لبنان:

'تفاؤل' بري و'حركة البخاري'.. هل يُنتخب الرئيس قبل 15 حزيران؟

'تفاؤل' بري و'حركة البخاري'.. هل يُنتخب الرئيس قبل 15 حزيران؟
الإثنين ١٥ مايو ٢٠٢٣ - ١٢:٤٧ بتوقيت غرينتش

ليس خافيًا على أحد أنّ الاستحقاق الرئاسي في لبنان شهد "حركة" أكثر من لافتة في الأيام الأخيرة، بعد فترة طويلة من الجمود والركود، لكنّها حركة لا يُعرَف بدقّة حتى الآن إن كانت ستفضي عمليًا إلى "بركة" تتجلى بانتخاب رئيس للجمهورية، طالما أنّ أيّ حوار حقيقيّ وجدّي لا يلوح في الأفق، في حين أنّ كلّ فريق لا يزال متمسّكًا بمواقفه، بين داعمي رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، ومعارضيه الذين لم ينجحوا بعد في "طبخ" اسم منافس فعليّ له.

العالم - لبنان

رغم هذا "الانسداد" الظاهر، توحي بعض المعطيات بأنّ "الخرق" بات أقرب من أيّ وقت مضى، ومن هذه المعطيات على سبيل المثال لا الحصر، تصريح رئيس مجلس النواب نبيه بري "المتفائل"، والذي خلط ضمنًا بين التمنيات والموجبات بانتخاب رئيس قبل 15 حزيران المقبل، وتحديدًا قبل انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تفاديًا لشغور جديد في منصب الحاكمية، قد يكون "أخطر" من كلّ حالات الفراغ في الدولة والمؤسسات.

لكنّ تصريح بري، وإن بدا للبعض خارج السياق، لم يكن "معزولاً"، فهو جاء على وقع "حركة" لافتة أيضًا للسفير السعودي وليد بخاري، الذي جال في أسبوع على كلّ القوى السياسية تقريبًا، مفنّدًا موقف الرياض "الحيادي" من الاستحقاق، قبل أن يستقيل رئيس تيار "المردة" في دارته، في لقاء "تباينت" تفسيراته حدّ "التناقض"، بين من قرأ فيه "دفعًا معنويًا" لفرنجية، ومن رأى فيه في المقبل، رسالة "سلبية" على الأخير قراءة دلالاتها والبناء عليها.

ولأنّ كلّ ما سبق يحصل أيضًا على وقع متغيّرات إقليمية متصاعدة، منذ التفاهم الإيراني السعودي، وصولاً إلى الانفتاح العربي على سوريا، واستعادة الأخيرة مقعدها في جامعة الدول العربية، وسط حديث عن تحضيرات لزيارة استثنائية للرئيس السوري بشار الأسد تسبق أو تواكب القمة العربية، يصبح السؤال عن "مصير" الانتخابات الرئاسية أكثر من مشروع، فهل تتحقّق "أمنية" بري، ويصبح للبنان رئيس قبل 15 حزيران المقبل؟

في المبدأ، يقول العارفون إنّ "تفاؤل" بري لم يأتِ من فراغ، وإن بدا مبالَغًا به بالنظر إلى المعطيات الميدانية على الأرض، التي لا توحي عمليًا بحصول أيّ تقدّم حقيقي، لكنّهم يشيرون إلى ما يمكن وصفه بـ"الاستنفار" الذي أيقظ الاستحقاق الرئاسي من كبوته، وهو لا يتجلى بثبات مؤيدي فرنجية على موقفهم فحسب، ولكن بتفعيل معارضيه قنوات الاتصال فيما بينهم كما لم يفعلوا من قبل، في سبيل الاتفاق على مرشح مواجهة "جدّي"، وقادر على المنافسة.

ثمّة من يعزو "تفاؤل" بري، ومعه فرنجية والمؤيدون لانتخابه رئيسًا للجمهورية، إلى ما يعتبره هؤلاء "تغيّرًا" في الموقف السعودي، ظهر بوضوح من خلال زيارات البخاري المتراكمة، حيث كانت "رسالته" مناقضة لكلّ ما روّجه المعارضون لرئيس تيار "المردة" طيلة الفترة الأخيرة، وهي أنّ الرياض لا تضع أيّ "فيتو" على أيّ مرشح، وهي رسالة توّجها باستقبال فرنجية في دارته، في لقاء وصفه الضيف بـ"الودّي والممتاز"، من دون أن يفصّل أكثر.

وخلافًا لتقليل الخصوم من شأن اللقاء، باعتبار أنّ رئيس تيار "المردة" هو من زار البخاري بعد أن "استثني" من جولاته على الأفرقاء، في إشارة معبّرة، وسلبية ضمنًا، يشدّد المؤيدون لفرنجية على أنّ الواقع الفعليّ مغاير، فالرياض وجّهت باستقبال فرنجية رسالة إيجابية واضحة، تتناغم بشكل كامل مع ما يحصل في المحيطين العربي والإقليمي، وعشية قمّة عربية قد يكون "نجمها" الرئيس السوري بشار الأسد، الذي تلقّى دعوة من السعودية للمشاركة.

