"هآرتس": جرائم ضد الإنسانية في ميانمار بأسلحة إسرائيلية

الأحد ٠٩ أكتوبر ٢٠٢٢ - ١٠:١٠ بتوقيت غرينتش

نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية، في ملحقها الأسبوعي، تقريراً موسعاً للمحامي إيتاي ماك، عن العلاقات الوطيدة بين كيان الإحتلال الإسرائيلي والنظام العسكري في ميانمار.

العالم - الإحتلال

ويعرض التقرير جملة من وثائق سرية لوزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلية، أزالت الأخيرة الستار عنها، أخيراً، تكشف العلاقات العسكرية بين حكومات إسرائيلية المتعاقبة والنظام العسكري في ميانمار، منذ خمسينيات القرن الماضي، والمستمرة حتى اليوم.

ويبين التقرير من خلال الوثائق، "الانتهازية" الإسرائيلية التي استغلت النظام العسكري الجائر والفاسد في ميانمار لبيعه الأسلحة والوسائل العسكرية، رغم علمها أن هذه الأسلحة تستخدم لارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

ويلفت كاتب التقرير إلى تقديمه، بالتعاون مع مجموعة من الناشطين الحقوقيين الإسرائيليين، قبل سنوات، التماساً إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، طالبوا من خلاله إلزام المؤسسة الأمنية والسياسية بوقف توريد الأسلحة إلى ميانمار، والمساهمة في دعم النظام الديكتاتوري، ومطالبتهم بإجراء تحقيق ضد الإسرائيليين الضالعين في اقتراف جرائم ضد الإنسانية في ميانمار.

ضلوع إسرائيلي بإسقاط نظام ميانمار

وتكشف الوثائق الواردة في التقرير، دور [إسرائيل] الفاعل والمركزي في بناء جيش ميانمار، الذي قاد حرباً أهلية لسنوات.

ويفيد التقرير بأن الكيان الصهيوني ساهمت في إعادة تنظيم الجيش بنمط عصري حديث، وزودته بالأسلحة والمعدات العسكرية، وأجرت تدريبات لقواته، فضلاً عن مساعدتها جيش ميانمار بإدارة شؤون الدولة سراً، والضلوع بإسقاط النظام المدني وإبداله بنظام عسكري مستبد.

ويؤكد التقرير أن حكومات الإحتلال المتعاقبة تجاهلت حقيقة ساطعة، وهي أن إمداداتها العسكرية والمعرفية لا تسخَّر من أجل الدفاع عن الدولة من أي عدوان خارجي ولا من أجل إرساء الأمن العام في ميانمار، بل تستخدم في ارتكاب مجازر ضد سكان الدولة.

وبحسب التقرير، فإن "الوثائق تحمل عشرات آلاف الصفحات، لكنها لا تشير إلى رفض واحد لمندوب إسرائيلي يعرب عن موقف معارض لصفقات بيع الأسلحة لميانمار".

ويعرض التقرير وثائق ومكاتبات بين مندوبين إسرائيليين في ميانمار ومسؤولين في حكومة الاحتلال، مورداً برقية ترجع لعام 1955، كتب فيها مندوب كيان الإحتلال في ميانمار، مردخاي غازيت، في أعقاب لقاء سكرتير رئيس الحكومة في ميانمار، عن الصداقة المتينة والتعاون الوثيق بين الطرفين في حلبة الأمم المتحدة".

ويبين التقرير أن العلاقات الوطيدة نابعة بالأساس من حاجة ميانمار إلى مساعدات عسكرية من [إسرائيل] لقمع التمرد، خصوصاً بعد اندلاع حرب أهلية فيها آنذاك، إلى جانب حاجة ميانمار لتأسيس صناعات عسكرية مستقلة.

ويؤكد التقرير أن الحكومة الإسرائيلية علمت أن معوناتها تؤثر بمصير ميانمار، ففي "عام 1952، أرسلت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى رئيس الحكومة، دافيد بن غوريون، برقية أعلمته فيها بسقوط 30 ألف ضحية، وأن 55% من ميزانية ميانمار مسخرة لأهداف دفاعية".

