عن السيّد نصرالله والنّاس: سلامتك من سلامتنا

عن السيّد نصرالله والنّاس: سلامتك من سلامتنا
السبت ٣١ ديسمبر ٢٠٢٢ - ٠٩:٤٣ بتوقيت غرينتش

كعادتهم في الأيام التي يُعلن عن خطاب للسيّد نصرالله فيها، يرتّب أهل المقاومة مواقيتهم بحسب ساعة الخطاب. ينتظرونه بشوق يتخطى فكرة الإنصات لكلامه والاستماع لموقفه من المستجدات. ثمّة لهفة تسكنهم لرؤيته، لتأمّل نبرة صوته وتعابير وجهه. شوق الأبناء لأب، وشوق المتعبين للسند، شوق المحبين.

العالم_لبنان

بالأمس، وخلال فترة بعد الظهر، أعلنت العلاقات الإعلامية في حزب الله عن تأجيل خطاب السيّد نصر الله لدواعٍ صحيّة، وأوضحت أن السيّد مصاب بالأنفلونزا وهو يتلقى العلاج المناسب، وأنّ الإطلالة تأجلت إلى يوم الثلاثاء المقبل، في مهرجان الذكرى السنوية الثالثة للشهيدين القائدين الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس.

دقائق قليلة بعد الإعلان عن التأجيل، وتحوّلت منصّات التواصل إلى نهر حبّ ودعاء بالشفاء وبالسلامة. حرفيًا بدا الأمر وكأن "سخونة" طفيفة ألمّت بالفرد الأعزّ في كل بيت. ليست مدعاة قلق بإذن الله، لكنّها محطّ لهفة واهتمام وحبّ كبير.

هذا النهر الذي شهدناه على منصّات التواصل، كان انعكاسًا للهفات القلوب في البيوت ومراكز العمل والمقاهي والشوارع. تناقل الناس الخبر باهتمام صادق نطقت به أعينهم وهم يرفعونها إلى السماء بالدعاء. ورغم علم الجميع أن السيّد حسن يتلقى العلاج المناسب وأنّه ليس وحيدًا، إلّا أنّ في داخل كلّ محبّ تولّدت رغبة بالاقتراب من السيّد، بتقديم كوب "زهورات" له أو طبق حساء مغذٍّ وساخن أو وصفة محفوظة في ذاكرات الجدّات أو حتى "حرام صوف" محيّك بعناية في بيت أصيل.

نذور وأدعية وتسبيحات رافقت همسات الناس حتى آخر ساعات اللّيل. باختصار، حبّ لا تتسع له الكلمات صنع مشهدًا نادرًا في شكل الصلة بين القائد والناس، وهو مشهد يستحقّ التأمّل طويلًا.

لطالما وُصف أهل بيئة المقاومة بالعاطفيين، وقد ينظر البعض إلى هذا الوصف وكأنّه مؤشّر سلبي على مستوى عقلانيتهم في مقاربة علاقتهم بالقيادة. لكنّ الواقع والتاريخ والتجارب أثبتت أنّ الزخم العاطفي هو أعلى مؤشرات صحة الخيارات العقلانية، وأنّه انعكاس لرابطة وثيقة تزيد من مستوى الوعي في الخيارات الكبرى وفي تشكيل النماذج الموثوقة في الذهن الفردي وفي الوعي الجماعي.

من هنا، عاطفيّة الجمهور في نظرته للسيّد نصر الله هي تتويج لدرب طويل من الثقة، الثقّة الواعية والمدرِكة والمتشكّلة من كمّ هائل من المواقف والتجارب والتفاصيل اليومية. هذه العاطفة لا تتأطّر، لا تحدّها مناسبة ولا تبرمجها مواقيت الخطابات واللقاءات وفحوى المواقف والتحليلات. هي حال تنساب في كل الأيام، ويتمّ التعبير عنها بتلقائية وعفوية وصدق لا يحتاج دليلًا، وأجمل ما فيها أنّها متبادلة بحيث يدرك الجميع ولا سيّما في الأيّام الصعبة أن قلب السيّد معهم، وليس فقط مواقفه وقراراته، لذلك تراهم حين يحلّ وجع أو حتى إشكال في داخل البيئة يصبّرون أنفسهم بالدعاء أن "الله يعين قلب السيّد" كونهم يعرفون أن ما يوجعهم يوجعه أضعافًا.

هو القائد وهم الناس المخلصون حبًّا وولاءً، ولذلك كانوا بالأمس سيل محبّة صادقة تهتف له بأجمل أدعية الشفاء وأمنيات التعافي.

هو الأب، وهم الأبناء المتربّون في كنف بيوت تجيد البرّ وتتقن الوفاء. عرفوا أنّ في الحبّ شفاء فما بخلوا برفع قلوبهم إلى السماء خاشعين راجين من الله أن يتعافى أبوهم بسرعة.

* موقع العهد