لكن، بمعزل عن ارتباطات الاستحقاق الرئاسي بالمتغيّرات الخارجية المهمّة، ثمّة عوامل داخلية أساسيّة أيضًا خلف اعتقاد بري بوجوب إنجاز الانتخاب قبل منتصف الشهر المقبل، تكمن بالاستحقاقات الداهمة، وأولها تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، علمًا أنّ السيناريوهات المطروحة في حال عدم انتخاب رئيس قبل انتهاء ولاية رياض سلامة لا تبدو "ورديّة"، ما سيجعل معطّي الانتخاب يتحمّلون مسؤولية تاريخية لا أحد يدرك "عمقها".

وإذا كان معارضو انتخاب فرنجية يتّفقون مع المؤيدين على أنّ الظروف تفرض "التسريع" بإنجاز الاستحقاق الرئاسي، اليوم قبل الغد، فإنّ قراءتهم للواقع تبدو "متناقضة" لما سبق، إذ يعتبرون أن ورقة فرنجية "احترقت عمليًا"، وأنّ ورقة الرئيس "التوافقي" تتقدّم، بل يَعِدون بـ"مفاجأة" في هذا الإطار، قد تتّخذ شكل اتفاق قوى المعارضة على مرشح "موحّد" يطيح بفرنجية، ويحرج الفريق المتمسّك به، وفق مبدأ أن "لا خطة باء" لديه.

برأي هؤلاء الخصوم، فإنّ الموقف السعودي على سبيل المثال لا يشبه أبدًا ما يروّج له المؤيدون لفرنجية، فالرياض لم تغيّر موقفها، وما يقوله السفير البخاري ليس سوى رمي الكرة في ملعب القادة اللبنانيين أنفسهم، وهو ما ينسجم بطبيعة الحال مع الموقف الدولي، الذي يفترض أن يتكرّس في الاجتماع المرتقب لمجموعة الدول الخمس، علمًا أنّ أصحاب هذا الرأي يجزمون بأنّ باريس نفسها تراجعت عن التسويق لفرنجية، بعدما أيقنت ضعف حظوظه.

ويشدّد المعارضون على أنّ الرهان على "انقلاب" في موقف بعض القوى السياسية، كـ"الحزب التقدمي الاشتراكي" و"القوات اللبنانية"، بموجب "كلمة سرّ" من السعودية أو غيرها، لا يبدو في مكانه، علمًا أنّ رئيس حزب "القوات" سمير جعجع مثلاً كان واضحًا في حديثه عن "حرية قراره"، وقناعته أصلاً بأنّ الرياض لن تطلب منه دعم فرنجية أو غيره، كما أنّ النائب السابق وليد جنبلاط وجّه رسالة أكثر وضوحًا، حين تحدّث عن "التشاور مع تيمور".

تبقى مشكلة المعارضة الجوهرية في عدم قدرتها على تقديم أيّ "بديل" لفرنجية، في ظلّ تبايناتها وخلافاتها، بل تشتّتها إلى ما يحلو للبعض وصفه بـ"المعارضات"، لكنّ بعض المحسوبين عليها يتحدّثون عن "تطور نوعي" قد يظهر في الأيام القليلة المقبلة، خصوصًا أنّ الاتصالات باتت مفتوحة حتى بين "الأضداد"، أي "التيار" و"القوات"، في ضوء "قناعة" بإمكانية الاستفادة من "التقاطع" على رفض فرنجية، من دون الذهاب إلى "تفاهم معراب" جديد.

ويقول المطّلعون على جو قوى المعارضة بأنّ المفارقة تكمن في "ليونة" الطرفين المعنيّين، فـ"القوات اللبنانية" لم تعد تضع "فيتو" مثلاً على أحد المرشحين الأساسيين، الوزير السابق جهاد أزعور والذي كانت تعارض انتخابه في مرحلة سابقة، والأمر نفسه بالنسبة إلى "التيار" الذي يفتح باب النقاش حتى حول قائد الجيش جوزيف عون، علمًا أنّ هؤلاء يشيرون إلى أنّ قائمة مرشحي المعارضة باتت "محصورة" بأسماء تقلّ عن أصابع اليد الواحدة.

في النتيجة، يبدو واضحًا أنّ الاستحقاق الرئاسي استفاق فعلاً من كبوته، في وقت يتحدّث البعض عن أسبوعين مفصليّين وحاسمين، قد يعيدان خلط كلّ المعادلات، بضغط عوامل داخلية وخارجية متقاطعة على ضرورة انتخاب الرئيس. لكنّ الخوف يبقى على طبيعة "التسوية" التي قد يتمّ التوصل إليها، في ظلّ "الأسقف المرتفعة" التي حدّدها كل فريق، ما قد يطيح بأيّ "حلّ" لأنه لا يمكن إلا أن يأخذ شكل "غالب ومغلوب"!.

* مراسل العالم