ويعرض التقرير وثائق عديدة تؤكد العلاقة العسكرية بين الطرفين.

وجاء في التقرير أيضاً أن الكيان الصهيوني وميانمار عقدتا، عام 1954، اتفاقاً حمل اسم "اتفاق الأرز"، الذي التزمت فيه [إسرائيل] تسليح جيش ميانمار وتدريبه مقابل تزويدالكيان الغاصب بآلاف الأطنان من الأرز.

ووفق تفاصيل الاتفاق التي نشرها التقرير استناداً إلى مكاتبات دبلوماسيين إسرائيليين؛ تزود الإحتلال،ميانمار بـ30 طائرة مقاتلة، و30 ألف بندقية وآلاف القذائف والقنابل والأعيرة النارية ومعدات عسكرية أخرى.

فضلاً عن الخبراء العسكريين والأمنيين الذين توجهوا إلى ميانمار لإجراء تدريبات للجيش هناك، ومجيء قادة عسكريين من ميانمار لتلقي تدريبات في قواعد الجيش الإسرائيلي.

كذلك أسست الكيان الإسرائيلي في ميانمار شركات في مجالات الشحن البحري والسياحة والزراعة والبناء بالتعاون مع جيش ميانمار.

"وصل العتاد العسكري إلى ميانمار في الوقت الذي كانوا بحاجة إليه لقمع المتمردين.

وهم (أي ميانمار) يقدرون دون تردد منتجات الصناعات العسكرية الإسرائيلية التي لم يجدوا فيها أي خلل. وحظي جميع أفراد الجيش الإسرائيلي الموجودين في ميانمار بالتقدير والمديح"، وفق ما جاء في رسالة أبرقها الملحق العسكري في السفارة الإسرائيلية في ميانمار، شالوم ليفين، إلى المدير العام لوزارة الأمن الإسرائيلية، شمعون بيريز، عام 1957.

وبتقدير كاتب التقرير، شخصت [إسرائيل] الفوائد من وراء سيطرة الجيش بعد عشر سنوات من الحرب الأهلية، واستشهد بتقرير وزارة الخارجية الإسرائيلية، من عام 1959، الذي يؤكد أن صداقة [إسرائيل] وميانمار بقيت قوية، بل وتعززت أكثر، رغم الأزمات الداخلية التي عصفت بميانمار لسنوات، "منذ أن أحيلت السيادة فعلياً على الجيش.

وأصدقاء الصهاينة الأقوى موجودون بالأساس في صفوف الجيش".

وتكشف الوثائق أيضاً أن شمعون بيريز زار ميانمار عام 1962، بعد ثلاثة أشهر من الانقلاب العسكري، بصفته نائباً لوزير الأمن الإسرائيلي، والتقى قادة عسكريين هناك.

وجاء في ملخص اللقاء وفق ما ورد في التقرير أن "السيد بيريز أحاط القادة، نيابة عن رئيس الحكومة، بأن [إسرائيل] معنية بدعم ميانمار في أي مسألة وبأي شكل يقرره الجنرال (قائد جيش ميانمار) كما دائماً".

ويوضح التقرير أن [إسرائيل] لم تكتف بعد الانقلاب العسكري في ميانمار، حيث حرصت على استمرار العلاقات وتزويد مجموعة العسكريين الحاكمة بالسلاح مقابل أن تحظى بمناصرة ميانمار في الهيئات الدولية والأمم المتحدة.

ويلفت كاتب التقرير إلى أن قائد الطغمة العسكرية، أمر بارتكاب مذبحة بحق طلاب جامعيين تظاهروا في رانغون، أسابيع معدودة من زيارة بيريز لميانمار.

وفضحت رسالة نُشرت، أخيراً، صادرة عن السفارة الإسرائيلية، عام 1962، هذه المجزرة. واحتوت الرسالة على معلومات تفيد بأن أجهزة الأمن أخفت عشرات الطلاب.

