برنامج من طهران..

تحديات الاتفاق الايراني السعودي وتأثيراته على المنطقة

الأربعاء ٠٧ يونيو ٢٠٢٣ - ٠٣:٥٢ بتوقيت غرينتش

اكد مدير عام شؤون دائرة الخليج الفارسي في الخارجية الايرانية د. علي رضا عنايتي، في مقابلة خاصة مع قناة العالم، ان كل من ايران والسعودية ابديا استعداداً لاستئناف العلاقات الثنائية، والتي تخدم مصالح المنطقة، موضحاً ان ايران تعطي الاولوية للامن في المنطقة من خلال تنمية التعاون بين دولها.

وفيما يلي اليكم نص المقابلة.. والتي اتت تحت عنوان "نتائج الاتفاق الايراني السعودي وتأثيراته على المنطقة..

العالم: نبدأ من موضوع العلاقات الايرانية السعودية، قبل نحو اربعة اشهر وقعت ايران والسعودية اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية والسياسية بالكامل، الى أين وصلت استئناف هذه العلاقات على كافة الصعد والمجالات؟

عنايتي: في العاشر من مارس، تم اصدار بيان في بكين يؤكد عزم الجمهورية الاسلامية الايرانية والمملكة العربية السعودية باستئناف علاقاتهما، ومن ثم بدأت الدولتان خطوات لتطبيق هذا الاتفاق.

ان البيان الذي صدر اكد بان الطرفين سيطبقان هذا الاتفاق خلال شهرين، ومن ثم في اقل من شهر التقى وزيرا الخارجية لكلا البلدين في بكين، واعلنا عن استئناف العلاقات بين ايران والسعودية بشكل رسمي، هذه هي الخطوة الاولى.

اما الخطوة الثانية هي قيام الطرفين بفتح الممثليات السياسية والقنصلية، ونحن في الجمهورية الاسلامية الايرانية على اعتاب اعادة فتح السفارة الايرانية في الرياض، وكذلك اعادة فتح القنصلية الايرانية والمندوبية الدائمة لدى منظمة المؤتمر الاسلامي في جدة.

أُؤكد ان الممثليات الايرانية خلال الشهر الذي مضى، كانت قد عاودت عملها بشكل غير رسمي، وجاء الاسراع في ذلك لادراك الجمهورية الاسلامية اعطاء تسهيل وتوفير الخدمات للحجاج الايرانيين. ولهذا نحن بدأنا وباشرنا عملنا في السفارة بالاتفاق مع السعودية، وسيعلن بعد يوم او يومين عن افتتاح رسمي بهذا الاتجاه.

وفي الخطوة الثالثة، سيتم تعيين وترشيح السفاراء والطاقم الدبلوماسي بين كلا البلدين، حيث قاما البلدان بترشيح سفيرهما، ومن خلال الخطوات الثلاثة هذه، نحن في طور استكمال هذا الامر.

العالم: في هذا الاطار قبل اربعة اشهر عندما اعلن عن هذا الاتفاق، قيل انه جرى برعاية صينية لو صح التعبير، ما دلالات المشاركة الصينية في اعادة العلاقات الايرانية السعودية الى مجراها الطبيعي؟

عنايتي: في الحقيقة الصين استضافت هذا الاجتماع، والصينيون طرحوا الفكرة بان يعاودوا المباحثات بين ايران والسعودية في العراق ومسقط، واعلنوا استعدادهم لمشاركتهم في هذا الاطار.

بالطبع الطرف الايراني يبدي دوماً استعداده لتمتين علاقاته مع جيرانه، ويرى ان هذا الامر يدخل في اطار السياسة التي تنتهجها الحكومة الايرانية، باعطاء الاولوية للجيران، واكد فخامة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي على هذا الامر كراراً ومراراً. ولذلك عندما اعلنت السعودية عن استعدادها للمشاركة في هذا المجال، نحن في الجمهورية الاسلامية رحبنا وقلنا نحن مستعدون.

في الحقيقة ان الذي حصل في بكين كان حصد ما تم الاتفاق عليه في العراق ومسقط.

