على وقع التفاهم البحري.. أيام حاسمة أمام الحكومة والرئاسة

على وقع التفاهم البحري.. أيام حاسمة أمام الحكومة والرئاسة
الإثنين ١٧ أكتوبر ٢٠٢٢ - ٠٨:٥٦ بتوقيت غرينتش

تسيطر على أجواء البلاد حالة من التلبد و مازالت الملفات العالقة لا سيما انتخاب رئيس الجمهورية والوصول إلى تسوية تخرج الدخان الأبيض ومعها لبنان من نفق مظلم سيطر منذ 17 تشرين 2019، وهل سيكون ما تم التوصل إليه حتى الآن في ملف الثروة النفطية في البحر مقدمة لاستكمال الأمر نحو خاتمته السعيدة، وإيصال اللبنانيين إلى مرحلة الفرج بعد الضيق الذي عانوا منه على أكثر من صعيد.

العالم - لبنان

صحيفة الاخبار كتبت اليوم الاثنين، خيط دقيق يفصل بين الابتهاج بتفاهم تشرين البحري والغضب منه. خيط يتصل أساساً بالحياة السياسية الداخلية. من الواضح أن الرافضين للتفاهم ليسوا فئة واحدة. بينهم أصحاب وجهة نظر قانونية أو تقنية مفادها أن لبنان ما كان يجب أن يقبل بأقل من الخط 29، وبينهم من يعتقد بأنه كان في إمكان المقاومة والحكم، بمزيد من الصبر، الفوز بما هو أكثر من الخط 23. ولكن، إلى جانب هؤلاء، مجموعة لا يعنيها الموضوع أساساً، ولا تعرف عن الحقول والبلوكات والحدود والقوانين الدولية شيئاً. جلّ ما يهمّها أمران فقط: من أنجز التفاهم ومن سيستفيد منه سياسياً، الى جانب السؤال المشروع حول مصير العائدات المفترضة من الإنتاج النفطي والغازي المرتقب بعد سنوات؟

لحظة التوصل الى التفاهم طابقت لحظة لبنانية شديدة التعقيد تتعلق بالاستحقاقات الدستورية الداهمة بعد الانتخابات النيابية: البحث عن رئيس جديد للبلاد، وعن الإجراءات المانعة للفوضى في حال استمرار الخلاف على طبيعة السلطة التي ستدير البلاد في ظل الشغور الرئاسي.
لذلك، كان من الطبيعي على الفئة المعترضة على التفاهم كيدياً أن تركز على النتائج المباشرة لهذا الإنجاز على المفاوضات المتعلقة بالحكومة ورئاسة الجمهورية، مع قلق من الدور الخاص الذي قام به رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل والفريق المحيط بالرئيس ميشال عون. ومردّ القلق أن هذه الجهة أدّت دورها بكفاءة عالية، ونجحت في تحقيق ما كان صعباً تحقيقه في ظروف أخرى، وأحسنت الاستفادة الواضحة من قوة المقاومة في وجه العدو. لذلك، فإن الفريق المعترض كيدياً يفترض أن «فريق باسيل» (مدعوماً من حزب الله أو بالتفاهم معه) سيعمل على استثمار التفاهم سريعاً بالتشدد ورفع سقف المطالب الخاصة بتشكيل الحكومة أو التوافق على رئيس جديد.

مشكلة الفريق الكيدي ليست في أصل الإنجاز فقط، بل في الشكل أيضاً. فقد أدرك هؤلاء، ولمسوا باليد، أن الحصار الغربي والعربي على تحالف عون - حزب الله انكسر بقوة الحاجة الى الإنجاز. فاضطر الأميركيون الذين يضعون جبران باسيل على قوائم المعاقبين إلى التحاور معه مباشرة، وليس فقط من خلال المسؤول عن الملف نائب رئيس المجلس الياس بوصعب. وكذلك فعل الفرنسيون وممثلو الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، ممثلة بقطر التي لم يسبق لها أن قطعت علاقاتها مع أحد ربطاً بالانتهازية الهائلة التي تتسم بها سياستها، والتي كُلفت من الولايات المتحدة بمشاركة الفرنسيين في تولّي جانب من الملف اللبناني، في ظل الحرد السعودي، وخشية مصر والإمارات والكويت من أي خطوة تغضب محمد بن سلمان.

