معدلات "مرتفعة ومقلقة" للإصابة بمرض خطير يهدد لبنان!

معدلات
الإثنين ٠٢ أكتوبر ٢٠٢٣ - ٠٣:٠٥ بتوقيت غرينتش

أظهرت دراسة أجريت عام 2016 زيادة مقلقة في الإصابة بمرض ألزهايمر في لبنان بالمقارنة مع دول أخرى في العالم، مما يدعو إلى التساؤل حول الأسباب التي أدت إلى ذلك.

العالم- لبنان

تقفز أرقام الإصابات بداء ألزهايمر على مستوى العالم ككل بالفعل، فمع التطورات الطبية الحاصلة وارتفاع معدل سنوات العيش في العالم، تزيد معدلات حصول تغييرات في الجسم والدماغ، فتكثر المشكلات التي تظهر مع التقدم بالسن ويزيد احتمال ظهور الأمراض المزمنة.

في لبنان، بحسب دراسة أجرتها الدكتورة مونيك شعيا في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت عام 2016، سجل ارتفاع ملحوظ في معدلات الإصابة بمرض ألزهايمر بالمقارنة مع دول أخرى، ليدقّ نتيجتها ناقوس الخطر نظراً إلى الأرقام المقلقة التي كشفت عنها.

وبينما لم تظهر معلومات واضحة حول هذا الموضوع ولم تتضح الأسباب وراء هذه الزيادة، تنطلق دراسة "صحة كبارنا" الجديدة للبحث عن أسباب هذه النتائج وتأثيرها السلبي في الإدراك الذهني.

ومن المقرر أن تتناول الدراسة 3000 شخص في عمر الـ60 سنة وما فوق، وثمة احتمالات عدة وضعها الباحثون حول الأسباب وراء هذه الزيادة في معدل الإصابة بداء ألزهايمر، سعياً إلى الإسهام في مواجهتها بالسبل المتاحة مثل الأنشطة والاختبارات والفرص الاجتماعية.

في لبنان بشكل خاص، تعتبر معظم عوامل الخطر التي تؤثر في الإصابة بالمرض قائمة بشكل يدعو إلى القلق، فعلى سبيل المثال تشير البجاني إلى حملات التوعية الموجودة في مختلف أنحاء العالم لمكافحة التدخين وللتشجيع على ممارسة الرياضة، في حين لا تتوافر استراتيجيات من هذا النوع لنشر الوعي في لبنان.

وفي لبنان حيث يسجل تراجع في معدلات المتابعة الطبية وسط الأزمة والوضع المعيشي الصعب، تبرز ضرورة متابعة أي مشكلة صحية يمكن أن تؤثر في الأوعية الدموية وصحة الدماغ والسعي إلى ضبط الأمراض مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول، إذ تبين أن معالجة هذه الأمراض وإبقاءها تحت السيطرة مع المتابعة الطبية يقللان إلى حد كبير من أثرها على الدماغ، ليبلغ حداً أقرب إلى من لا يعانيها، وبالتالي إعطاء الأولوية للصحة يشكل جزءاً من الوقاية من مرض ألزهايمر.

من المرجح أن يكون للأزمة بكل ما سببته من ضغوط في مختلف نواحي الحياة على المسنين أثر أكبر بعد على هذه المستويات، فحتى اللحظة وعلى رغم كثرة الدراسات والأبحاث حول هذا المرض الذي يطاول المسن ومن حوله، لم يكن من الممكن إيجاد العلاج المناسب له وإن كانت هناك نتائج واعدة.

يبقى مرض ألزهايمر عبئاً ثقيلاً على المريض ومحيطه، خصوصاً أنه يفقده ذكرياته وقدراته واستقلاليته وحتى حبه لأقرب المقربين إلى قلبه، إنما في الأقل، هناك خطوات عدة يمكن اللجوء إليها في نمط الحياة للحد من خطر الإصابة به وليستمتع المسن بعيش كريم بين أحبائه.