العالم: اذن الدور الصيني مجرد استضافة المحادثات؟

عنايتي: نعم، استضافت المحادثات وهم كانوا يؤكدون على انجاحها.

العالم: فيما يتعلق بالشق الاقتصادي وايضاً الاستثمارات وكذلك المجال الامني، هناك تفاهمات بين البلدين، الى أين وصلت؟

عنايتي: نحن بداية الطريق الذي يبدأ بالف ميل، نذهب سوياً لبلورة مثل هذه الرؤى والافكار خلال الثلاث الشهر التي رسمنا اطاراً لهذه العلاقات، وحقيقة ان العلاقات الايرانية السعودية متعددة الاطراف والساحات، السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية والامنية والتجارية والثقافية والقنصلية، وكل هذه الساحات باذن الله تفعّل بارادة قيادتي البلدين، وما اوكل للمسؤولين في الحكومتين الايرانية والسعودية، لازدهار العلاقات.

نحن خطونا بعض الخطوات في اتفاقيات عدة وموسعة بين الجمهورية الاسلامية والسعودية، واشير ذلك في البيان الذي صدر في بكين الاول وبكين الثاني، الى الاتفاقية الامنية بين البلدين والاتفاقية العامة للتجارة والاقتصاد والاستثمار والشباب والثقافة والتقنية، هذه اتفاقيات موسعة بين البلدين. وهناك اتفاقية اخرى وهي اتفاقية النقل الجوي، حيث ستفعل هذه الاتفاقيات لاحقاً.

العالم: هذا الاتفاق ليس اتفاقاً وقتياً لاسباب معينة، وانما هناك ارادة جادة للبلدين للمضي قدماً بتعزيز العلاقات الثنائية؟

عنايتي: نحن في اطار سياسة الجمهورية الاسلامية تجاه جيرانها، جادون لبلورة هذه السياسة في نهج الحكومة الحالية، واعلناً مراراً عن مد اليد لجيراننا، ونرى بان هذا ضرورياً للمنطقة بالدخول في الحوار والتفاهم والتعاون والشراكة.

الجمهورية الاسلامية دخلت هذا المضمار، ولاتزال ترى ان هذا هو السبيل الاوحد للرقي بالمنطقة، ونحن لمسنا مثل هذه النية والعزم لدى الاخوة السعوديين، وكل منا جادون في هذا المجال.

العالم: هل هناك مبادرات او مقترحات لبلورة تحالفات اقتصادية او امنية بين بلدان المنطقة؟

عنايتي: انا ارى ان المنطقة تحتاج الى التعاون البنّاء، لو نظرنا ما يجري في الساحة العالمية نرى هناك تكتلات اقتصادية وتجارية مثل شنغهاي وآسيا آن وبريكس ونفتاو وساركو، ولذا فان المنطقة تحتاج كذلك الى مثل هذا العمل الجماعي بين جميع بلدان مجلس التعاون الثمانية، من بينها الجمهورية الاسلامية والعراق، لما تمتلكه من موارد طبيعية وبشرية والكفاءات الاقتصادية والمقومات والظروف، تؤهلها بان تدخل في تكتل اقتصادي يخدم الجميع.

ضفتي الخليج الفارسي في الشمال والجنوب لديها موارد، بامكان الجمهورية الاسلامية ان تقدم ما لديها من امكانيات النقل والترانزيت الى جنوب الخليج الفارسي للوصول الى آسيا الوسطى والقوقاز، وكذلك بامكان الجمهورية ان تستفيد من امكانيات دول مجلس التعاون، خاصة وان الكل مطل على الخليج الفارسي وبحر عمان والموانئ والنقل البري والبحري، كل هذه بالامكان استحصالها لصالح المنطقة.

في مجال السياسة كذلك بامكان جميع الدول الدخول في مشاورات جادة لاستتباب الامن في المنطقة، وهذه فرص مؤاتية لنا ولجميع دول المنطقة للاستفادة منها.

