جريمة "شاهجراغ".. كيف نفكك شفرتها؟

جريمة
الإثنين ١٤ أغسطس ٢٠٢٣ - ٠٦:٥٣ بتوقيت غرينتش

الصراع الذي نشهده في منطقتنا، ليس صراعا طائفيا او عرقيا، كا تروج له الدوائر المغرضة، بل هو صراع بين ارادتين، بين ارادة تريد تسييد "إسرائيل"، والاستحواذ على خيرات المنطقة، عبر تفكيك دولها وشرذمة شعوبها، وارادة مصممة على الوقوف في وجه كل ذلك والحيلولة دون استباحة المنطقة وتشتيتها، وتمثل امريكا والكيان الاسرائيلي اذنابهما في المنطقة، الارادة الاولى، بينما تمثل ايران ومحور المقاومة الارادة الثانية.

العالم كشكول

انطلاقا من هذه الرؤية لما يجري في منطقتنا، لا يمكن ان نفصل بين ما يجري في ساحاتها المتشابكة، من تطورات واحداث، فالذي حدث بالامس من جريمة ارهابية وحشية نفذتها صنيعة امريكا و"اسرائيل" جماعة "داعش" التكفيرية في مزار السيد احمد ابن الامام موسى الكاظم عليه السلام في شيراز (المعروف بشاهجراغ) جنوبي ايران، والذي اسفر عن استشهاد شخص واحد واصابة سبعة آخرين، لا يمكن درجه في خانة "صراع سني شيعي"، كما تحاول امريكا " اسرائيل" واذنابهما الترويج له، فمثل هذا الصراع لا وجود له في ايران، التي يعيش فيها الشيعة والسنة وباقي اتباع الطوائف والاديان المختلفة منذ مئات السنين جنبا الى جنب، كأخوة وابناء وطن واحد، وخير دليل على ذلك، عندما اختلطت دماء الجميع في الدفاع عن ايران ابان الحرب التي شنها الطاغية صدام بتشجيع وتحريض وتسليح ودعم امريكا واذنابها على مدى ثماني سنوات.

ليس صدفة ان تبعث الحياة مرة اخرى في "داعش"، التي بدات تنشط وبشكل ملحوظ في المنطقة، حيث نفذت هذه الجماعة التكفيرية ثلاث هجمات في سوريا منذ مطلع الشهر الحالي فقط، وكان الهجوم الثالث الأكثر دموية، عندما استهدفت حافلة تقل جنودا سوريين في دير الزور واسفر الهجوم عن استشهاد واصابة العشرات من الجنود، الامر الذي يؤكد ان الوتيرة المتصاعدة للهجمات والأعمال الإرهابية في سوريا في الأشهر الأخيرة ناجمة عن استمرار الدعم الاستخباراتي والأمني ​​واللوجستي الذي تقدمه امريكا للإرهابيين.

من الواضح ايضا ان الهجمات التي تشنها "داعش" على الجيش السوري، لا يمكن فصلها عن الاعتداءات التي يشنها الكيان الاسائيلي على هذا الجيش، فهناك تنسيق متكامل بين الجانبين ترعاه امريكا لتحقيق اهداف مشتركة باتت مكشوفة ومفضوحة، كما لا يمكن فصل هجمات "داعش" و اعتداءات الكيان الاسرائيلي، عن الحصار والعقوبات التي تفرضها امريكا على سوريا، الى جانب سرقتها لنفط ومحاصيل سوريا الزراعية لفرض واقع مزر على الشعب السوري.

ما حدث في ايران وما يحدث في سوريا لا يمكن فصله ايضا عن عما يحدث من تحشيد عسكري امريكي مكثف في البحر الاحمر وبحر عمان ومضيق هرمز، وكذلك عما يجري في العراق، حيث تشير المعلومات الواردة من قاعدة عين الأسد الجوية في الانبار، الى نية القوات الأمريكية إغلاق الشريط الحدودي مع سوريا غربي الأنبار، لدواع غير واضحة بالتزامن مع وصول تعزيزات حربية للقوات الأمريكية المتمركزة داخل العمق السوري.

ما حدث في ايران وسوريا و ما قد يحدث في العراق، لا يمكن فصله ايضا عن الاعتداء المسلح الذي حصل على عناصر حماية شاحنة لحزب الله انقلبت على طريق بلدة الكحالة في جبل لبنان والذي أدى الى استشهاد احد عناصر الحزب، وهو اعتداء كان الهدف منه احداث فتنة تحرق الاخضر واليابس في لبنان لمصلحة "اسرائيل" الا ان وعي المقاومة، وسرعة تعامل الجيش اللبناني وأد الفتنة.

اما الحديث عما يجري في اليمن، الذي روج له الاعلام الامريكي واذنابه على انه صراع بين دول الاقليم او انه صراع طائفي، فهو حديث يطول، فكل الذي تفعله امريكا اليوم من بث الحياة مرة اخرى في "داعش" وارتكاب الجرائم المخزية في ايران وسوريا واليمن والعراق ولبنان و..، واستعراض لقوتها العسكرية في مياه المنطقة، وتحركاتها المشبوهة، تعكس وبشكل واضح ارباكها وضعفها، فمن الواضح انها تحاول من خلال هذه الاساليب القاء طوق نجاة لـ"اسرائيل" المهددة بالانهيار، والتي هي الان بامس الحاجة الى تزريق الدماء في جسدها الذي بات يتكلس وقد يتلاشي في اي لحظة.

في المقابل، انه بفضل وعي شعوب المنطقة، التي ادركت اهداف المحور الامريكي، الذي يعمل على شن حملة تحريض سياسي وطائفي وإعلامي تترافق دائما مع كل جريمة يرتكبها عملاء هذا المحور، كما حصل في ايران وسوريا ولبنان واليمن والعراق و..، لم ولن تحقق امريكا اهدافها في المنطقة، مادامت هذه الشعوب ادركت تفاصيل اللعبة الامريكية، وتعرفت على وجوه عملائها، فهؤلاء العملاء لا يمثلون هذه الشعوب، بل هم منبوذون من قبلها، لذلك ليس امام امريكا من خيار، الا ان تترك المنطقة وتكف عن عبثها في زرع الفتن بين دولها وشعوبها، فالاتكال على "داعش" وبعض العملاء والخونة والموتورين والمجرمين واصحاب التاريخ الدموي في هذا البلد او ذاك، لن يحقق لهم اهدافهم، فكل هؤلاء ليسوا سوى اوراق محروقة، والكلمة الاخيرة ستكتبها الشعوب، شاءت امريكا ام أبت.