السودان.. البرهان يخلع قناع الشراكة.. تغول مكشوف

السودان.. البرهان يخلع قناع الشراكة.. تغول مكشوف
الجمعة ٠٩ سبتمبر ٢٠٢٢ - ٠٥:٢٢ بتوقيت غرينتش

فارق عبد الفتاح البرهان، قبل أيام، لغة المرونة التي اعتمدها حيال القوى السياسية، محذرا هذه الأخيرة من التدخل في شؤون المؤسسة العسكرية.

العالم - السودان

تحذير أنبأ بوضوح بأن العسكر لن يفرط، تحت أي ظرف، بالنفوذ الكبير الذي يحوزه داخل مؤسسات الدولة، والذي توسعت رقعته بعد إطاحة حكومة عبد الله حمدوك. وفي مقابل هذا التشبث، تستمر «لجان المقاومة» في إعلاء صوت رفضها، من دون أن يتضح أي أفق لتحركاتها إلى الآن.

مستخدما لغة التهديد، حذر قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، قبل أيام، القوى السياسية من التدخل في الشأن العسكري، داعيا إياها إلى تشكيل حكومة بعيدا عن محاولة «إشعال الفتنة» بين مكونات المنظومة الأمنية، محذرا من أن «خروج الجيش من السجال السياسي لا يعني أنه سيسمح لأي فئة بأن تكرر ما فعله المستعمر أو أنه سيستسلم» إلى ما سماها «محاولات تفكيك المؤسسة العسكرية»، التي أكد قدرتها على الحفاظ على وحدتها. وأثبت كلام البرهان، وفق ما ذهب إليه محللون، صحة التقدير القائل بأن دعوته سابقا إلى تكوين حكومة مدنية لم تكن إلا محاولة لكسب الوقت، بهدف فرض مزيد من التمكين للمؤسسة العسكرية على مفاصل الدولة. ومما يعزز ذلك التقدير هو أن انسحاب الجيش إلى ثكناته لم يقترن بتخليه عن الصلاحيات السياسية أو الملفات الرئيسية كالعلاقات الخارجية والاقتصاد. والجدير ذكره، هنا، أن الجيش يمتلك منظومة اقتصادية قوية لا تخضع لولاية وزارة المالية، وقد تكون أحد أهم الأسباب التي شجعت البرهان على الانقلاب، بعدما ظلت عصية على عمل «لجنة إزالة التمكين» إبان عهد الحكومة الانتقالية، بل عمل قادة الجيش على تعزيزها، إلى حد أن أذرعه باتت ممتدة في الكثير من المؤسسات المدنية، وخاصة بعد إطاحة حكومة عبد الله حمدوك قبل نحو عام. وبحسب بعض التسريبات، فإن شركة «زادنا»، إحدى أضخم الشركات المملوكة لمنظومة الدفاع، تعتزم الدخول في نقاشات مع شركة مطارات الخرطوم، بهدف توليها تأهيل المطار والحصول على امتيازات تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، مع الإشارة إلى أن سلطة الطيران المدني في السودان تتبع هي الأخرى لوزارة الدفاع.

يضاف إلى ما تقدم أن البرهان أعاد إلى رموز النظام السابق معظم الأصول المالية والممتلكات التي كانت قد صادرتها منهم «لجنة إزالة التمكين». كما أعاد جميع مفصولي الخدمة المدنية التابعين لـ«حزب المؤتمر الوطني» المنحل إلى وظائفهم، وهو ما شمل، بحسب القيادي في «ائتلاف الحرية والتغيير» وجدي صالح، 135 ألف موظف من بينهم عاملون في الأجهزة الأمنية، وهو ما يؤكد أن فلول النظام السابق كانت لها يد في انقلاب قائد الجيش. وعلى خلفية ذلك، تعتقد القوى السياسية المعارِضة أن الفساد والضعف اللذين أصابا القوات المسلحة منذ تولي الإسلاميين السلطة عام 1989، ظلت آثارهما ممتدة حتى الآن، مشددة على ضرورة إصلاح المؤسسة العسكرية، وعلى أن يكون هذا من مهام الحكومة المدنية المقبلة، ولا سيما بعدما عمل النظام السابق على أدلجة القوات المسلحة لحساب الحركة الإسلامية، وإحالة غير المنتمين إليها إلى المصلحة العامة، لتنتفي عن العسكر صفة القومية، ويصبح أقرب ما يكون إلى الحزبية. أيضا، عمل الإسلاميون على تكوين ميليشيات موازية للجيش، بصلاحيات وامتيازات واسعة، كـ«الدفاع الشعبي» و«الدعم السريع»، التي أصبحت قوة ضاربة تعمل بندية واضحة مع القوات المسلحة. وعلى رغم تأكيد قيادات الجيش أن هذه الميليشيا هي من رحمه، إلا أن قائدها محمد حمدان دقلو «حميدتي» يرفض دمجها مع الجيش بحجة أن تكوينها تم بواسطة قانون أجازه البرلمان. على أن حالة الندية تلك، يبدو أنها آخذة في تعميق الشرخ بين الجيش و«الدعم السريع» على رغم تحذير البرهان، في خطابه الأخير مطلع الأسبوع الحالي، من محاولة «إشعال الفتنة» بينهم، وتأكيده أن «القوات المسلحة لن توجه سلاحها ضد بعضها البعض».

وبينما يتشبث رئيس «مجلس السيادة» والقوى السياسية المؤيدة له بالسلطة، تستمر «لجان المقاومة» في محاولاتها إبقاء الحراك في الشارع حيا، على رغم عدم اتضاح أي أفق له حتى الآن. إذ أعلنت 10 تنسيقيات من اللجان في ولاية الخرطوم، في بيان قبل أيام، «اتفاقها على العمل المستمر حتى إسقاط الانقلاب، والتزامها بأن لا شراكة مع العسكريين ولا تفاوض ولا شرعية لهم»، مشددة على أن «إسقاط الانقلاب يتطلب إحكام النضال الجماهيري وتغذيته بالإضرابات السياسية، وصولا إلى العصيان المدني الشامل». كما شددت على «ضرورة التنسيق المحكم بين لجان المقاومة والقوى السياسية والمهنية والمطلبية المؤمنة بالتحول الديموقراطي»، وهو ما لاقى استجابة من عدد من الأجسام المطلبية، وعلى رأسها «لجنة أطباء السودان المركزية» و«التحالف الديموقراطي للمحامين». وفي ظل تصاعد الأزمة الاقتصادية، وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية مقابل تدهور قيمة الرواتب، دعا العديد من القطاعات العاملة في الدولة إلى تنفيذ إضراب إلى حين تحقيق مطالبها ورفع الرواتب والأجور. وفي هذا السياق، دخل عمال قطاع الكهرباء في إضراب عن العمل، مطالبين بتنفيذ المقترح الذي رفعته لجنة «الهيكل الراتبي للعاملين في قطاع الكهرباء».

مي علي - جريدة الأخبار