العالم: في اطار العلاقات الايرانية السعودية، وتطوير هذه العلاقات مع دول منطقة الخليج الفارسي، ما هي التحديات التي تعرقل هذه الارادة للتوصل الى ترسيخ التعاون فيما بين دول المنطقة؟

عنايتي: في الحقيقة نحن نحتاج الى هذا التعاون حاليا ومستقبلا ولم نستفد من الفرص المؤاتية لنا، ونتحدث عن الفرص القادمة بالنسبة لجميع دول المنطقة واعطاء الاولوية بالنسبة للتجارة والاقتصاد والثقافة او الترانزيت، هذه كلها تعتبر فرص.

وعدم استغلال مثل هذه الفرص كان يعتبر تحديا بالنسبة الينا جميعا، ولو استقر الامر والرؤى بين دول المنطقة من أجل الدخول بعمل متكامل مع بعضنا البعض في تطوير العلاقات الثنائية ثم تطويرالعلاقات الجماعية بين جميع الدول، ونحن لا نتحدث عن دولتين دون دولة اخرى بالذات، لان تلك العلاقات البينية ومن ثم توسيعها الى علاقات تعمّ جميع دول المنطقة، وهي لاتزال تعتبر فرصة بين إيران وجيرانها.

العالم: عندما استأنفت ايران والسعودية علاقاتهما، كانت هناك الكثير من التساؤلات بان الى جانب موضوع اعادة العلاقات الثنائية، ما هي الموضوعات الاخرى التي نوقشت خلال المحادثات بين ايران والسعودية، ان كانت في العراق ومسقط وفي النهاية بكين، مثلاً ملف اليمن وسوريا وملفات اخرى؟

عنايتي: نحن منذ ان بدأنا المباحثات مع المملكة العربية السعودية في بغداد منذ سنتين الى ما تم الاتفاق عليه في بكين، نوقش الامر بين إيران والسعودية من منظار ثنائي، ولم يناقش أي ملف إقليمي حيث طرحت السعودية موضوع اليمن لكن الجمهورية الاسلامية الايرانية قالت ان هذا الموضوع يخص اليمنيين، كما أن الجمهورية الاسلامية لا يمكنها ان تتحدث باسم حركة انصار الله ولا باسم حكومة الانقاذ الوطني، اليمنيون هم كيان موجود له استقلاليته. وقد تفادينا ان ندخل في هذا المجال.

واما غير موضوع اليمن فلم يناقش ولم يطرح أي ملف اقليمي. ومن ناحية ثانية بالنسبة للاجواء واستتباب الامن في المنطقة والتاكيد على أمن المنطقة شددنا على ان هذا امر مهم بالنسبة لجميع دول المنطقة، وان الامن هو جزء لا يتجزأ، وهذه كانت الاجواء العامة في حديثنا، بالنسبة لملفات محددة فلم تطرح باستثناء موضوع اليمن.

العالم: كيف تفسرون انعكاسات هذا الاتفاق الايراني السعودي على المنطقة؟ بمعنى بشكل واضح خفت حدة التوتر في اليمن، وفي العلاقات السعودية السورية، كانت هناك لها اثاراً ايجابية؟

عنايتي: بامكاننا ان نقول بان ذلك كان من نتائج اعادة العلاقات الايرانية السعودية وفي الحقيقة ان ايران والسعودية بلدان مهمان في المنطقة وبامكانهما التعاون في عدة مجالات، ومن المؤكد ان تلك العلاقات وتلك العقائد تتاثر بالملفات الاقليمية، وتؤثر على الملفات، والجمهورية الاسلامية الايرانية وكانت وما تزال تنادي باستتباب الامن في المنطقة بيد ابنائها واهاليها، وكما يقال فان "أهل مكة ادرى بشعابها"، وبالتالي فإن اهل المنطقة ادرى بشعابها، وبامكان ابناء المنطقة ان يلعبوا دورا فاعلا في استتباب الامن في المنطقة، وهذا ما تؤكد عليه الجمهورية الاسلامية الايرانية، وبالتالي فاننا نرى بانه بامكان جميع دول المنطقة بأن تتعاون في استتباب الامن والرقي والازدهار في تلك المنطقة.