ومن جهة أخرى، لا بد من أخذ تداعيات الأزمة في الاعتبار، لذلك وضعت ضمن الأسباب المحتملة لارتفاع معدلات الإصابة بمرض ألزهايمر في البلاد، فقبلها كانت للمسن تغطية صحية خسرها، كما فقد الشعور بالأمان فجأة بعدما خسر جنى عمره، علماً أنه ما من دراسات تناولت الأزمة اللبنانية وتأثيرها في هذا المجال حتى اللحظة، إنما تناولت دراسات سابقة أزمات أخرى وأظهرت تداعياتها المهمة على صحة الفرد وعلى النظام الصحي.

بشكل عام، تكثر العوامل التي تبرر زيادة معدلات الإصابة بمرض ألزهايمر في لبنان، والتدخين الذي ترتفع معدلاته بشكل كارثي أحدها، نظراً إلى آثاره على الأوعية الدموية، وكذلك بالنسبة إلى التوتر والضغوط التي تزيد في البلاد.

في المقابل، يؤثر عنصران إيجاباً في مواجهة الإصابة بمرض ألزهايمر هما النظام المتوسطي الذي يعتبر أهم الأنظمة الغذائية لصحة الدماغ ويشكل عنصر حماية في مواجهة مختلف الأمراض المزمنة، وتوافر الدعم الاجتماعي في العائلة والتواصل والعلاقات المتينة التي تستمر بين المسنين وأفراد عائلاتهم وتحمل مسؤوليات أولادهم وأحفادهم، وهي من العناصر الإيجابية في مواجهة داء ألزهايمر، وإن كان من المفترض دراسة ما إذا كان ذلك قد تغير في ظل الهجرة المتزايدة.

وتشير الدراسة إلى العوامل التي تؤثر سلباً في القدرات الذهنية وتلك التي لها أثر إيجابي.

عوامل عدة

تتعدد العوامل التي تقوم بدور في الإصابة بمرض ألزهايمر بشكل عام مثل الخبرات الاجتماعية التي أظهرت دراسات عدة أنها تؤثر في الإصابة بألزهايمر من سن مبكرة مثل العيش في محيط سليم وتوافر فرص التعليم أو عدم توافرها، وإن كان هذا لا يعني أن كل من يعاني صعوبات في هذا المجال في حياته يصاب بالمرض حتماً، فهي عوامل خطر ليس إلا.

ومن تلك العوامل أيضاً التعرض للتوتر في الحياة واستخدام القدرات الذهنية في الحياة بمعدلات معينة والاستمرار بذلك في مختلف مراحل الحياة، كما في حال التعلم، وكذلك نمط الحياة المتبع ووجود عوامل خطر ترتبط بالمشكلات المزمنة التي تؤثر في الأوعية الدموية مثل السكري وارتفاع مستوى ضغط الدم والكوليسترول والتدخين، أما ممارسة الرياضة فلها أثر إيجابي على صحة الأوعية الدموية.

ولفتت الدراسة إلى الظروف التي يعيش فيها المسن، وما إذا كان يلقى الرعاية اللازمة، أو يمر بأزمات، أو يشارك في نشاطات ويقيم علاقات اجتماعية.

لا علاج والوقاية ممكنة

ما من حل سحري حتى الآن للحد من معاناة مريض ألزهايمر ومحيطه ووقف تداعيات المرض عليه، حتى إنه يصعب التحدث عن إجراءات تسمح بتوفير الحماية التامة من المرض وتضمن عدم الإصابة به.

في المقابل، ثمة خطوات معينة تضطلع بدور في الحد من احتمال الإصابة بمرض ألزهايمر وهي نفسها تحد من خطر الإصابة بمختلف الأمراض مثل التركيز على النظام الغذائي المتوسطي الذي يعتمد على السمك والخضراوات والفاكهة والحبوب كنظام أمثل لصحة الدماغ وممارسة الرياضة بانتظام مثل رياضة المشي والنوم بمعدلات كافية وممارسة أنشطة تساعد على تعزيز القدرات الإدراكية وتحفيز نشاط الدماغ مثل القراءة وحل الأحجيات.

