العالم – مقالات وتحليلات
لا نكشف سرا ان قلنا ان عملية "الوعد الصادق"، كانت منذ البداية محدودة النطاق ومخصصة للعقاب فقط، لذلك تم اختيار الأهداف المتورطة بالعدوان على القنصلية الايرانية في دمشق فقط، والتي تم استهدافها بصواريخ عالية الدقة، وهو ما يفسّر عدم وقوع قتلى أو خسائر كبيرة بين الصهاينة، رغم الكثافة السكانية المحصورة في جغرافيا ضيقة، ما يكشف ايضا عن وجود إشراف استخباراتي إيراني كامل على الخريطة الجغرافية للكيان الصهيوني.
نحن في هذه السطور لسنا بصدد تناول الجانب الميداني والعسكري وطبيعة الرد الايراني على العدوان الصهيوني، وهو جانب تم استعراضه بكثير من التفاصيل في اكثر من مقال، لذلك سنتناول في هذا المقال اهم الاهداف الاستراتيجية لعملية الوعد الصادق، والتي ستقلب موازين الصراع مع الكيان الاسرائيلي وحماته الغربيين وعلى راسهم امريكا.
قبل عملية الوعد الصادق، كان الكيان الاسرائيلي يعتبر خطا احمر للغرب وامريكا وحتى لبعض الانظمة العربية، والعبور من هذا الخط كان ضربا من المحال، بل والاقتراب من هذا الخط، كان يعني الاقتراب من المصالح القومية العليا للغرب وامريكا، ولكن بفضل شجاعة وبطولة القوات المسلحة الايرانية وحكمة وذكاء القيادة الايرانية، تم تجاوز هذا الخط الاحمر والى الابد، وباتت "اسرائيل التي لا تقهر" مكشوفة على حقيقتها، فهي لا تمتلك قوة الردع فحسب، بل اصبح وجودها على كف عفريت.
من اهم الاهداف الاستراتيجية لعملية الوعد الصادق، هو حرمان الكيان الاسرائيلي من قوة الردع النووي، فايران اثبتت ان بامكانهان وبأسلحة تقليدية ولكن متطورة، ان تلجم "اسرائيل" وتشلها، بل تحول مفاعل ديمونة النووي والترسانة النووية "الاسرائيلية"، الى نقطة ضعف، بل لعنة على الكيان، في حال تم استهدافها بالاف الصواريخ الفرط صوتية والدقيقة التوجيه والنقطوية.
السند الذي كان يتكئ عليه الكيان الاسرائيلي، عندما كان يعربد وعلى مدى عقود طويلة في المنطقة دون رادع، وهو الغرب، لم يعد بتلك القوة واخذ يتصدع، بعد عملية الوعد الصادق، فعندما يفشل الغرب الذي اجتمع على بكرة ابيه لصد 300 مسيرة وصاروخ ايراني، ورغم ذلك، دكت تلك الصواريخ والمسيرات قاعدة "نيفايتم"، ترى ماذا سيكون حال "اسرائيل" لو ارسلت ايران في المرة القادمة 3000 مسيرة وصاروخ، اكثر قوة وسرعة ودقة من تلك التي استخدمتها في الوعد الصادق؟، هذه الحقيقة ادركتها امريكا، وهذا الادراك هو الذي جعلها تلجم نتنياهو الغبي، وتمنعه من ارتكاب خطا سيكلف "اسرائيل" ويورط امريكا في مواجهة مع ايران، وانكشف كل ذلك بعد "الرد الاسرائيلي المسخرة"، فايران قرأت وبشكل واضح الرسالة الامريكية، وهي اننا غير مستعدين لمواجهة ايران عسكريا، بعد ان تأكد لها وبشكل لا لبس فيه، ان ايران على استعداد كامل لكل الاحتمالات، وهذا الاستعداد، هو الذي كان يقف وراء القرار الايراني الحازم مهما كانت تداعياته.
الهدف المهم الاخر من اهداف عملية الوعد الصادق والذي غفل عنه الكثيرون، المعلومات والبيانات الخطيرة التي حصلت عليها إيران، عن تقنية وآلية عمل ونقاط ضعف وقوة النظام الدفاعي الامريكي والاسرائيلي، مثل نظام باتريوت وثاد و القبة الحديدية وآرو ومقلاع داود، وهي بيانات كان من الصعب جمعها خلال سنوات، والتي ستكون ذات فائدة قصوى، في حال شنت ايران هجوما على الكيان، اذا ما تجرأ وارتكب ادنى حماقة في المستقبل.
اخيرا، اذا كان 50 صاروخا ايرانيا، تمكن من اختراق الدفاعات الامريكية والبريطانية والفرنسية والإسرائيلية وبعض الانظمة العربية، ودكت القواعد العسكرية للكيان الاسرائيلي، وهي جزء يسير من ترسانة ايران العسكرية، ترى كيف سيكون الحال عليه في الكيان الاسرائيلي، لو استخدمت ايران قوة نارية اكبر مما استخدمته في الوعد الصادق؟. الكاتب والضابط السابق في سلاح "المارينز" الامريكي سكوت ريتر، اجاب عن هذا التساؤل بقوله:" لو استمرت إيران على مدى أسابيع بضرب إسرائيل بالمسيرات فإنها ستعريها تماما.. ولا يمكن لأي دولة في العالم أن تدافع عن إسرائيل لو أرادت إيران ضربها.. ان إسرائيل في حالة من الصدمة وتعتمد على البروباغندا للتخفيف من الضربة، وان إيران فرضت نفسها كلاعب كبير في المنطقة".
سعيد محمد