثمرون حذرين للغاية في المضي قدما الآن.. المعنى الواضح للغاية أن أصول اليورو ستكون تحت الضغط".

وقال كريغ إيرلام، كبير محللي السوق في شركة أونادو، لوول ستريت جورنال: "من المحتمل الآن أن تتجه أوروبا إلى حالة الركود.. إنها مجرد حالة لمقدار الدعم الذي ستقدمه الحكومات ومدى التضخم الذي سيكون".

الخسارة لمن يصرخ أولا؟

لايمكن إهمال حقيقة ان الاقتصاد الروسي تلقى ضربة قوية بسبب العقوبات الغربية وروسيا الآن في مرحلة محاولة الصمود وتحويل صادرات غازها الى الصين والشرق وهذا بحاجة لبنية تحتية، بينما القارة الأوروبية تتحضر لشتاء قاسي واحتمال ظهور حركة احتجاج كبيرة وسط أخبار مؤكدة لارتفاع قياسي لتكلفة الطاقة على الصناعات والمواطنين، ومخاوف من توقف العمل بالعديد من الصناعات وزيادة البطالة، وبالتالي الغلبة ستكون لمن يصبر ولا يصرخ أولا.