المؤامرة على سوريا .. تساقط الأوراق!

المؤامرة على سوريا .. تساقط الأوراق!
الثلاثاء ٠٦ سبتمبر ٢٠١١ - ٠٩:١٥ بتوقيت غرينتش

ورقة إطلاق النار من قبل قوات الأمن السورية على التظاهرات السلمية سقطت مع الفضائح المتعلقة بعمليات تهريب السلاح على نطاق واسع براً وبحراً من شمال لبنان وميناء السان جورج إلى المسلحين السوريين، وهي العمليات التي ارتفعت معها أسعار الأسلحة الحربية التي يتم تجميعها بمختلف الطرق في لبنان بنسب تتجاوز الـ 500 بالمئة.

ففيما يتجاوز التخريجات والبهلوانيات التي أنتجت تبرئة متهمين بتهريب السلاح، هنالك على الأقل، زلة لسان وزلة صورة تؤكدان صحة الأخبار المتعلقة بالتهريب.

 زلة اللسان أفلتت من أحد وجهاء الصف المعادي لسوريا في لبنان عندما أكد أن عمليات الجيش السوري يضبط  كميات كبيرة من الاسلحة من المجموعات الارهابيةالتهريب تجري على قدم وساق ليس فقط من الشمال والميناء المذكور، بل أيضاً من مناطق في البقاع.

أما زلة الصورة فتتمثل في صورة بثتها إحدى القنوات الفضائية التي تحولت، كالكثير غيرها، إلى منتدى إعلامي نشط في عدائه للنظام السوري: متظاهرون "سلميون" في إحدى التظاهرات السلمية في سوريا وهم يرفعون عدداً ملحوظاً من الأسلحة الحربية.

زلة صورة تتناقض مع إدعاء سلمية التظاهرات، اللهم إلا إذا كان المقصود منها إظهار جانب القوة بهدف التشجيع على حمل السلاح وتوجيهه إلى صدور المدنيين والعسكريين السوريين، وعلى التحريض على ضرب المرافق الاقتصادية السورية كما حصل في تفجير أنابيب النفط وسكك القطارات.

ومع سقوط هذه الورقة، بات من غير المنطقي التعامي عن أن ما يجري في سوريا، خصوصاً في ظل الحملات المحمومة التي تشن على النظام السوري من قبل عواصم الغرب وبعض العواصم العربية، هو تعبير عن محاولة يائسة لإسقاط النظام السوري في إطار الجهود الدولية والإقليمية المعلنة والهادفة إلى فك الارتباط بين سوريا من جهة، وإيران وحزب الله من جهة ثانية، تمهيداً لإدخال سوريا في نفق الاستسلام العربي أمام الكيان الصهيوني، على أساس أن وقوف سوريا الحاسم في وجه مشاريع الاستسلام وتمسكها بالسلام العادل هو أحد الأسباب الرئيسية لفشل هذه المشاريع من كمب دايفد إلى أوسلو ووادي عربة وبقية السلسلة الظاهرة والخفية.

ويأتي سقوط هذه الورقة في وقت سقطت فيه أوراق مجلس الأمن والتصريحات اللاهبة في واشنطن ولندن وباريس وبرلين وغيرها من بلدان الغرب، إضافة إلى أوراق ما يسمى بالمعارضة التي لا يستنكف بعض رموزها عن إجراء المقابلات مع التلفزيون الإسرائيلي، والتي تتنقل في مؤتمراتها التي يشرف عليها ويديرها ويجيّش لها صهاينة معروفون بين أنطاليا وبروكسل وباريس وإسطنبول وبرلين، وكل ذلك من دون حساب اللقاءات غير المعلنة التي يتم فيها صوغ المؤامرات وتحديد أشكال التمويل والتجييش والتخريب.

ولا ينتهي سيل الأوراق: بث إشاعات عن قيام سلاح البحرية السوري بقصف حي في مدينة اللاذقية. وقد دعمت تلك الإشاعات بصورة لسفينة حربية سورية كانت في الحقيقة تقوم بمهمة مراقبة الشاطئ لمنع عمليات تهريب السلاح.

ورقة أخرى، فتنوية بامتياز، تمثلت بترويج قصة مفادها أن قوات الأمن السورية قصفت مخيماً فلسطينياً بالقرب من اللاذقية. لكن قياديين في حركات المقاومة الفلسطينية كذبوا تلك الاشاعة وربطوها بسياسات سلطة رام الله الغنية عن التعريف لجهة تعاونها الأمني والسياسي مع الاحتلال بوصفها ركناً هاماً من أركان الاعتدال الاستسلامي العربي.

وعلى الأرجح أن ورقة مطالبة الرئيس بشار الأسد بالتنحي هي، بعد العرض الإسباني بمنحه ملتجأً في إسبانيا، هي، شأن هذا العرض، آخر الأوراق وأشدّها وهناً وضعفاً وإثارة للسخرية. فبعد أكثر من أسبوع كرر فيه مسؤولون أميركيون في طليعتهم الرئيس أوباما تبشيرهم بقرب إصدار قرار من قبلهم يطلب إلى الرئيس السوري التنحي عن الحكم، تراجعت هيلاري كلينتون عن ذلك معتبرة أن من الأصلح أن تضطلع تركيا والسعودية بهذه المهمة.

لماذا؟ لأنها، فيما يبدو، انتبهت إلى ما يعنيه الدخول المكشوف من قبل الولايات المتحدة، عدوة الشعوب وذات الأيدي الملطخة بدماء العرب والمسلمين، شأنها شأن حلفائها الغربيين والإقليميين، في حملة التحريض على سوريا، من تداعيات لا بد وأن تصب ـ عندما يحصحص الحق وينقطع خيط المراء واللجاجة والعناد ـ في مصلحة سوريا وشعبها وفي مصلحة الثورات العربية التي لا يمكن أن تثبت ثوريتها ومصداقيتها إلا من خلال المواجهة مع الكيان الصهيوني وأميركا وسائر المعسكر الغربي وملحقاته في المنطقة.

لكنه انتباه أشبه بالغفلة: حتى الآن لم تتقدم السعودية أو تركيا بهذا الطلب إلى الرئيس السوري، ربما لأنهما تدركان أن المزيد من التورط في معاداة سوريا لن يعود عليهما بغير انتقال الاضطراب إلى داخل حدودهما بعدما صار معلوماً أن بلداً في المنطقة لن يكون بمنأى عن شواظي النار التي ستتطاير من سوريا فيما لو تجاوزت المؤامرة حدود التهويش والتحريض.

لا بل إن عقارب الساعة بدأت تسير باتجاه العودة إلى خطب ود سوريا والرئيس بشار الأسد، من نانسي بيلوزي إلى نيكولا ساركوزي ورجب أردوغان وغيرهم. إنه زمن الوساطات التي بدأت تعكسها المكالمات الهاتفية والزيارات المفاجئة والتنقلات التي يجريها بين العواصم زعماء كانوا يحلمون قبل أيام بغمس أيديهم في دماء سوريا.

*عقيل الشيخ حسين

كلمات دليلية :