قانون قيصر في مرمى الزلزال

قانون قيصر في مرمى الزلزال
الجمعة ١٠ فبراير ٢٠٢٣ - ٠٨:٢٩ بتوقيت غرينتش

اليوم يتزاحم على سوريا الدمار الطبيعي والحصار الأميركي الظالم، كما كان الأمر منذ إقرار قانون قيصر الأميركي، وهو القانون المصمم ببساطة لمعاقبة الشعب السوري لا النظام، ومفاقمة آلامه وعذاباته اليومية، وتركه ينزف ببطء وحتى الموت لتحقيق الهدف الأميركي السامي، وهو إسقاط الدولة السورية عبر سلسلة من الإجراءات الشيطانية، التي تلف كحبل حول رقاب كل مواطن، القانون يفرض العقوبات على سوريا أولًا، لكنه كذلك يتيح مد مظلة العقوبات ضد كل دولة أو منظمة أو مؤسسة تساعد الدولة السورية في أي مجال اقتصادي أو مالي أو عسكري.

العالم - سوريا

قانون العقوبات الأميركي لم يقف مفعوله عند جبهات القتال أو الجيش السوري فقط، لكنه الآن يبدد كل أمل في فرصة يحصل عليها ضحايا الزلزال المدمر، سواء الالاف ممن يحتاجون للإنقاذ العاجل تحت أنقاض المباني والشوارع، أو مئات الالآف غيرهم ممن دمرت حياتهم وتبخرت معها مصادر معيشتهم وأرزاقهم.

الميزة الكبرى لهذه اللحظة العسيرة والصعبة أن قانون قيصر وآثاره قد عاد إلى الواجهة مع الزلازل وتوابعه، والتضامن العربي الشعبي الذي يألم ويحزن على دمائنا النازفة ويتجاوب مع الأنات الأخيرة للضحايا، ويتفاعل دون تصنع ولا ادعاء مع هذا السيل من أخبار المصابين والأسر التي قضت نتيجة هذه الكارثة، بدا أنه قد يجبر الأنظمة العربية على التجاوب وتوفير حد ما من الدعم الحكومي العاجل للشعب السوري، كما ظهر قادرًا على إعادة المسار لعدد من المؤثرين وصناع الرأي بالفعل.

ليس من العسير على سوريا التي واجهت حربًا هي الأطول والأقسى أن تعيد تعريف محنة الزلزال المدمر إلى منحة تحمل في باطنها الأمل والقدرة. ليس صعبًا على شعب رفض وقاوم أشد منظومة حصار اقتصادي ومالي أن يعتمد على سواعد أبنائه وأبناء المخلصين من أمته لاستمرار هذا النهج حيًا مؤثرًا. يحتاج الظرف الحالي بالفعل إلى تضحيات هائلة، لكن كل الأوقات في مسيرة الشعوب تحتاج إلى تضحية أيضًا.

إلى عهد قريب جدًا، كانت المنطقة العربية مسرحًا أميركيًا بامتياز، وكانت العوامل التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة قد زادت من الأهمية التقليدية للمنطقة بأسباب جديدة طارئة، فبخلاف الموقع الإستراتيجي الحاكم وموارد البترول الهائلة، أضيف إلى المنطقة العربية كونها ميدانًا مفتوحًا للرماية أمام الأميركي، كما صارت المنطقة تمثل ذخيرة ورصيدًا احتياطيًا لأية إدارة أميركية ترغب في الاستفادة والاستثمار بفرصها في صناديق الانتخابات، سواء عبر مغازلة الكيان بقدرتها على فرض اتفاقات التطبيع أو عبر ابتزاز مباشر للأنظمة العربية.