العالم: اشرتم الاتفاق الايراني السعودي شمل المجالات السياسية والاقتصادية وايضاً الاستثمار والتجارة بين البلدين، فيما الدول الاخرى في المنطقة، هل هناك خطوات ومبادرات في هذا الاتجاه، لتعزيز التعاون الثنائي وتنمية العلاقات بين ايران ودول اخرى في منطقة الخليج الفارسي في المجال السياسي والتجاري والعسكري والامني؟

عنايتي: ان علاقات الجمهورية الاسلامية الايرانية تعتبر وطيدة جدا مع دول المنطقة، حيث انه قبل فترة وجيزة استضافت ايران سلطان عمان في زيارة كريمة له الى البلاد تلبية للدعوة الموجهة اليه، بعدما زار فخامة الرئيس ابراهيم رئيسي سلطنة عمان السنة الفائتة، وكذلك في زيارة مماثلة قام بها فخامة الرئيس الى دوله قطر وردا على هذه الزيارة زار ايران سمو الشيخ تميم آل ثاني الجمهورية الاسلامية.

لذلك نرى فاننا نرى بان مثل تلك العلاقات تجري باعلى المستويات حيث ان ايران وجيرانها واجتماعات اللجان المشتركة سواء ما بين خفر السواحل واللجنة السياسية والاقتصادية جميعها ما بين ايران وجيرانها لا تزال سارية. وقبل فترة وجيزة استقبلنا وزير دولة الامارات العربية المتحدة خليفة شاهين، وكذلك تم استقبال مستشار الامن القومي في جمهورية العراق قاسم الأعرجي، كل تلك الزيارات هي جارية بين ايران ودول المنطقة وجارها العراق.

وقد ارتفع التبادل التجاري مع العراق بما يزيد عن 10 مليارات دولار ومع الامارات العربية المتحدة فوق 20 مليار دولار وسلطنة عمان يفوق عن مليارين دولار، وكل تلك التجارة البينية والاقتصاد والاستثمار والتعاملات ما بين ايران وجيرانها تنمو وتكبر، فهل نحن مكتفين الى هذا الحد؟ نقول، توجد مجالات عديدة كالسياحة والسياحة الطبية وفي مجال الترانزيت في ايران، كل هذا يعتبر طرقاً مواتية من اجل تفعيل هذا التعاون.

العالم: دكتور انتم خبير في العلاقات الاقليمية خاصة بين دول المنطقة، ولديكم باع طويل في هذا المجال، السؤال الذي يطرح في مقابل جهود ايران بتعزيز وتنمية علاقاتها مع دول المنطقة وكذلك رغبة الاخيرة بتعزيز التعاون مع ايران، هل بامكان الدول الاخرى ان كانت دولية او اقليمية ان تؤثر على هذه العلاقات وتفشل هذه المساعي، مثلاً الولايات المتحدة الامريكية لم ترحب بالاتفاق الايراني السعودي، ولا يروق لها التقارب الايراني العربي.

عنايتي: عن اعادة العلاقات بين ايران والسعودية رحب بها الكثير من الاشقاء والاصدقاء وكان البعض لديه شيء من التذمر تجاه تلك العلاقات، والبعض الاخر مثل الكيان الصهيوني كان هذا الامرصعبا عليه ودخل في موضوع محاولة تدمير هذه العلاقات الايرانية السعودية.

ولكننا نقول ان ما هو الاهم اليوم نريد ان نتعاون اكثر فاكثر مع بعض واعطاء الاولوية للامن من منظار جديد، الأمن المبني على التنمية ونحن نرحب بهذه الفكرة".

الأمن لا يأتي من السلاح والذخائر ومن القوات المسلحة، عسكرية الأمن هو خطأ فادح ولابد ان يكون الأمن بمفهومه الجديد يبنى على التنمية الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية ونحن مع هذه الفكرة. استتباب الامن على هذا المنظور يؤدي الى تصفير او تقليل حضور القوات الاجنبية في المنطقة، وعندما تتكاتف وتتعاون جميع دول المنطقة مع بعض، فلن يتأثر التعاون الجماعي ما تحيك ضده الاطراف الاخرى خارج المنطقة.