بين الضرورات والمحظورات.. ما يسمى 'المعارضة' في لبنان  تكرّس 'انقساماتها'!

بين الضرورات والمحظورات.. ما يسمى 'المعارضة' في لبنان  تكرّس 'انقساماتها'!
الإثنين ١٣ فبراير ٢٠٢٣ - ١١:٠٩ بتوقيت غرينتش

قد لا يكون مُبالَغًا به القول إنّ المعارضة "منقسمة على نفسها"، وأنها عمليًا عبارة عن "معارضات" لا "معارضة واحدة"، إذ إنّ هذا الانطباع موجودٌ منذ السادس عشر من أيار الماضي، أي بعد يوم واحد من الانتخابات النيابية التي أفرزت تركيبة برلمانية "معقّدة" إن جاز التعبير، رغم مسارعة أحد أقطاب المعارضة يومها، رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، لإعلان "الانتصار"، والحديث عن "أكثرية في الجيب".

العالم - لبنان

تعزّز هذا الانطباع على مدى الأسابيع والأشهر التالية، وفي كلّ الاستحقاقات، التي تعاملت معها قوى المعارضة المفترضة "على القطعة"، لكنّ "أكثريتها المزعومة" لم تتوحّد في أيّ منها على الإطلاق، فخرج "التغييريون" مثلاً خائبين في الانتخابات "المجلسية"، وسقطت مبادرتهم الرئاسية بالضربة القاضية، ولم تتفق أحزاب "القوات" و"الكتائب" و"الاشتراكي" سوى على تبنّي ترشيح النائب ميشال معوض، الذي تبيّن أنّه يفتقد إلى الجدية.

وبدا الأسبوع الماضي وحده "حافلاً" وحده بالتباينات بين قوى المعارضة، فبعد اعتصام نواب "التغيير" الذي اصطدم بامتعاض "القوت" بالحدّ الأدنى، بدا أنّ تلويح "الكتائب" بمقاطعة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إذا ما كانت ستفرز عن فوز مرشح "حزب الله"، يفتقد بدوره إلى "الإجماع"، مثله مثل مقاربة حوار بكركي المرتقب، الذي اختلفت الآراء بشأنه، مع تسجيل "عدم حماسة قواتية" لافتة للذهاب إليه، وفق المعلومات.

ويبدو أنّ جلسة "تشريع الضرورة" المرتقبة خلال أيام، لن تنجو من "تباينات" المعارضة، إذ إنّ البيان الذي أصدرته قوى وازنة دعت صراحة إلى المقاطعة، واعتبار المجلس "هيئة ناخبة" حتى إنجاز الاستحقاق الرئاسي، افتقد للكثير من التواقيع، خصوصًا في جانب "الحزب التقدمي الاشتراكي" المستعدّ لتأمين "نصاب" الجلسة، ليصبح السؤال أكثر من مشروع: هل "انتهت" المعارضة عمليًا بشكل المُعلَن، أو ربما الذي "تمناه" البعض بعد انتخابات أيار؟!.

يقول العارفون إنّ فكرة التحالف "على القطعة" قد تنطبق فعلاً على العلاقة بين أركان وقوى المعارضة، فهي إن اتفقت على ملف معيّن، لا تختلف فقط على عشرات الملفات الأخرى فحسب، ولكن حتى على الخطة "التطبيقية" لما تمّ الاتفاق عليه، علمًا أنّ هناك من يذهب لحدّ الحديث عن "كيمياء مفقودة" بين بعض الوجوه المعارضة، التي تكاد تتفوّق على "النفور" بينها وبين من يفترض أنّها تعارضه، أي "حزب الله" و"التيار الوطني الحر".

ولعلّ المشكلة التي تعاني منها قوى المعارضة، وفق ما يرى هؤلاء، تبقى في "الشخصانية والشعبوية" التي تطبع أداءها، حيث لا تزال فكرة "العمل الجماعي والمنسّق" غائبة عن روحيّتها، بدليل أنّ معظم نواب المعارضة فوجئوا بإعلان نواب "التغيير" الاعتصام في مجلس النواب مثلاً، شأنهم شأن النواب الآخرين، في حين أنّ القاصي والداني يدرك أنّ مثل هذه الخطوة كان يمكن أن تكون أكثر فعالية فيما لو نُسّقت بما يكفي، قبل التطبيق.

