السلام البارد والتطبيع المستحيل

السلام البارد والتطبيع المستحيل
الأحد ١٩ مارس ٢٠٢٣ - ٠٢:١١ بتوقيت غرينتش

العاشر من مارس 2023 يُعد تاريخاً مهماً لمستقبل المنطقة، كما كانت نكسة يونيو 1967م، وانتصار أكتوبر 1973م، ففي هذا اليوم وقّع أهم بلدين في المنطقة إيران والسعودية اتفاقا ينص على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما عبر إعادة فتحِ السفارات والممثليات خلال شهرين. ويؤكد الاتفاق على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونِها الداخلية.

العالم - مقالات وتحليلات

وحمل الاتفاق صورة أمنية أكثر منها دبلوماسية لأنه وقَع بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، ومستشار الأمن الوطني السعودي مساعد بن محمد العيبان. بحسب المعلومات الورادة عن فحوى هذا الاتفاق فإنه مُشابه ومستكمل للاتفاقية الأمنية بين السعودية وإيران التي وقِّعت في الرياض في 16 - 4 - 2001م ووقعها عن الجانـب السعودي وزير الداخلية الأمير الراحل نايف بن عبد العزيـز، وعن الجانـب الإيراني نظيره عبد الواحد موسوي لاري، وجاءت الاتفاقية لتشمل عدداً من مجالات التعاون الأمني، أبرزها:- 1- إنشاء منتدىً أمني للحوار الاستراتيجي بين البلدين يهدف إلى رصـد الأخطار المشتركة التي تهدد أمن البلدين وإقامة آلية مشتركة لمواجهة هذه الأخطار. 2- التعاون في مجال مكافحة الجريمة المنظمة وتزوير الوثائق الرسمية، والإرهاب الدولي، ومحاربة جرائم الثراء غير المشـروع، والجـرائم الاقتصادية بالتصدي لعمليـات غسـيل الأمـوال وغيرهـا، ومكافحة جرائم تهريب الأسلحة والبضائع وتهريب الآثـار والتـراث الثقافي. 3- التعاون في مجال الإنقاذ البحري، والتسلل غير المشروع. 4- التعاون في مجال مكافحة المخدرات (تجارةً واستهلاكاً). 5- التعاون في مجال التدريب الأمني من قوات الشرطة، وتبادل الخبرات والمعلومات الأمنية. 6- تحجيم نشاطات المعارضة في كلا البلدين. بالإضافة لعدة بنود أخرى لها علاقة بالحج والعمرة والزيارة وتأشيرات الدخول إلى البلدين. هذا الاتفاق يأتي في وقتٍ تشهد فيه المنطقة محاولة لإيجاد مناخ للسلام البارد (Cold peace) سلام أشبه بهدنة عقدية ( عشرية) وقد تمتد أكثر حسب حاجة كل طرف، وسينعكس إيجاباً على عدة ملفات في المنطقة أولها الداخل الإيراني والسعودي حيث سيؤدي هذا الاتفاق إلى هدوء من ناحية المناوشات السياسية بين الجانبين، أما الملف اليمني فيعتبر من أبرز المستفيدين من الاتفاق بين الرياض وطهران، لأنه سينعكس على الهدوء في اليمن والعودة للحوار والهدنة وإيجاد حل يوافق جميع الفرقاء في البلاد، وفي هذا الملف تحديداً أكد مسؤول إيراني لوكالة رويترز أن طهران ستستخدم نفوذها في المنطقة وخاصة في اليمن لدعم أمن الرياض. وأضاف أن إيران اتفقت مع السعودية على أن أيًّا من البلدين لن يكون مصدراً لعدم الاستقرار بالنسبة للآخر. الاتفاق سيكون مفيداً أيضاً لكلٍّ من سوريا ولبنان اللَّتَيْنِ تعتبران مهمَّتان لِكِلاَ البلدين، أي: إيران والسعودية، وهذه التسوية بينهما ستؤدي إلى تسوية أخرى في سوريا، وفي هذا الصدد أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن التوافق السعودي الإيراني لا بد أن ينعكس إيجاباً على المنطقة بشكل عام، ولا شك سيؤثر على سوريا. أما لبنان فإنه يوحد في وجهات النظر بين طهران والرياض، على عدة ملفات أبرزها رئاسة الجمهورية والملفات الاقتصادية والتشكيلات الحكومية وبالتالي الاتفاق سيكون إيجابياً لحل هذه الخلافات. وهذا الاتفاق سينعكس أيضاً بصورة إيجابية على العراق؛ لأن إيران والسعودية دولتان جارتان لبغداد ولديهما نفوذ كبير في الداخل العراقي، وبالتالي العلاقات الإيجابية بينهما ستكون مصدراً للاستقرار في العراق. المصالحة الإيرانية السعودية، تؤكد أن طهران قدّمت للرياض ضمانات تفيد بأن برنامجها النووي سلمي ووكذلك برنامجها الصاروخي لا يستهدفها، وأن السعودية تعي أن إسرائيل تريد جرّها لحلف يؤدي إلى ضرب إيران فارتأت الرياض وكذلك طهران أن الحوار معها هو السبيل الأمثل للهدوء والأمان والاستقرار، بالإضافة إلى أن الصين وجَّهتْ رسالة مهمة للولايات المتحدة تفيد بأنها قادمة بقوة لحل أزمات الشرق الأوسط، خصوصاً وأن هذا الاتفاق جاء بعد ساعات من إعادة انتخاب الرئيس الصيني لولاية جديدة، بالإضافة إلى أن بكين تريد أمان طريق الطاقة والاستقرار في المنطقة لاسيما لحليفتها إيران وصديقتها الجديدة السعودية، وهو ما سعى إليه الرئيس الصيني في زيارته إلى الرياض، وزيارة نظيره الإيراني إلى بكين في الفترة الأخيرة.

