العلاقات العربية: الخروج من الهيمنة للتعاون الإقليمي

العلاقات العربية: الخروج من الهيمنة للتعاون الإقليمي
الثلاثاء ١٨ أبريل ٢٠٢٣ - ٠٣:٤٩ بتوقيت غرينتش

على مدى السنوات الماضية، يمكن ملاحظة تزامن ما بين مراجعة العديد من البلدان الإقليمية للسياسة الخارجية ومحاولات فرض المشاريع الغربية لإثارة الصراع الإقليمي. فخلال الفترة الأخيرة، تَحسنت فرص التقارب الثنائي والجماعي.

العالم - خاص بالعالم

بدت هذه التطورات إيجابية في صياغة ملامح جديدة للعلاقات السياسية بين دول المنطقة، لكنها صارت دون مبادرة جماعية تعمل على تساهم في تحويل السلام البارد لعلاقات تفاعلية وحيوية.

تبدو العلاقات الإقليمية أمام اختبار مهم في إمكانية بناء شبكة من العلاقات الجماعية تشمل دول الجوار العربي على أساس تجميع المصالح.

فقد تلاقت المصالح في إحباط ثلاثة مشاريع غربية دار محتواها حول إثارة الصراع الإقليمي، ففي فترة متقاربة، دفعت الولايات المتحدة بمشروع المظلة الدفاعية للشرق الأوسط (الناتو العربي في 2017)، وهو ذاك المشروع الذي أُعد في خمسينيات القرن الماضي لدمج "إسرائيل" في الأنساق العسكرية للدول العربية، وكان منظور إعادة طرحه لغرض المواجهة الأمريكية مع إيران.

وفي ذات السياق، طرحت إدارة دونالد ترامب المبادرة الأمريكية للسلام في يناير 2020، وهي تقوم في مجملها على فرض مشاريع التطبيع وتجاوز قضايا الحل النهائي للقضية الفلسطينية، وقد شكلت استجابة بعض الدول له تحدياً للأمن الإقليمي وخصوصاً مع ظهور أفكار هلامية حول الإبراهيمية كمبادئ للتعايش أو التداخل الديني.

لقي هذا التوجه معارضة واضحة من جانب مصر باعتباره تخلياً عن شروط السلام العادل، كما تبنت السعودية موقفاً متقارباً للقلق من مشاريع تؤثر على الأمن الإقليمي والسلامة الثقافية للمسلمين.

لم تقف محاولات الغرب عند هذا الحد، بل شرع في التفكير في إنشاء تحالفٍ جديد يماثل حلف بغداد في خمسينيات القرن الماضي، يكون هدفه الأساسي إثارة الصراع مع دول الجوار وإسقاط محاولات الاستقلال.

هذه المرة ظهر فجأة مشروع "مؤتمر بغداد للشراكة" (2021) تحت رعاية فرنسا، ورغم استبعاده "لإسرائيل"، فقد تبنى موقفاً لتهميش دور إيران وربطه بشروط حُسن النية والمصداقية تجاه ملفات سوريا واليمن.

على اية حال، اختمرت أفكار تعميق التغلغل في المشروعات الغربية، لكن لم يشهد أي منها تقدماً نوعياً، بل على العكس، واجهت حوائط صد وإدراك مشترك بمخاطرها.

وكان هذا الركيزة الأساسية للتقييم الإيجابي للعلاقات الثنائية أو الجماعية. وخصوصاً مع سعي الأمريكيين لتعطيل الحل السياسي في سوريا، أو بعثرته في حالة ليبيا. وتحت إكراهات التطبيع مع كيان الاحتلال، يمكن مناقشة أولويات الحكومات والشعوب.

وتُقدم التجربة المصرية محاولة رائدة في تثبيت حالة السلام البارد، فقد اكتفت بوقف الحرب وإقامة قنوات ديبلوماسية لم تصل لمرحلة التطبيع السياسي أو الثقافي فضلاً عن الأمني.

لم يتوقف التصور المصري للسلام عند هذا الحد، لكنه أحبط أيضاً، كل المشروعات الأمريكية ـ الإسرائيلية، في السنوات الأخيرة، لتكوين تحالف عسكري أو أمني ضد إيران. كما رفض حسني مبارك دعوة "إسرائيل" لسياسة مشتركة ضد إيران لاختلاف نظرة مصر العلاقة

وبغض النظر عن غياب الأسباب الموضوعية للتوتر، تزايدت دوافع التقارب الإقليمي نتيجة الإكراهات الأمريكية للحشد ضد إيران والترويج الإقليمي لكيان الاحتلال الإسرائيلي. فقد طرحت . وفي تزامن مع تلك المحاولات، تتجه العلاقات الإقليمية نحو الترابط السياسي والاقتصادي.

كان انعقاد قمة العلا (العربية السعودية) في يناير 2020، الخطوة لاستعادة الموضوعية والمصالح في العلاقات الإقليمية وإنهاء مرحلة البحث عن محاور متخاصمة وغير متجانسة، لكنه وقد أسست القمة لخريطة من المصالحات والتسويات التي شملت الكثير من البلدان على للمصالح المشتركة، بحيث يقترب من التعاون الاقتصادي، لم يتوقف الأمر عند الزيارات المتبادلة، بل تشكلت لجان عليا لتطوير العلاقات، مصر، السعودية، قطر، تركيا والإمارات العربية، تم تتويجها بالاتفاق الإيراني السعودي.