واقع ما يحصل يحيلنا مباشرة الى السؤال عن مصير الحكومة. صحيح أن غالبية ساحقة من المعنيين باتت تقرّ بأن عدم تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات في ما تبقّى من ولاية الرئيس عون يهدد بمشكلة كبيرة لأن رئيس الجمهورية سيوقّع مرسوم إقالة الحكومة الحالية، وسيبادر فريق وزاري وازن إلى الانسحاب من الحكومة وتركها من دون غطاء سياسي. لكن بين الأقطاب من يعتقد أنها ليست مشكلة كبيرة، وأنه يمكن تجاوزها من خلال تفاهمات بين الأقطاب البارزين في الدولة. وهؤلاء، يبدو أنهم لم يقرأوا جيداً المفاعيل الأولية لتفاهم البحر على التوازن السياسي الخاص بتشكيل الحكومة قبل آخر الشهر.

بناءً عليه، فإنّ النقاش القائم حول ما يفترض أن تكون عليه الحكومة في حالة الشغور الرئاسي، سيكون له ما يطابقه في ما خصّ الاستحقاق الرئاسي نفسه. وفي هذه الحالة، هناك خيارات ضيقة:
إما رئيس تفرضه أميركا والسعودية، وهذا دونه انفجار كبير يطيح كل ما بقي في هذه البلاد.
وإما رئيس أقرب الى 8 آذار، وهذا دونه تغييرات جوهرية في تحالفات حلفاء حزب الله من المسيحيين وإعادة تموضع لوليد جنبلاط.
وإما رئيس تسوية من النوع الذي يفترض به التزام الحياد مع الجميع. وفي حالة لبنان، فإن الحياد يعني تسويات يومية مع بقية أركان الدولة، وهذا يعيدنا الى نقل المعارك الى داخل الحكومة وإلى الشارع أيضاً. وفي ظل الاحتقان السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، فإن خطر اندلاع الفوضى المتنقلة سيكون حاضراً بقوة، ولن يكون بمقدور أحد، بمن فيهم الجيش اللبناني، منع تطوره وتمدّده وحتى إصابة المؤسسات الأمنية والعسكرية نفسها بسوء قد يقود في لحظة كبيرة الى انقسامها وتعطّلها كأداة وطنية جامعة، وهو مركز الخطر الكبير.

في حالة لبنان الفاقد للصديق أو الوصيّ الخارجي القادر على الضرب على الطاولة، ليس أمامنا سوى الصبر والصلاة علّ ما بقي من هيكل الدولة لا يسقط دفعة واحدة فوق رؤوسنا جميعاً!

وتحدثت البناء عن ارتباك سياسي بعد الدعوة التي وجهتها السفيرة السويسرية لممثلي الأحزاب الرئيسية لمأدبة عشاء يوم غد، تبعتها تحليلات إعلامية قالت إنها مقدمة لمؤتمر حوار في سويسرا وموضوعها البحث عن طائف جديد، ما تسبب باحتجاج سعودي دفاعاً عن الطائف ترجمته مواقف حزبية ونيابية كان أبرزها موقف القوات اللبنانية بالاعتذار عن عدم المشاركة، ونائب بيروت وضاح الصادق بالاحتجاج على مشاركة زميله إبراهيم منيمنة والتهديد بفرط تحالف النواب الـ 13، بينما تحدثت معلومات مصدرها السفيرة السويسرية عن نية إصدار بيان توضيحيّ ينفي وجود أي مؤتمر في سويسرا وأي نية للبحث عن بديل لاتفاق الطائف، ما ينقذ العشاء، لكنه ينهي المبادرة عنده.

أسبوع جديد يفتتح اليوم، والاتصالات حول الملف الحكومي مستمرة من دون ان تتوصل الى تفاهم حول تأليف حكومة. فالأجواء التي ينقلها المعنيون على خط التأليف تشير الى ان لا بوادر حلحلة على هذا الخط. وقد اتضح هذا الامر في كلمة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في احتفال بذكرى 13 تشرين يوم السبت حيث واصل توجيه اتهاماته تجاه الرئيس المكلف نجيب ميقاتي. وبينما قال باسيل: أوقفوا اللعب وألّفوا حكومة بدون تضييع وقت، مضيفًا: الحكومة تؤلف خلال نهار واحد، اعملوها وبلا رهانات خاطئة.