العلاقات الطبيعية بين إيران والسعودية ستكون إيجابية على مستوى المنطقة ككل وهذا يُقلق الولايات المتحدة وكيان الاحتلال اللَّذينِ يعتبران أن هذه العلاقات كابوساً على مستقبل الكيان، والمملكة السعودية تريد الهدوء للمنطقة ومد يد السلام للجيران؛ لأن الخصومة لا تصنع استقراراً والرياض معنية بهذا الاستقرار خصوصاً وأنها تُقدِّم رؤية طموحة ومهمة للمنطقة من خلال رؤية 2030م لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قد تكون بوابة لصنع اقتصاد مبهر في الشرق الأوسط، لاسيما وأن السعودية تُعتبر هي الدولة الأكبر والأهم والأعمق في المنطقة العربية ولديها نفوذ دولي مهم سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا وبالتالي الهدوء سيفيدها لتعزيز هذه المكانة لاسيما وأنها بدأت فصلاً جديداً من العلاقات مع إيران فصل عنوانه التفاهم والهدوء. مبدأ السلام البارد (Cold peace) بات ينعكس على كل الملفات المتأزمة في المنطقة مثل سوريا التي بدأت تشهد علاقاتها انفراجات في العلاقات العربية وتقارب مع جارتها تركيا، وكذلك تركيا التي هي الأخرى أعادت علاقاتها المقطوعة منذ عقد مع مصر، حيث أجرى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو زيارة إلى القاهرة. وعلى ضوء التطورات الإيجابية بين الجانبين أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، سعي بلاده لاستمرار التواصل والتنسيق وفتح قنوات التواصل بين الأجهزة الحكومية في مصر وتركيا. ولعل المصافحة اللافتة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، وبحضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، على هامش فعاليات مونديال قطر 2022م، ربما تكون مثلت صافرة البداية لعودة العلاقات بين البلدين. وبما أننا ذكرنا قطر لابد من الحديث عن محاولة كيان الاحتلال الإسرائيلي طلب الوساطة القطرية من أجل التهدئة مع طهران، خصوصاً وأن تل أبيب باتت تعي تماماً أنها بدون حلفاء في المنطقة. وأن التطبيع لم يجلب لها الأمان، وفي الإمارات مثلاً أعلن رئيس الحكومة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، خلال لقائه بأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، عدم السماح باستخدام جغرافية الإمارات ضد إيران ما يجعل تل أبيب عاجزة عن القيام بأي محاولة استفزاز لطهران، ما دفعها للبحث عن ملجإٍ للتهدئة مع إيران عبر طريق الدوحة.

بقلم علي العبيدي

السفير الليبي في طهران