يكتسب الاتفاق أهميته من توافر مقومات أساسية، فبالإضافة للمكونات الدينية والثقافية، فلدى عدد من الدول سمات القوة الإقليمية، يتضاعف عائدها مع تبني العربية السعودية لديبلوماسية نشطة لتكون مركزاً ً وسطاً بين مصر، تركيا وإيران، سوف يساعد على تسوية النزاعات الإقليمية وسد الثغرات أمام نفاذ القوى الغربية، فضلاً عن تزايد فرص الاعتماد المتبادل.

قد تكون التقاربات والمصالحات الإقليمية كافية في مرحلة ما، لكنها قد لا تناسب مرحلة أخرى، فالانتقال من التوتر أو تجنب ما يؤدي إليه للسلام البارد هو إنجاز مهم، قد لا يكافئ التقلبات في النظام الدولي وظهور تحديات جديدة كا الأزمة الجارية في السودان.

هذه كلها تتطلب التقدم نحو إطار يحفظ المصالح المشتركة ويمكنها تنظيم وترتيب ثورة المصالحات الإقليمية. تتزايد الحاجة لإطار سياسي ينظم هذه العلاقة. هذا التوجه لابد وأن يقود لتنسيق العلاقات ما بين عدة منظمات إقليمية، الجماعة العربية، مجلس تعاون دول الخليج الفارسي ومنظمة الدول التركية، يكون هناك حاجة لإيجاد رابطة مشتركة بين الدول الأعضاء، يكون لديها القدرة على التنسيق وخفض تأثير النفوذ الأجنبي.

على أية حال، تشكل هذه الخريطة ملامح الحاجة للمضي نحو إطار واسع لتجميع القدرات وتحييد المخاطر، بحيث يقتصر العامل الخارجي على التحفيز والعلاقات المتكافئة.

وفي هذا السياق، يمكن فهم السياسة الصينية في سياق البحث عن تموضع يساعدها في الإحلال مكان منافسيها وليس دعم حرية التصرف في السياسة الخارجية، على أساس الشراكة، والابتعاد عن الاستقطاب بين الداعمين للسعودية والموالين لإيران في المنطقة العربية.

وهنا، تأتي أهمية التفكير في شكل يجمع القواسم المشتركة بين دول الإقليم، بحيث تعمل على تجميع مصالحها وتكون بمثابة منتدى للنقاش حول التبادل والتفاوض حول الازمات والتحديات المشتركة. وباعتبار القدرة على تجاوز الخلافات، يمثل الاتفاق السعودي ـ الإيراني تجربة حية لإمكانية تسوية الاختلافات الأخرى بين الدول.

كانت باكورة النتائج في تقريب المواقف حول عودة سوريا للجامعة العربية، ووضع ضمانات لالتئام الحل السياسي والإعمار وعودة النازحين، بالإضافة لتطبيق قرارات مجلس الأمن، وقد ساهمت هذه تقليل تحفظات مصر على التقدم في الملف السوري.

تتلاقى مبادرة "رابطة الجوار العربي" مع التطورات الإقليمية الجارية، فهناك عوامل تشابه كثيرة، يأتي في مقدمتها انفتاح العلاقات السياسية على دول الجوار ووجود رغبة في الوصول لمرحلة الاعتماد المتبادل، بشكل يمهد الطريق للتكامل الإقليمي. على أية حال، تساعد استعادة التفكير في الترابط بين الدول الإسلامية في تنوع بدائل السياسة الخارجية.

وتمثل مبادرة عمرو موسى، الأمين الأسبق للجامعة العربية، لتأسيس "رابطة لدول الجوار العربي" في قمة سرت (ليبيا) في 2010، إطاراً مناسباً لتنسيق العلاقات العابرة للإقليم العربي. فهي تتلاقى مبادرة "رابطة الجوار العربي" مع التطورات الإقليمية الجارية، فهناك عوامل تشابه كثيرة، يأتي في مقدمتها انفتاح العلاقات السياسية على دول الجوار ووجود رغبة في الوصول لمرحلة الاعتماد المتبادل، بشكل يمهد الطريق للتكامل الإقليمي. على أية حال، تساعد استعادة التفكير في الترابط بين الدول الإسلامية في تنوع بدائل السياسة الخارجية.

كما أن المنطقة تواجه نفس التحديات والمشكلات التي عُرضت فيها المبادرة، وأهمها؛ فقدان الثقة في السياسة الأمريكية وتنامي مخاطر" إسرائيل".

وهنا، تعمل الفكرة على دعم دول المواجهة مع "إسرائيل" وكسر موجة التطبيع، ويُعبر عقد الجامعة العربية لاجتماع تحت عنوان "القدس صمود وتنمية" في فبراير الماضي، مؤشراً على فرصة لتنسيق التعاون الأمن الإقليمي.

بقلم علي العبيدي السفير الليبي في طهران