الليبرالية المتوحشة.. وأزمة العولمة و"الإنسان الأخير"

الليبرالية المتوحشة.. وأزمة العولمة و
الإثنين ١٩ ديسمبر ٢٠٢٢ - ٠٢:٠٢ بتوقيت غرينتش

في بداية التسعينيات من القرن المنصرم، وبالتحديد مع سقوط جدار برلين ، وتفكك الاتحاد السوفياتي، اعلنت امريكا الانتصار النهائي في الحرب الباردة، على الاتحاد السوفيتي، الذي كانت تطلق عليه "امبراطورية الشر"، واعتبرت نفسها القطب الاوحد الذي يحكم العالم، ويهيمن عليه سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا.

العالم كشكول

بالتزامن مع انهيار الاتحاد السوفيتي، ظهر مصطلحان جديدان، ليُنظرا للانتصار النهائي للحضارة الغربية. المصطلح الاول، هو "نهاية التاريخ"، وهي نظرية طرحها الفيلسوف الامريكي فوكوياما في كتابه الذي جاء تحت عنوان "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"، وصدر عام 1992، وخلاصة هذه النظرية تقول، ان الليبرالية وقيمها عن الحرية والفردية والمساواة تشكل ذروة التطور الأيديولوجي للإنسان، وانه ليس هناك من خيار امامه الا السير على هذا النهج الواحد والوحيد، فحركة التاريخ توقفت مع وصول الانسان الى الليبرالية.

المصطلح الثاني هو "العولمة"، الذي يعتبر الوجه الاقتصادي لليبرالية، والتي تنادي بحصر دور الدوله الليبرالية في المجال الاقتصادي بدور الحافظ للأمن حصرا، وترك مسؤولية تحديد ورسم النشاط الاقتصادي، لقوى السوق والأسعار، وضرورة رفع الحمايه والقيود عن النشاط التجاري.

مرت اقل من ثلاثة عقود، على احتفال امريكا والليبرالية بالنصر على الاتحاد السوفيتي السابق، حتى انهالت الانتقادات من داخل الليبرالية نفسها الى العولمة والليبرالية، بعد الانتكاسات التي تعرضت لها امريكا على الصعيدين السياسي والاقتصادي، اي ان الليبراالية السياسية والليبرالية الاقتصادية، لم تنجحا في تحقيق "حلم الانسان" كما ادعى فوكوياما، وكما روجت لها العولمة التي نادت بها امريكا.

الليبرالية التي تغنى بها الغرب باتت مهددة حتى في عقر دارها، فصوت تكسر اركان الليبرالية، بات يُسمع من بعيد، بعد الانقسام الافقي والعمودي الذي تعيشه امريكا كشعب ونخب سياسية، حتى بات الحديث عن احتمال وقوع حرب اهلية في امريكا من الاحاديث العادية ، بعد الهجوم الذي شنته جماعات تابعة للتيار العنصري والمتطرف الجارف داخل امريكا على الكونغرس، الذي كان يعتبر رمزا للديمقراطية والليبرالية الامريكية.

اما صعود احزاب اليمين الفاشي والعنصري في العديد من الدول الغربية، والتي كان بعضها محظورا في السابق، هو ايضا من علائم انهيار الليبرالية الغربية، فالشعوب الغربية لم تعد تثق بالليبرالية، وترى في العنصرية والتطرف ضالتها، والعالم كله شهد قبل ايام، كيف احبطت الشرطة الالمانية، انقلابا كان سيُدخلها واوروبا في نفق مظلم، كان يقف وراءه الالاف من النازيين الذي اطلقوا على انفسهم "مواطني الرايخ".

اما على صعيد العولمة والليبرلية الاقتصادية، فكانت امريكا اول من هالت عليها التراب لدفنها، بعد ان فرضت جمارك على الحديد والالمنيوم المستورد بنسبة 30 %. كما سنت قانونا يطالب الشركات العالمية التي ترغب في تسويق منتجاتها في السوق الأميركية ، ان تقوم بعملية التصنيع في الداخل الأمريكي ، وبناء مصانعها على الأراضي الاميركية. وهو ما اعتبر خرقا لقوانين منظمة التجارة الدولية، وللتنافس الدولي، ودفنا للعولمة، فالحكومة الامريكية تتدخل وبشكل مباشر لحماية اقتصادها من المنافسة، التي تعتبر اهم اساس في العولمة والليبرالية الاقتصادية.

يمكن اعتبار وصول امريكا الى طريق مسدود، هو في الحقيقة انفتاح اكثر من طريق امام شعوب العالم، التي تعرضت للغزو والاحتلال والنهب، من قبل الليبرالية الامريكية المتوحشة، تحت مسميات براقة، ما اسرع ما اندثرت وبان زيفها.