قراءة في اللقاء الثلاثي بين موسكو ودمشق وأنقرة

قراءة في اللقاء الثلاثي بين موسكو ودمشق وأنقرة
الخميس ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٢ - ٠١:٣٠ بتوقيت غرينتش

بعد أحد عشر عاما من الحرب المفروضة على سوريا، جاء اللقاء الرسمي الأول من نوعه والذي جمع في العاصمة الروسية موسكو وزراء دفاع سورية العماد علي عباس، وتركيا خلوصي أكار إلى جانب وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو على طاولة مباحثات واحدة، مخترقا الضباب السياسي الكثيف الذي يغطي المنطقة.

العالم - سوريا

وياتي هذا اللقاء الثلاثي بعد ان رمى دعاة الفوضى والحرب في سوريا اثقال جداولهم البائسة ورهاناتهم الخائبة وجماعاتهم الارهابية الفاشلة التي غذوها لسنين طويلة طمعا بما اسموه تغيير "النظام في سوريا"، فغيروا هم سلوكهم، وعادوا الى طرق أبواب دمشق، حيث اكد بيان وزارة الدفاع السورية إنه "جرى لقاء جمع وزير الدفاع واللواء مدير ادارة المخابرات العامة، مع نظرائهم وزير الدفاع التركي ورئيس جهاز المخابرات التركية في العاصمة الروسية موسكو بمشاركة الطرف الروسي، وبحث الجانبان ملفات عديدة وكان اللقاء إيجابياً".

اجتماع لا شك انه مفصلي، على امل ان تختصر سنين العدوان على سوريا، وينهوا مكابرتهم الدموية، حيث تتحدث الانباء القادمة من موسكو انه تم البحث على طاولة الاجتماع جهود محاربة الإرهاب والأوضاع في سورية ومسألة اللاجئين، وانتهت إلى أجواء وصفت بالإيجابية، وتأكيداً على أهمية استمرار الحوار المشترك من أجل استقرار الوضع في سورية والمنطقة.

مصادر مطلعة في دمشق أكدت أنه لو لم تكن الأمور تسير بشكل مقبول ووفق ما تريده دمشق خلال اللقاءات الأمنية التي تمت في الأشهر الماضية لما كان هذا اللقاء قد حصل.

بالرغم من صقيع العاصمة موسكو، الا ان الاجتماع كان يحمل من الأهمية الكثير، لدرجة يمكن وصفه بالنصر الدبلوماسي والسياسي للروس والإيرانيين، الذين التقطوا بصبر وحنكة كبيرة، نضوج اللحظة السياسية والقابلية السورية والتركية للقاء، بعد صبر وتصميم ودبلوماسية قوية وثابتة، تضع كل النقاط بالميزان، واهمها مواجهة الإرهاب ومسألة اللاجئين، كخطوة أولى لعودة العمل المشترك بين تركيا وسوريا، لتصبح الأمور واضحة تماما، انه لا نزاع على السلطة في سوريا كما تسميه تركيا، بل دولة مقابل دولة، بعد ان خرجت قضية العلاقات مع سوريا من دهاليز الجدال الحزبي في تركيا، الى مفاصل الدولة.

وهذا يؤكد صوابية الموقف السوري وقوته، وهو الذي يضع المنطقة على سكة الاستقرار.وان التحول التركي هو تحول الحاجة الذي دفع النظام التركي الى ابعد من فكرة مرحلية تتعلق بالانتخابات القادمة، بل هي بالحقيقة حاجة دائمة ومستمرة، ما دام اردوغان يفكر في استمرار حكمه لتركيا، وهو يعمل ضمن حسابات سياسية واقتصادية بالإضافة الى امنية وعسكرية، وتقاس ببراغماتية واضحة ضمن منهج الربح والخسارة، ويدرك اردغان جيدا ان سوريا المنتصرة التي افشلت مشاريع العدوان عليها، أصبحت جزء أساسي من النظام الإقليمي القادم، ولا يمكن لتركيا ان تكون جزء منه وهي بعيدة عن سوريا، والنظام التركي على يقين مطلق ان كل دول المنطقة والاقليم ستركب بعربة العودة الى دمشق.

إن الدولة السورية في هذه المرحلة تجني ثمار صبرها، ونتائج هزيمتها للعدوان المركب عليها، وتهندس نفوذها الجيوسياسي من جديد في الإقليم والمحيط العربي، وهو ما يجعل دول الإقليم بحاجة حضورها السياسي، لضمان معادلة استقرار الإقليم من جديد، ما يدلل على ذلك ما ذكر في البيان الصادر من الدول الثلاث بعد اللقاء، وهي ذاتها المطالب السورية، من مكافحة التنظيمات الإرهابية، بكافة افكارها الأيديولوجية او انتمائها او حتى شكلها على الأرض، وهذه النقطة تحديدا تشكل انقلابا في الرؤية التركية للمسألة، ما يعني اننا امام مسار جديد في مكافحة الإرهاب، بالإضافة الى ملف اللاجئين الهام، والذي يستخدم كورقة ضغط سياسية ضد دمشق، وهو الملف الضاغط على النظام التركي.

اما الأمريكي الذي يبدو ان اخبار الاجتماع الثلاثي السوري - الروسي - التركي وقعت عليه كأنباء سيئة، واعتقد ان وقعها كان الأسوأ على ميلشيا "قسد" وارهابيي الشمال وهياكلهم السياسية، ما يجعل أي تقدم حول النقاط التي ستناقش في هذه الاجتماعات هي محل استهداف امريكي، الا ان الإصرار الروسي والايراني على تمرير نظرية استقرار الإقليم، تحدد أيضا الأسس الجغرافية والسياسية الناتجة عن هذا الاصطدام الكبير في المنطقة، واننا في مرحلة التغير القادم، وهو ما يؤسس لمرحلة عودة الحقوق السورية في أراضيها ومخزونها النفطي والزراعي، والجميع يشهد للدولة السورية، دفاعها عن مصالح شعبها بقلوب حارة وعقول باردة.

*بقلم حسام زيدان