وأضاف التقرير بهذا الشأن أن الملحق الإسرائيلي العسكري في ميانمار، اقترح في خضم عمليات القتل والقمع، تدريب وتأهيل قادة كتائب ميانمارية في [إسرائيل].

وفعلاً خضع عدد من قادة جيش ميانمار لتدريبات في معسكرات الجيش الصهيوني.

ورغم التقارير التي نشرت عام 2017، في الصحافة العالمية، والتي أزالت الستار عن جرائم قتل واغتصاب وتعذيب وعبودية وعنف ضد الأطفال وعمليات تهجير وتدمير لعشرات القرى، والتي دفعت أقلية الروهينغا المسلمة إلى الفرار من وطنها، ورغم وصف الأمم المتحدة ما يجري في ميانمار بأنه "تطهير عرقي"، واصلت الإحتلال دون أي رادع إنساني وأخلاقي وقانوني، تصدير وبيع الأسلحة المتطورة لميانمار.

كذلك رفضت الكيان الإسرائيلي الغاصب إعلان موقف يتسق مع موقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين فرضا حظر توريد أسلحة إلى ميانمار.

واستدرك كاتب التقرير أن [إسرائيل] أوقفت صادراتها العسكرية إلى ميانمار، عام 2018، في أعقاب تقارير إعلامية واسعة وضغوط شعبية أهلية.

لكن مساندة [إسرائيل] لميانمار ما زالت مستمرة رغم العمليات الوحشية ضد الإنسانية، حيث أشارت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية، إلى أن وفداً رفيعاً من ميانمار زار الكيان الصهيوني في 5 يوليو/تموز 2018، والتقى ممثلي الحكومة والكنيست.

وأوضحت أن وزارة الخارجية الإسرائيلية نظمت الزيارة وأشرفت على إعداد جدول اللقاءات مع أعضاء وفد ميانمار.

وذكرت القناة في حينه، أن ميانمار عينت ملحقاً عسكرياً لدى الإحتلال برتبة رائد، ولفتت إلى أن الجيش الإسرائيلي يحرص على إشراك هذا الملحق في كل الجولات التي ينظمها للملاحق العسكريين المعتمدين في تل أبيب.

وأضافت أن الملحق ضالع في تنظيم صفقات الأسلحة بين إسرائيل وميانمار، وأن الملحق العسكري حريص على حضور معارض الأسلحة والوسائل القتالية.

وشددت القناة على أن كيان الإحتلال تصر على توثيق علاقاتها بميانمار، رغم اتهام الأخيرة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ومجازر وعمليات تهجير ضد أقلية الروهينغا المسلمة.

ويعزز الدليل الوارد في نهاية تقرير "هآرتس"، المعلومات عن استمرار مناصرة المؤسسة الإسرائيلية لقادة جيش ميانمار، إذ "نشر سفير الكيان الغاصب في ميانمار، رونين غيلئور، تغريدة على "تويتر"، نهاية عام 2019، عبّر فيها جهاراً عن دعمه لقادة الجيش في ميانمار، متمنياً لهم النجاح في جلسات محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، خلال بحثها جرائم الحرب والتطهير والإبادة العرقية بحق أقلية الروهينغا. حيث كتب السفير: (ندعم قراراً جيداً وبالنجاح)".

وعلى الرغم من كشف النقاب عن وثائق وزارة الخارجية الإسرائيلية، التي تفضح العلاقات بين [إسرائيل] والنظام الاستبدادي في ميانمار، إلا أن الوثائق التي أتيحت للنشر، تُعد غيضاً من فيض من وثائق سرية ما زالت تتكتم عليها [إسرائيل]، في وقت تستمر وتشتد فيه جرائم الإبادة الوحشية وتتزايد الأدلة على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بحق الأقليات في ميانمار، بما في ذلك القتل والتعذيب والترحيل القسري والاضطهاد.

العربي الجديد