قمة جدة العربية.. محاولات سعودية لتصفير الأزمات العربية

قمة جدة العربية.. محاولات سعودية لتصفير الأزمات العربية
الجمعة ١٩ مايو ٢٠٢٣ - ٠٢:٥٨ بتوقيت غرينتش

قمة القمم.. قمة الصفر مشاكل هكذا يمكن وصف القمة العربية التي تجري في جدة، إذ أرادت السعودية أن تكون قمتها مفصلية في تاريخ المنطقة والدول العربية.

العالم - مقالات وتحليلات

فإلى يومنا هذا يتم الحديث عن قمة مكة الاستثنائية لعام 2019 والمتعلقة بالقضية الفلسطينية، وقمة الرياض 1976 لمناقشة الوضع في لبنان، وضمت القمة السعودية ومصر وسوريا ولبنان والكويت ومنظمة التحرير الفلسطينية، واليوم قمة جدة 2023 لم تكن أقل من سابقاتها فقد أصبحت تاريخية لنقاط عدة أبرزها إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وذلك بعد نحو 12 عاماً من القطيعة.

السعودية استبقت القمة بمصالحة تاريخية مع جارتها الشرقية إيران، مصالحة مفصلية في تاريخ المنطقة السياسي، إذ ينظر إليها بوصفها نزعاً لفتيل الأزمة والتوتر الذي يعد سمة هذه المنطقة منذ سنوات، وقطع الطريق على مشاريع التوتر والفتنة بين دول العالم الإسلامي، وإطلاق مشروع نهضوي إسلامي بين إيران والسعودية فوائده للدول العربية والإسلامية ستكون كبيرة، وخطوة طهران والرياض في تطبيع العلاقات بينهما كانت مفاجئة لنا كلنا وأحدثت حالة من الهدوء لم تعرفه المنطقة منذ عقود، فالمملكة تحاول بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان تصفير الأزمات ورفع راية الحوار مع الأطراف جميعها.

قمة جدة التي شهدت عودة سوريا إلى الجامعة العربية كانت حدثاً استثنائياً؛ فبعد سنوات من القطيعة مع دمشق وتغييب الدور العربي عن الحل في البلاد، ها هي السعودية ترفع راية عودة العمل العربي المشترك لإنهاء الحروب العربية والأزمات في الدول العربية، وإعادة دور الجامعة العربية الفعّال وعودة عملها السياسي لإنهاء الأزمة السورية تحديداً، ففي السنوات الماضية ونتيجة القطيعة غُيّب الدور العربي عن الساحة السورية وهو أمر استنتجته المملكة وقيادتها الشابة، وبالتالي ذهبت إلى خطوة سبقت بها الدول العربية جميعها، وقد نرى في المرحلة القادمة دوراً محورياً للعرب وللسعودية تحديداً في الحوار السوري_السوري مثل أستانا وجنيف.

هذه القمة كانت استثنائية أيضاً بوجود ضيف غريب فيها وهو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إذ تشير المعلومات إلى وجود ضيف روسي في جدة ولكن لم يحضر القمة.

وهذا الضيف هو مبعوث من الرئاسة الروسية للحوار مع زيلينسكي، وبالتالي تريد السعودية من قمتها أن تكون عالمية لا عربية فقط، فقيادتها الشابة تخطط لدور أعمق وأكبر للمملكة تكون فيه هي محور السلام والهدوء في العالم.

ثلاثون قضية ترتبط بشؤون العالم العربي بُحثت في قمة جدة، فبالإضافة إلى الملف السوري بُحثت القضية الفلسطينية وسط تأكيد محوريتها، وأنها قضية الأمة العربية والإسلامية المركزية، وتأكيد هوية القدس العربية وأنها عاصمة الدولة الفلسطينية، وتأكيد ضرورة تفعيل مبادرة السلام العربية التي تضمن انسحاب كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى حدود عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين.

ومن أبرز الملفات التي بُحثت هو الملف الليبي إذ أُكِدت وحدة الأراضي الليبية وسيادة ليبيا وسلامة أراضيها، ورفض أنواع التدخل الخارجي جميعها ومنع التصعيد، وفي الملف اللبناني أُكِّدت ضرورة انتخاب رئيس جديد للبلاد وتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، والعمل على إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية تنهي الأزمة المالية اللبنانية.

قمة جدة تختلف اختلافاً جذرياً عن سابقاتها، فهي أول قمة يُختبَرُ فيها العمل العربي المشترك، أذ إن العمل العربي كان غائباً بسبب تدخل واشنطن وكيان الاحتلال الإسرائيلي في قضايا المنطقة العربية والإسلامية.

والآن وبعد محاولة عودة الهدوء إلى العلاقات العربية_العربية يبدأ الامتحان الحقيقي للعمل العربي في إنهاء أزمات المنطقة.

القيادة السعودية الشابة تنظر بحيوية لمستقبل المنطقة السياسي والاقتصادي وتضع خلفها الخلافات كلها، وتريد إطلاق مرحلة تطوير عربي كبيرة خصوصاً في مجالات الاقتصاد والتعليم والدفاع العسكري المشترك، قمة جدة ستكون مفصلية في تاريخ الدول العربية والعمل العربي المشترك وإنهاء الأزمات العربية.

بقلم علي العبيدي السفير الليبي في طهران