المثير للشفقة والاشمئزاز في حالة الأنظمة العربية المرتهنة للإرادة الأميركية هو أنها لا ترى ولا تريد ولا تفهم أن سقوط سوريا، لا قدر الله، سيعقبه سقوط الكل بلا استثناءات، حتى الأنظمة المطبعة البائسة تكتسب أصلًا جدوى استمرارها من مبدئية سوريا في قيادة محور المقاومة والرفض العربي، وسوريا التي كتبت بدماء المجد آلاف المرات أنها قلب أمتها النابض، فإنها أيضًا فرس الرهان والأمل الأول في مستقبل.. أي مستقبل.

يظل سؤال ما الذي فعلناه بأنفسنا وكيف وصلنا إلى هذه النقطة الحرجة سؤالًا منطقيًا وبديهيًا في أعقاب كل كارثة، هزيمة عسكرية كانت أم مأساة طبيعية تضرب بعنف وشدة على أوتار الحياة اليومية لملايين المواطنين، لكن في الحالة السورية اليوم فإنه ينبغي أن يتوسع السؤال قليلًا ليصبح ما الذي فعلته هذه الأمة العربية بنفسها؟ وكيف وصلت إلى هذه الدرجة من العجز والهوان وقلة الحيلة؟ ومتى أصبح البؤس هو شعار العرب الوحيد؟

تشبه اللحظة الفارقة الحالية للأوضاع العربية ما حدث –بالضبط- عقب هزيمة حزيران/ يونيو 1967، أو ما اصطلح عليه بلفظ مخفف النكسة. كل الظروف قد تجمعت بعد الإعصار الهائل للضربة الصهيونية لثلاثة جيوش عربية وأنظمتها لتجعل منها حالة شديدة الدلالة والسواد، عالم عربي كامل بكل هذه الإمكانيات والعمق والتاريخ يسقط، رايات وشعارات واستراتيجيات تسقط وتتهاوى تحت ضربة الكيان العنيفة والمفاجئة، حالة أكبر كثيرًا وأخطر كثيرًا من أن تعتبر جولة في صراع أو منحنى على الطريق، أو حتى هزيمة يمكن أن تقابلها أية أمة في تاريخها.

لم يبالغ كثير ممن ذهبوا إلى أن نتيجة الحرب كانت تقليصًا وخصمًا مرعبًا من الدور العربي للدول الرئيسة والأهم، مصر وسوريا، ولم يغال من وصفها بنهاية طرق وحكام، وبأنها أفقدت الشعوب التي قادت عملية التطور التاريخي للأمة إيمانها واستعدادها للعمل.

ربما أسوأ ما حدث للعالم العربي هو أنه بعد عقدين فقط لا غير من إعلان قيام الكيان المشؤوم، وصل إلى مرحلة التفوق العسكري والسياسي الغالب، وقد وضعت وخططت ونفذت الأفكار الكفيلة بضمان استمرار قوتها العسكرية غالبة، وبحيث تؤدي في النهاية إلى نتيجة واحدة في مفصل تاريخي فارق، وهو أن إرادتها غير قابلة للتحدي ودورها الجديد في الشرق الأوسط غير قابل للمناقشة أو المنافسة.

ورغم النتائج الكارثية التي دفعتها المنطقة ودولها مقابل الهزيمة، إلا أن الإرادة العربية قد تجسدت بسرعة في عمليات عدة، استهدفت أول ما استهدفت رفض الأوضاع القائمة والناتجة عن العدوان، ومن صمود جزيرة شدوان إلى معركة إغراق البارجة الصهيونية إيلات، وصولًا إلى حرب الاستنزاف، أثبت الإنسان العربي قدرة فريدة وخلاقة في مواجهة أعتى الأعاصير، ومن الصمود إلى الردع ثم معارك تشرين التحريرية 1973، كان التوحد العربي على هدف واحد وكبير يضمن تجاوز كل المصاعب والعوائق، ويحفز العمل المشترك والدعم، ويضمن في أدنى درجاته أن لا يتحول الواقع المفروض إلى حقيقة ثابتة.

المصدر: موقع النشرة