ترامب والديمقراطية الأمريكية.. وجهان لعملة واحدة

ترامب والديمقراطية الأمريكية.. وجهان لعملة واحدة
السبت ٠١ أبريل ٢٠٢٣ - ٠٥:١٢ بتوقيت غرينتش

يجب ان يُسلم نفسه، ليتم نقله بعد ذلك الى مقر المحكمة الجنائية في نيويورك، لأخذ بصمته وصورته، وان توضع الأصفاد في يديه، ثم يُنقل للمثول أمام القاضي المختص، على ان يظهر أمام كاميرات الإعلام خارج قاعة المحكمة، هكذا يجب ان يتم التعامل مع الرئيس الامريكي السابق "دونالد ترامب" يوم الثلاثاء القادم، وفقا للاجراءات القانونية الامريكية، بعدما وجهت إليه التهمة رسميا في قضية شراء صمت نجمة أفلام إباحية عام 2016 قبيل الانتخابات الرئاسية التي فاز بها.

العالم قضية اليوم

ولم تُعرف حتى الآن الاتهامات التي وجهت لترامب، إذ لا تزال لائحة الاتهام سرية. إلا ان وسائل اعلام امريكية ، ذكرت انه يواجه أكثر من 30 تهمة تتعلق بالاحتيال في مجال الأعمال، بالاضافة الى دفعه المبلغ للممثلة الاباحية، ومحاولته قلب هزيمته في انتخابات 2020 في ولاية جورجيا بشكل غير قانوني، وإحتفاظه بوثائق حكومية سرية بعدما ترك منصبه.

يرى العارفون بالشأن الامريكي، ان المحكمة الجنائية، سوف تتجنب اتخاذ الاجراءات القانونية، التي ذكرناها بحق ترامب، خوفا من انصاره، في ظل دعوة ترامب في وقت سابق، للاستعداد لنشر "الدم والدمار" في حال تم اعتقاله، وهم انصار، اثبتوا ولاءهم لزعيمهم عام 2020 عندما دعاهم للهجوم على الكونغرس للاحتجاج على نتائج الانتخابات، التي وصفها ومازال يصفها بالمزورة، واسفر الهجوم عن مقتل واصابة العديد من الاشخاص.

ظهور ترامب وبشكل مفاجىء في المشهد السياسي الامريكي عام 2016، أزاح ضبابا كثيفا عن حقيقتين، الاولى حقيقة النظام السياسي الامريكي، والثانية حقيقة المجتمع الامريكي، امام عيون المفتونين بأمريكا، وهما حقيقتان، لطالما تباهت امريكا بهما امام العالم، على انهما اقرب ما تكونان الى المثالية، فامريكا لا ترى مثيلا لنظامها السياسي "الديمقراطي" في العالم، كما لا ترى مجتمعا في العالم يضاهي مجتمعها "الذي يقدس الديمقراطية"، فاذا بترامب يكشف وبرعونته المعروفة، زيف هاتين الحقيقتين وقبحهما.

بن بورخيس أستاذ الفلسفة بجامعة جورجيا، كتب مقالا نشره موقع "ديلي بيست" الأميركي، رحب فيه بمحاكمة ترامب، إلا انه سخر من النظامين السياسي والقضائي في امريكا، لعدم محاكمة الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش ونائبه ديك تشيني وهنري كيسنجر وغيرهم من الرؤساء وكبار المسؤولين على الجرائم الأكبر بكثير من جريمة ترامب هذه، وطالب باخضاعهم للقانون مثل ما يخضع له كل الناس في أميركا أو خارجها.

واعتبر بورخيس بوش مجرد واحد في سلسلة طويلة من الرؤساء الخارجين على القانون الذين لم يواجهوا العدالة. فريجارد نيكسون، على سبيل المثال، نقل عبر وزير الخارجية في عهده هنري كيسنجر إلى البنتاغون التوجيه السيئ السمعة "قصف أي شيء يطير وأي شيء يتحرك" في كمبوديا، ولم يُحاسب نيكسون قط، ولا يزال كيسنجر يُعامل حتى يومنا هذا على أنه رجل دولة محترم كبير السن.

الجريمة الكبرى التي ارتكبها ترامب و وزير خارجيته مايك بومبيو والنظام الامريكي بشكل عام، والتي تجاهلها بورخيس، والمتمثلة بإغتيال اللواء قاسم سليماني والقائد ابو مهدي المهندس، رغم انهما كانا من اكبر قادة النصر على "داعش"، ورغم ان الشهيد سليماني، كان يزور العراق بدعوة رسمية وجهها اليه رئيس الوزارء العراقي حينها عادل عبدالمهدي، وهي جريمة سيدفع ثمنها كل من شارك فيها، وعلى راسهم ترامب وبومبيو، مهما طال الزمن.

هذا النظام السياسي القائم على الحروب والاغتيالات والنهب والسلب والفساد الاخلاقي، يمثل تمثيلا كاملا للمجتمع الامريكي، فعندما يرتكب النظام السياسي الامريكي الفظاعات في العالم، دون اي اكتراث للقانون الدولي، نرى في المقابل المجتمع الامريكي كيف داس على "رمز ديمقراطيته"، بإشارة من معتوه مثل ترامب، عندما تم اقتحام الكونغرس، بهدف قتل كل من يعارض ترامب.

هذه المرة ايضا سيكشف المجتمع الامريكي عن وجه الحقيقي، بعد ان دعا ترامب انصاره، للاستعداد للرد على اعتقاله، محذرا من احتمال وقوع "موت ودمار قد يكونان كارثيين على أمريكا".

تهديدات ترامب وانصاره، اخذتها السلطات على محمل الجد، خوفا من تكرار سيناريو اقتحام الكونغرس، حيث تم تشديد الأمن في نيويورك، ولا سيما حول محكمة مانهاتن، وكذلك في العاصمة واشنطن، التي كان هناك توجه لإعلان حالة الطوارئ فيها يوم الثلاثاء الماضي، وتراقب السلطات عن قرب تحركات أنصار ترامب، لرصد أي مؤشرات على تحرك عنيف، بعد ان كشفت مصادر استخباراتية عن أن التهديدات وخطابات العنف على الإنترنت شهدت ارتفاعا كبيرا، كما تم رصد منشورات ومراسلات تدعو إلى مظاهرات مسلحة لمنع التوقيف المحتمل لترامب.

هذا هو النظام السياسي الامريكي، وهذا هو المجتمع الامريكي، اللذان باتا مادة للتندر، لدى الشعوب التي اكتوت بنيران التدخل الامريكي، تحت ذريعة "نشر الديمقراطية"، بعد ان اتضح لها مدى احترام هذا النظام للديمقراطية، ومدى احترام هذا المجتمع للقانون، فأمريكا التي كانت تمزق اجساد الابرياء في جميع انحاء العالم لتعلمهم الديمقراطية والقانون!، باتت على كف ترامب.

*محمد أحمد