خلال جولته في المنطقة..

هل حاول بلينكن ضرب مساعي جنوب أفريقيا لإدانة "إسرائيل"؟

هل حاول بلينكن ضرب مساعي جنوب أفريقيا لإدانة
الأربعاء ١٠ يناير ٢٠٢٤ - ٠٩:٣٢ بتوقيت غرينتش

اكثر ما يقال، في الاعلام والصحافة الامريكية وكذلك في اعلام وصحافة الكيان الاسرائيلي، عن اهداف زيارة وزير الخارجية الامريكية انتوني بلينكن للمنطقة، ليس سوى ذر للرماد في العيون، للتعتيم على الهدف الرئيسي الذي جاء من اجله بلينكن الى المنطقة، وهو هدف لا يمت من قريب ولا بعيد، بالفلسطينيين والابادة الجماعية التي يتعرضون لها في غزة.

العالم مقالات وتحليلات

على سبيل المثال لا الحصر، ذكرت القناة "الـ12" الإسرائيلية، ان اللقاء الذي جرى بين بلينكن ورئيس وزراء كيان الاحتلال، بنيامين نتنياهو، "كان متوترا"، وان "واشنطن بدأت تفقد صبرها"، لرفض الكيان، عودة الفلسطينيين إلى شمالي قطاع غزة. وهو ما كرره موقع "أكسيوس" الأميركي، عندما ذكر ان بلينكن أوضح "للمسؤولين الإسرائيليين" أن واشنطن تريد "عودة سكان شمالي قطاع غزة الى بيوتهم"، لكن "الاسرائيليين" رفضوا.

امريكا تحاول من خلال هذه السياسة تجسيد دور الشرطي الجيد، في لعبة تقاسم الادوار مع "الشرطي السيىء" وهو "اسرائيل"، في محاولة فاشلة، للمتلص من مسؤوليتها المباشرة والتي لا تقل عن "اسرائيل" في جريمة الابادة الجماعية التي ترتكب ضد اهالي غزة، وهي مسؤولية ستكون لها تداعيات كبيرة على ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن، التي لم تعزل امريكا عن العالم، بدعمها اللامحدود والاعمى للكيان الاسرائيلي في عدوانه على غزة، فحسب بل بمنعها اي محاولة لوقف هذا العدوان عبر استخدامها الفيتو اكثر من مرة في مجلس الامن الدولي.

صحيح ان بلينكن جاء الى المنطقة وفي جعبته عدة اهدافها من بينها، مساعدة "إسرائيل" على الخروج من مستنقع غزة، واحياء مشروع التطبيع مع السعودية و"استيعاب اسرائيل في المنطقة" وفقا لتعبيره، وان تتولى الدول العربية مسؤولية اعادة اعمار ما دمرته "اسرائيل" في غزة!، والحديث عن "حل الدولتين"، لكن الهدف الابرز والاكبر والرئيسي لجولة بلينكن للمنطقة، وهو هدف لم يتوقف امامه الكثيرون، كان الضغط على الدول العربية لمنعها من الانضمام إلى القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد الكيان الاسرائيلي امام محكمة العدل الدولية، والتي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، بهدف افراغها من مضمونها وافشالها، ففي حال تم إدانة الكيان الاسرائيلي، عندها ستكون امريكا في دائرة الادانة ايضا.

هذه الحقيقة تكشفت وبشكل اوضح عندما انتقد رئيس الكيان الاسرائيلي إسحق هرتسوغ، خلال استقباله بلينكن امس، جنوب أفريقيا، بسبب إقامتها الدعوى ضد كيانه، وقال انه "لا يوجد ما هو أكثر وحشية وسخافة" من هذه الدعوة، مكررا ذريعة الكيان المعروفة بان "اسرائيل تدافع عن نفسها، وهو ما تكفله جميع القوانين الدولية"، وقدم الشكر إلى واشنطن على دعمها لـ"إسرائيل".

في المقابل، تناغم بلينكن مع هرتسوغ ، عندما انتقد الدعوى المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية ضد "اسرائيل" بقوله ان "الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل تصرف انتباه المجتمع الدولي عن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"!!. دون ان يتطرق الى طبيعة هذا "الانتباه الذي يوليه المجتمع الدولي" لحل القضية الفلسطينية، في الوقت الذي تمنع امريكا هذا "المجتمع" من وقف مجازر بلاده وحليفته في غزة.