ويقام مساء غد الثلاثاء عشاء في السفارة السويسرية في بيروت، يضم كل الأحزاب وممثلي البرلمان، ومن بينهم حزب الله، وهو عشاء لا يحمل طابعاً رسمياً، ومن بين المشاركين مستشار رئيس مجلس النواب بري علي حمدان عن حركة أمل، النائب علي فياض عن “حزب الله النائب وائل أبو فاعور عن حزب الاشتراكي، النائب إبراهيم منيمنة عن النواب التغييريين، وفيما لم يحدّد بعد التيار الوطني الحر اسم ممثله الى العشاء.

كتبت صحيفة الجمهورية إستأثر الترسيم الأسبوع الماضي بالحدث السياسي، ومن المتوقّع ان يستمر في صدارة الأحداث في المرحلة المقبلة، انتظاراً للتوقيع النهائي على الاتفاق والبدء باستخراج الغاز. ولكن، العدّ التنازلي لنهاية ولاية الرئيس ميشال عون يعيد تسليط الضوء على تأليف حكومة جديدة، في ظلّ تلويح فريق العهد بخيارات بديلة في حال تمّت عرقلة التأليف، فيما لا مؤشرات إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء المهلة الدستورية في نهاية الشهر الجاري.

تتركّز الأنظار بعد الترسيم على تأليف حكومة جديدة، خصوصاً انّ عامل الوقت أصبح محدوداً، ولا مؤشرات إلى حلحلة مرتقبة على رغم إصرار «حزب الله» على التأليف والذي يتظهّر في كل مواقفه وخطاباته وبياناته، كما إصرار عون على تتويج نهاية عهده بحكومة يُمسك بقرارها، ولا يبدو انّه في وارد التراجع عن شروطه بما يسهِّل ولادة الحكومة، ولا بل يعتبر انّه الأقوى في اللعب على حافة هاوية الوقت.

وإذا كان عون الذي رفض التنازل في كل ولايته يرفض التنازل في الأيام المتبقية من هذه الولاية، وفقاً لما أعلنه النائب جبران باسيل، فإنّ الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي لا يجد نفسه أيضاً مضطراً القبول بشروط العهد في أيامه الأخيرة لتأليف حكومة غير متجانسة والهدف منها إدخال وزراء مشاكسين، وبالتالي في حال لم يقبل عون مع ميقاتي بأنصاف الحلول، فإنّ الحكومة لن تتألّف وتتحوّل الأنظار إلى ماهية الخطوة التي يمكن ان يلجأ إليها العهد.

وإلى ذلك، قالت مصادر معنية بتأليف الحكومة انّ اي تطور بارز لم يطرأ على هذا الملف في خلال عطلة نهاية الاسبوع، وذلك خلافاً لما شاع من انّ هناك حراكاً جدّياً بين المعنيين يهدف الى تأليف حكومة قبل 20 من الشهر الجاري وانّ رئيس الجمهورية ميشال عون أبلغ الى المعنيين انّه يفضّل التركيز على إنجاز الاستحقاق الرئاسي بالدرجة الاولى، لأنّه لم يعد يرى انّ هناك من حاجة إلى تأليف حكومة في الايام المتبقية من ولايته. وفي هذا الصدد قال مرجع سياسي لـ»الجمهورية»، انّ عون أبلغ هذا الموقف إلى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال الاتصال الذي أجراه الاخير به قبل يومين.

ولكن في المقابل، اعتبرت مصادر سياسية مطلعة، انّ الاسبوع الحالي سيكون حاسماً على صعيد تحديد إمكانية تأليف حكومة جديدة من عدمها. زانّ واشنطن باتت متحمّسة للتأليف بعد إنجاز الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية، انطلاقاً من انّ وجود حكومة أصيلة ومتوافق عليها يحمي الدينامية التي افرزها الاتفاق ويؤمّن البيئة المناسبة له.