في خطابة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.. بايدن يقول ما لا يفعل

في خطابة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.. بايدن يقول ما لا يفعل
الأربعاء ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٣ - ٠٧:٥٨ بتوقيت غرينتش

كل ما جاء في الكلمة التي القاها الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم امس الثلاثاء بافتتاح الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، كان تناقضا فاحشا بين القول والعمل، فكل القضايا التي شدد بايدن عليها في خطابه، اتخذت امريكا منها موقفا متناقضا جدا مع ما قاله .

العالم كشكول

من اجل الوقوف على هذا التناقض الفاحش بين القول والعمل، سنتوقف سريعا امام ما قاله بايدن ازاء القضايا الدولية، والموقف العملي الامريكي ازاءها، ليتبين حجم النفاق الامريكي، الذي تجاوز حد الكذب، وهو نفاق تعتقد امريكا ان بامكانها التغطية عليه بفضل هيمنتها على النظام العالمي الحالي.

تحدث بايدن عن "استمرار الجهود الأميركية لإصلاح منظمة التجارة العالمية والحفاظ على المنافسة والانفتاح والشفافية وسيادة القانون"، وهو قول تكذبه افعال امريكا على ارض الواقع، فامريكا تقوم بوأد اي منافس لها على الساحة الدولية وخاصة على الساحتين الاقتصادية والسياسية، وما محاولاتها المحمومة لافشال العلاقات الاقتصادية بين دول العالم والصين، الى الحد الذي تتدخل في تغيير الحكومات والانظمة في العديد من دول العالم، لمنع هذه الدول من التعاون مع الصين الا غيض من فيض هذه المواقف ، فامريكا لا تؤمن لا بتنافس ولا بشفافية ولا انفتاح ولا حتى قانون دولي، فهي تعتبر قوانينها بديلا للقانون الدولي ، وعلى اساسه تخنق الدول والشعوب التي تعارض النظام العالمي الاستبدادي الذي تهيمن عليه .

تحدث بايدن عن المناخ و "الحاجة إلى المزيد من الاستثمارات وحشد التمويل لمقاومة تغيير المناخ والحد من الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري، وان امريكا تعاملت مع أزمة المناخ باعتبارها تهديدا وجوديا ليس للولايات المتحدة فقط بل للبشرية جمعاء"، وهو قول تكذبه الحقائق على الارض ، فامريكا ورغم انها من اكبر الدول المولدة للغازات التي تتسبب بالاحتباس الحراري، والذي يتسبب بالجفاف والكوارث الطبيعية، الا انها مرة تنسحب من اتفافية باريس للمناخ، ومرة اخرى تنضم اليها، وتحاول دائما تحميل الاخرين مسؤولية ما اقترفته .

وتحدث بايدن عن الحرب في اوكرانيا وقال ان روسيا تتحمل مسؤولية ما وصفها بـ"الحرب غير المشروعة" في أوكرانيا.. ودعا للوقوف في وجه روسيا "لردع أي معتدين محتملين آخرين في المستقبل"، وشدد على ان امريكا لن تقبل باستمرار الحرب ضد اوكرانيا "دون محاسبة". هنا نسأل هل كان الغزو الامريكي لافغانستان والعراق مشروعا؟، الا يجب محاسبة امريكا على ما قترفته من جرائم فظيعة في هذين البلدين؟، ان امريكا فوق القانون، وتفعل ما يحلو لها، دون خشية من محاسبة او مساءلة؟، الا تعتبر تلك الحروب الظالمة التي شنتها امريكا على العديد من الدول، كانت سببا في تشجيع الاخرين، على استخدام القوة العسكرية لحل المشاكل التي كان بالامكان حلها بالوسائل السياسية؟.

وتحدث بايدن في خطابه عن ايران وقال "إن إيران يجب أن لا تمتلك أبدا أسلحة نووية"، وان ايران "تزعزع الاستقرار وتهدد الأمن الإقليمي والعالمي"!!.هنا نسأل بايدن، من الذي يهدد امن واستقرار المنطقة والعالم، ايران التي تمسكت حتى هذه اللحظة بالاتفاق النووي، المدعوم بالقرار الدولي الصادر عن مجلس الامن رقم 2231، ام امريكا التي رفضت حتى تطبيق بنوده في ظل ادارة اوباما، وانسحبت منه في ظل حكومة ترامب، والان ترفض العودة اليه في ظل حكومة بايدن؟!، ومن الذي يسعى الى امتلاك السلاح النووي، ايران التي وقعت بارادتها على الاتفاق النووي، وايد اكثر من 15 تقريرا صادرا عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، سلمية برنامجها النووي، الذي يخضع على مدار الساعة للتفتيش، ام الكيان الاسرائيلي، الذي يمتلك ترسانة من الاسلحة النووية، ويتمتع بدعم امريكي لاحدود له، وهو دعم يمنع اي جهة دولية، من مساءلته او الضغط عليه للانضمام الى معاهدة حظر الانتشار النووي، ويشكل تهديدا لامن واستقرار المنطقة والعالم.

تحدث بايدن عن كوريا الشمالية، وقال ان كوريا الشمالية تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي، وان امريكا ملتزمة بالدبلوماسية لتحقيق نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية. ما قاله بايدن عن كوريا الشمالية لم يتجاوز سطرين، ورغم ذلك تضمن كذبتين كبيرتين، الاولى انه ليس هناك من بلد في العالم انتهك قرارات مجلس الامن مثل امريكا وربيبتها "اسرائيل"، اما الدبلوماسية التي تلتزم بها امريكا، فهي دبلوماسية الصواريخ والغزو والاحتلال، والتاريخ المعاصر خير دليل على ذلك، ولم تلجأ امريكا للدبلوماسية الا عندما يكون الطرف الاخر قوي يمكن ان يرد لها الصاع صاعين.

دعم امريكا لـ"سلام عادل ودائم بين إسرائيل وفلسطين بهدف إقامة دولتين لشعبين"، كانت من اكبر اكاذيب بايدن، فامريكا لم ولن تؤمن بالسلام، حتى وفقا لما تعلنه في العلن، فالسلام الذي تعنيه امريكا، هو "سيادة اسرائيل على المنطقة" ، وحرمان الشعب الفلسطيني من كل حقوقه وفي مقدمتها حق العودة، وما الدعم الامريكي الاعمى وغير المحدود للكيان الاسرائيلي، حتى عندما تكون هناك حكومة معروفة للعالم بارهابها وعنصريتها ووحشيتها، في الكيان الاسرائيلي، الا دليل واضح وفاضح، ان امريكا لم ولن تكون يوما طرفا محايدا في القضية الفلسطينية، فهي تتبنى موقف الكيان الاسرائيلي، بل وتزايد عليه..

هذه كانت بعض اكاذيب بايدن في خطابة امام الجمعية العامة للامم المتحدة، ولم نتاول جميعها ، فالخطاب كل من اوله الى اخره اكاذيب في اكاذيب، حتى عندما تحدث عن وقوف بلاده إلى جانب الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) لدعم الأنظمة الدستورية في الدول الأفريقية، فالرجل فضح بهذا القول نفسه وبلاده، التي ترتبط بعلاقات استراتيجية مع دول استبدادية تحكمها انظمة عسكرية، كما كانت وراء العديد من الانقلابات التي وقعت في العالم، ضد حكومات وطنية وانظمة شرعية، وفي مقدمتها حكومة محمد مصدق في ايران عام 1953.