وينطبق الأمر نفسه على تلويح رئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل بمقاطعة جلسات الانتخاب الرئاسية، والذي أدى عمليًا إلى "إحراج" حلفائه المفترضين في المعارضة أكثر ممّن يعطّلون انتخاب الرئيس، بدليل أنّ أقواله وُضِعت في "مواجهة" ما يقوله رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع باستمرار عن أنّه لن يعطّل انتخاب الرئيس، أيًا كان الفائز، سوى لبضع جلسات إن كان قادرًا على تغيير موازين القوى، وإلا فسيرضخ للأمر الواقع.

وفي سياق الانقسام نفسه، يأتي الحديث عن حوار بكركي، ليُظهِر انقسامًا بين قوى المعارضة، حتى في شقّها المسيحيّ البحت، ففي وقت كان لافتًا إعلان النائب ميشال الدويهي مقاطعته لمثل هذا الحوار، إن عُقِد، بدا أنّ موقف "الكتائب" و"القوات" غير واضح، فالأول يميل نحو الحضور، التزامًا بالعلاقة التاريخية بين الصيفي وبكركي، فيما الثاني "غير متحمّس"، ويطلب توافر بعض الشروط، علمًا أنّ "تردده" قد يكون وراء تأجيل الحوار، أو إلغائه.

أما جلسة "تشريع الضرورة" المنتظرة تحت عنوان "التمديد" للمدراء العامين للأجهزة الأمنية، فسواء عُقِدت أم لم تنعقد، يبدو أنّها تركت بدورها "تداعياتها" على "وحدة" الصفّ المعارض، خصوصًا بعدما ثبت "عجز" هذه القوى وحدها على "تعطيل" نصاب مثل هذه الجلسة، علمًا أنّ بين هذه القوى من قد لا يتردّد في لعب دور "بيضة القبان"، بما يغلّب وجهة نظر "الثنائي الشيعي"، في إشارة إلى موقف "الحزب التقدمي الاشتراكي" تحديدًا.

وسط كلّ ما سبق من تباينات وانقسامات، يصبح "مصير" المعارضة بشكلها الحاليّ على المحكّ بالفعل، بعدما ثبُت أنّ "الرهان" على وحدتها أقرب إلى "الانفصام عن الواقع"، طالما أنّها غير قادرة على الاتفاق ولو على تفصيل لوجستي واحد، بعيدًا عن التقاطع مثلاً على "الشماتة" بما أصاب "تفاهم مار مخايل" بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، أو على تحميل الفريقين المذكورين مسؤولية "الانهيار الشامل" الذي وقعت فيه البلاد.

ثمّة من يقول إنّ ما قد يحفّز هذه القوى على الاتحاد قد يكون حصول أيّ مرشح رئاسي لـ"حزب الله" على عتبة الـ65 صوتًا التي يلوّح بها بين الفينة والأخرى، لكن هنا أيضًا، ثمّة من يشكّك بقدرة المعارضة على فعل شيء، أبعد من الكلام، علمًا أنّ الأصوات الـ65 التي يراهن عليها "الحزب" تشمل بعض المحسوبين على المعارضة، كما أن لا اتفاق بين هذه القوى على فكرة "التعطيل" التي لوّح بها الجميل، ما يجعلها بلا فائدة إذا ما اقتصرت على نواب محدودين.

في الخلاصة، يقول كثيرون إنّ "أملهم خاب" بسبب قوى المعارضة، فيما يقلّل آخرون من شأن الرهانات التي "ضُخّمت" منذ اليوم الأول، في حين أن هذه القوى تأتي من خلفيات متباينة، بل متناقضة في بعض الأحيان، ما يجعل "ذوبانها" ضمن فريق واحد أشبه بـ"الضحك على الذقون".

لكن، بين هذا وذاك، يبدو أنّ الثابت الوحيد أنّ أي "خرق" لن يحدث، فالمعارضة ستبقى على شكل "معارضات"، ولو أدى ذلك إلى "فرملة" اندفاعتها في أكبر الملفات وأهمّها!.

مراسل العالم