ومن المقرر أن تبدأ محكمة العدل الدولية، يوم غد الخميس، الاستماع إلى مواقف جنوب إفريقيا والكيان الاسرائيلي على مدار يومين، بشأن الدعوى التي رفعتها الأولى ضد الكيان، بهدف محاكمته على ارتكاب "جرائم إبادة جماعية" في قطاع غزة الذي يتعرض لحرب مدمرة منذ أكثر من 3 أشهر، ذهب ضحيتها ضمن أكثر من 23 ألف شخص، ثلثهم من الاطفال والنساء، كما دمر الكيان جزءا كبيرا من غزة ودفع جميع سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة للفرار من منازلهم، مما تسبب في كارثة إنسانية..

اللافت ان غضب هرتسوغ من جنوب افريقيا له ما يبرره، فقد ذكرت جنوب أفريقيا في قضيتها أمام المحكمة الدولية، هرتسوغ ومسؤولين إسرائيليين آخرين بالاسم، بأنهم عبروا عن نية الإبادة الجماعية للفلسطينيين، واستشهدت بتصريحات أدلى بها هرتسوغ بعد أيام من هجوم حماس، قال فيها إن المسلحين ليسوا وحدهم، وإنما "أمة بأكملها" هي المسؤولة عن العنف وإن "إسرائيل" ستقاتل "حتى نقصم ظهرهم". ناهيك عن تصريحات اخرى موثقة بالصوت والصورة لمسؤولين "اسرائليين" يصفون الفلسطينيين بـ"الحيوانات" ويطالبون بإباداتهم، وقتلهم وقطع الماء والغذاء والكهرباء والدواء عنهم، وتهجيرهم، واقامة مستوطنات "اسرائيلية" في غزة.

يرى خبراء القانون انه سيتم ادانة الكيان الاسرائيلي في محكمة العدل الدولية، لأن حجتها الأساسية هي "الدفاع عن النفس"، وقد رفضت المحكمة الدولية تلك الحجة مسبقا، قائلة إن "إسرائيل" هي المحتل المحارب، وليس لديها الحق في الدفاع عن النفس بموجب القانون الدولي أو المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ضد شعب محتل.

يرى خبراء القانون ايضا، ان الامريكيين الى جانب "الاسرائيليين" يعملون على تخريب دعوى جنوب افريقيا بطريقة ما، ولهذا زار بلينكن الشرق الأوسط، فالامريكيون متورطون في مساعدة وتحريض الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني ويكونون مذنبين، وذلك بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية التي تحظر التواطؤ والإبادة الجماعية، فضلا عن انتهاك الاتفاقية الخاصة بالحكومة الأميركية وقانون تنفيذ اتفاقية الإبادة الجماعية.

وفقا للقانون، كما يصرخ الخبراء، انه في حال ادانة الكيان الاسرائيلي، فسيكون ملزما في وقف عدوانه على غزة، ولكن المعروف عن الكيان انه لم ينصاع لاي قانون، لذلك سيتم إحالة القرار إلى مجلس الأمن، والذي سيواجه كالعادة الفيتو الامريكي، عندما تستطيع جنوب أفريقيا أن ترفع الأمر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتنفيذه بموجب قرار "الاتحاد من أجل السلام". وهذا سيعني عواقب وخيمة للكيان الاسرائيلي، لأن الجمعية العامة تستطيع تعليق مشاركة كافة أنشطة الكيان، وهذا بالضبط ما فعلته بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ويوغسلافيا التي ارتكبت الإبادة الجماعية. وعندها يمكن للجمعية العامة إنشاء "محكمة جنائية دولية لإسرائيل" على غرار المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، باعتبارها هيئة فرعية بموجب المادة 22 من ميثاق الأمم المتحدة، كا دعت الى ذلك ايران وماليزيا، سابقا، لمحاكمة كبار "المسؤولين الإسرائيليين".

العالم - احمد محمد