المسلمون في فرنسا.. بين عنصرية النخب السياسية وعنف الشرطة

المسلمون في فرنسا.. بين عنصرية النخب السياسية وعنف الشرطة
السبت ١٠ يونيو ٢٠٢٣ - ٠٦:٠٠ بتوقيت غرينتش

"هذا البلد يستحق حربا عرقية قذرة. على هؤلاء الكلاب أن ينفقوا". "أنا لا أنتظر إلا شيئاً واحداً: أن ينفق كل هؤلاء الناس .. سيسمح ذلك بتجديد العرق الإنساني والعرق الأبيض قبل أي شيء"، هذا بعض ما تبادله عناصر في الشرطة الفرنسية، في مدينة روان، شمال غربي فرنسا، فيما بينهم في مجموعة محادثة تجمعهم على تطبيق "واتساب".

العالم كشكول

هذا الحوار بين عناصر الشرطة الفرنسية، جرى عام 2022 عندما كانت الشرطة تقمع تظاهرات شهدتها فرنسا احتجاجا على مقتل المواطن الامريكي جورج فلويد أثناء إلقاء شرطي القبض عليه، وكذلك ضد عنف الشرطة الفرنسية، وهو عنف لقي رفضا وادانة حتى من الامم المتحدة والدول الاوروبية الاخرى، بعد ان وصل الى مستويات وصفت بالوحشية.

عنصرية الشرطة الفرنسية هو جانب من ظاهرة العنصرية التي تنخر المجتع الفرنسي، وهي عنصرية لم تأت من فراع، فهناك تقارير فرنسية واممية كشفت عن تورط زعماء سياسيين فرنسيين ورؤساء احزاب ونخب سياسة واعلامية وصحفية يمينية، في تأجيج العنصرية وكراهية غير الاوروبيين، من عرب ومسلمين وملونين، في المجتمع الفرنسي، فالأرقام والمعطيات الموثقة، تثبت وجود ارتباط وثيق ما بين ارتفاع وتيرة الاعتداءات ضد المسلمين واللاجئين والملونين، وبين تزايد وتيرة الخطاب العنصري لهذه النخب الفرنسية.

المعروف ان اغلب النخب السياسة اليمينية في فرنسا، تتبنى نظرية "الاستبدال الكبير"، التي تروج لفكرة أن نخبة صغيرة تحيك مؤامرة ضد الفرنسيين والأوروبيين البيض، لاستبدالهم بأشخاص غير أوروبيين من أفريقيا والشرق الأوسط، معظمهم من المسلمين.ففي عام 2021 اصدر إيريك زمور اليميني المتطرف ،كتابا تحت عنوان "فرنسا لم تقُل كلمتها الأخيرة"، قال فيه: ان "سياسة تذويب الأجانب داخل فرنسا تتطلب من كل أجنبي تجريد نفسه من أي انتماء ديني أو ثقافي أو اجتماعي سابق ليعيش فقط على الطريقة الفرنسية".

زمور هذا وبدلا من ان يُحاكم على اثارته للكراهية في المجتمع الفرنسي، ترشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2022، والقى اكثر من خطاب انتخابي، دعا علنا الى تحرير فرنسا مما أسماه "الاحتلال الإسلامي".

اما مارين لوبون زعيمة حزب الجبهة الوطنية، والتي ترشحت للاانمتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2022، فقد دأبت خلال مشوارها السياسي، على التحذير من "خطر الإسلام الذي يهدد الثقافة الفرنسية"، كما شبهت عام 2010 صلاة المسلمين في الشارع بالاحتلال النازي لبلادها.

اللافت ان الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون، سعى الى ركوب موجة العنصرية في فرنسا، واستغل كل مناسبة لمحاربة الإسلام والتضييق على المسلمين منذ خطابه الشهير عام 2020، الذي أعلن فيه أن "الإسلام ديانة تعاني أزمة في كل العالم وليس في فرنسا فقط". وترجم خطابه سريعا بإقرار قانون "الانعزالية الإسلامية" الذي خلق أزمة وفجر جدلا في فرنسا.

خطابات النخب الفرنسية، ترجمت من قبل المتطرفين الى جرائم عنصرية في غاية الخطورة استهدفت المسلمين واللاجئين، فوفقا للجنة الفرنسية لحقوق الإنسان، فإن 34٪ من الفرنسيين ينظرون إلى الإسلام نظرة سلبية، و50٪ منهم يعدونه تهديدا للهوية الوطنية..

اما موقع "ميديا بارت" الفرنسي، فقد كشف في تحقيق خاص أن عدد الهجمات الموثقة والمعلنة ضد مساجد في فرنسا منذ 2019 بلغت العشرات، وتعرض العديد من المسلمين عام 2021 لاعتداءات، وهناك العديد منهم فضل عدم التبليغ عن تلك التهديدات والاعتداءات لأنهم يعرفون أن ما سيجنونه من تحركاتهم هو التعب، وستحفظ القضية في نهاية المطاف وتصنَّف ضد مجهول.

اما مأساة اللاجئين في فرنسا، فحدثت ولا حرج، ففي 4 أبريل/ نيسان عام 2022، نشر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تقريرا وثق فيه ممارسات عنصرية وغير إنسانية تجاه اللاجئين الغير أوروبيين، حيث أصدرت السلطات الفرنسية قرارا بطرد اللاجئين الغير أوروبيين من مراكز الإيواء ليحل محلهم لاجئون أوكرانيون.

اللاجئون الى فرنسا يحشرون في مراكز بُنيت بطريقة لا ترتبط فيها المساحات المختلفة مع بعضها البعض، وافضل نموذج لهذه المراكز مركز ليون، الذي يعيش فيه المحتجزون في عزلة وسط جدران من الأسلاك الشائكة، مع القليل من الضوء الخارجي وليس لديهم أي شكل من أشكال التواصل مع الخارج.

هذه الاجواء المشحونة بالعنصرية والكراهية، وجدت تجسيدها العملي ايضا، في عنف الشرطة التي تحولت الى عصا غليظة بيد السلطات الفرنسية، التي تستخدمها وبشكل مفرط ضد كل تظاهرة سلمية كما حدث خلال تظاهرات السترات الصفر عام 2018 وتظاهرات قانون التقاعد.

وبحسب تحقيق نشره "المدافع عن الحقوق" جاك توبون، وهو يمثل هيئة إدارية عليا مستقلة، في عام 2017، فإنّ احتمال تعرّض شباب سود أو عرب للتوقيف والمساءلة من قبل رجال الأمن تزيد 20 مرة عن احتمال تعرّض شاب أبيض لذلك.

هذه الأرقام والحقائق تجعل الحديث عن "عنصرية منهجية" لدى رجال الأمن أمرا متفقا عليه لدى أكثر المتابعين للملف من باحثين وناشطين. وهي، على أي حال، عنصرية مختلفة عن العنصرية التي قد تمارسها باقي شرائح المجتمع. ويقول جوبار: "لا يمكن اتخاذ الشرطة مثالا عن العنصرية في بقية المجتمع الفرنسي. الشرطة حالة خاصة. قد يفرّغ شخص ما عنصريته عبر الحديث عن أو إلى شخص آخر، أمّا الشرطي فيمارسها في الفضاء العام وباسم القانون أمام أعين الناس وعدسات الكاميرات".