وكذلك فإن ممارسة هوايات تحفز المهارات اليدوية وتنشط الدماغ مثل أعمال الخياطة والعناية بالحدائق، لها أثر إيجابي مهم في مواجهة مرض ألزهايمر، والحرص على العلاقات الاجتماعية، إذ تشكل جزءاً مهماً من الحلول للحفاظ على صحة الدماغ والقدرات الإدراكية، لذلك تركز الدول المتقدمة على إشراك المسنين في الأنشطة وفي الحياة الاجتماعية حالياً، وهذه الفرصة متاحة في لبنان نظراً إلى العلاقات المتينة ضمن العائلات والمجتمع وبوجود المسؤوليات التي تستمر عبر الأجيال عندما يتولى الأجداد رعاية أحفادهم وأبنائهم.

التشخيص المبكر ضروري

يحتمل أن تبدأ عادة أعراض داء ألزهايمر بالظهور بعد عمر الـ 60 سنة، إنما تشير الدراسات إلى أن المرض يبدأ بالتطور قبل هذه الفترة بعقود وتجتمع عناصر عدة ترتبط بنمط الحياة وتؤثر ربما في تطور المرض.

الطبيبة الاختصاصية في علم الأوبئة في الصحة النفسية والإدراكية بمستشفى الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة مارتين البجاني أوضحت أن داء ألزهايمر هو اضطراب في الدماغ يظهر مع التقدم بالسن ويصيب الإمكانات الإدراكية الذهنية، ويتطور مع مرور الأعوام من دون أن يكون من الممكن وقف تطوره بالأدوية وهو أكثر أنواع الخرف انتشاراً في العالم.

وقالت إنه بشكل عام تحصل تغييرات في الدماغ مع الشيخوخة لدى أي إنسان، لكن يمكن أن تحصل تغييرات قصوى تظهر نتائجها من خلال مشكلات تؤثر بعمق في الذاكرة وفي نمط عيش المريض وفي قدرته على اتخاذ القرارات والتمتع باستقلالية وإنجاز أبسط الأمور.

وأشارت إلى أن أحد نوعي داء ألزهايمر ذلك الذي يظهر في سن مبكرة وهو الأقل شيوعاً، ويكون له سبب جيني قوي عادة، أما النوع الثاني الأكثر شيوعاً، فهو ذاك الذي يظهر مع التقدم بالسن ويرتبط بعوامل عدة تجتمع معاً.

وتشدد البجاني على ضرورة أن يحصل التشخيص من قبل طبيب اختصاصي في أمراض المسنين ليكون أكثر دقة وفاعلية، فهو قادر على الكشف عن المرض من بداياته مع ظهور تدهور بسيط في الذاكرة والقدرات الذهنية الإدراكية، مما يساعد المريض ومحيطه على الاستعداد والتأقلم مع المرض وتطوراته بكل ما يفرضه على نمط حياتهم، لذلك ما إن يلاحظ الشخص مشكلة على مستوى الذاكرة، يجب أن يلجأ إلى الطبيب المتخصص ومن الممكن أن يساعد "السكانر" على اكتشاف تغييرات معينة في الدماغ لتأكيد التشخيص. أما التشخيص في مرحلة متأخرة من المرض، فيعتبر سهلاً وما من صعوبات يواجهها الطبيب في الكشف عنه.

ومن الممكن أن يتطور مرض ألزهايمر سريعاً لدى بعضهم وببطء لدى آخرين، وبما أنه لا يتوافر علاج له حتى اللحظة، تتوجه الأبحاث والدراسات نحو إيجاد الحلول التي تساعد ربما على الحد من تطور المرض ومواجهته أو التأقلم معه بشكل أفضل في حال ظهوره، مع الإشارة إلى أنه ثمة عوامل عدة يمكن أن تقوم بدور في تغيير مجرى تطور المرض ومساره.

وحتى في حال ظهوره، هناك إجراءات عدة تسهّل حياة المريض وعائلته وتخفف من أعباء ألزهايمر عليهم، خصوصاً بوجود تداعيات نفسية في غاية القسوة لهذا المرض الذي يمحو ذكريات المريض مع عائلته ويحرمه فرصة الاستمتاع بحب أفرادها الذين هم الأقرب إلى قلبه.