بخطىً ثابتة.. 'جائزة سليماني' تكرّس حضورها في قلب المشهد الأدبي العربي

بخطىً ثابتة.. 'جائزة سليماني' تكرّس حضورها في قلب المشهد الأدبي العربي
الإثنين ٢٧ مايو ٢٠٢٤ - ٠١:٠٨ بتوقيت غرينتش

تأتي "جائزة سليماني العالمية للأدب المقاوِم" التي تنظمها "جمعية أسفار للثقافة والفنون والإعلام" في بيروت، لتتكامل مع الجهد المبذول منذ سنوات، من قبل العديد من الجهات والأطراف الثقافية والأدبية في لبنان وخارجه، لرفد وتزخيم الأدب المقاوِم وتنظيمه وتطويره، والارتقاء به فنياً إلى مستويات منافسة عربياً وعالمياً، كي يواكب الإنجازات النوعية التي تحققها المقاومة عسكرياً وأمنياً على الأرض، ويصير لائقاً بحمل اسمها وأمانتها العظيمة.

العالم - مقالات وتحليلات

وتأتي الجائزة لتسد نقصاً وتعوض غياباً للأدب المقاوم عن نقطة محددة هي الجوائز الأدبية، في ظل طفرة هذه الجوائز والتسليم بتحولها إلى جزء أصيل من أجزاء المشهد الإبداعي في الوطن العربي، لا يمكن تجاوزه ولا تجاهله ولا القفز من فوقه، ففضلاً عن كون تلك الجوائز لا تضم بينها جائزة مخصصة للأدب المقاوم، فإن معظمها يحمل أجندات سياسية واضحة ومعادية للمقاومة، يمكن إدراكها بسهولة بمجرد النظر في أسماء الدول والجهات المنظمة لها، وهي دول غارقة حتى قمة رأسها في مشروع التطبيع مع العدو، ما يجعل المبدع العربي مضطراً إلى تجنب أي إشارة في عمله إلى فلسطين أو إلى مفاهيم النضال والتحدي والرفض والمواجهة، لا من قريب ولا من بعيد، بل حتى إلى شيطنة هذا المفهوم وأهله أحياناً، كي يضمن عدم استبعاده من المنافسة. وثمة حالات كثيرة أكد فيها محكّمون لمشاركين في هذه الجوائز أن أعمالهم استحقت الفوز ولكنهم اضطروا إلى استبعادها انسجاماً مع أهواء المنظمين "التطبيعية".

من هنا، يمكن أن ننطلق في محاولة فهم أبعاد الهجوم الشرس على الجائزة في وسائل إعلام عربية تابعة لدول التطبيع، منذ انطلاقها قبل أربع سنوات، والمفارقة أن هذا الهجوم لم يجد ما يمكّنه من الطعن في شفافية الجائزة ومهنيتها ومعاييرها، فصوّب على اسمها، وهو اسم اختاره المنظمون عن سابق وعي وتصميم، وأعلنوه على الملأ، وهو ليس سراً خبيئاً يتباهى المنتقدون بكشفه كما لو كانوا قد وقعوا على "فضيحة" مكتومة.

ومن مقتضيات الشجاعة، اختيار المنظمين هذا الاسم تحديداً مع معرفتهم بكلفته العالية على صعيد الترويج للجائزة ونشر فكرتها واستقطاب أكبر عدد من المشاركين، في ظل تربع اسم الشهيد سليماني وبقية رموز مواجهة الاستكبار العالمي على رأس قائمة الكلمات التي تزعج العدد الأكبر من وسائل التواصل الاجتماعي فـ"تُعدَم" الحسابات والصفحات على أساسها، وفي ظل إدراك المبدع العربي أن مشاركته في الجائزة ستحرمه من الاشتراك في جوائز أدبية مماثلة في دول التطبيع، وفي هذا الإطار، لا بد من المرور على الحملة التي شنتها صحف عربية وحسابات على مواقع التواصل ضد أحد المحكمين في جائزة سليماني للمطالبة باستبعاده من لجنة تحكيم جائزة خليجية عقاباً له، وهي حملة تدل على مدى "رحابة صدر" أصحابها و"قبولهم للآخر" و"معاييرهم المهنية البحتة" في الفكر والنقد.

والحقيقة أن الجائزة نجحت رغم كل هذه القيود والعوائق والحملات في تثبيت حضورها في قلب المشهد الثقافي العربي، واستقطبت في دوراتها الثلاث الأولى مشاركات تزايدت أعدادها سنةً بعد أخرى، من دول عربية وغير عربية، هي لبنان وسوريا والعراق وفلسطين ومصر والجزائر وتونس والمغرب واليمن والأردن وموريتانيا وإيران ومالي وكندا والسويد، وشارك في تحكيم الأعمال المشاركة فيها نخبة من النقاد والأدباء والشعراء العرب.

وقد تحولت الحملة المنظمة ضد الجائزة إلى حملات استهدفت هؤلاء المحكمين بشكل شخصي، وفق المنطق ذاته الذي يفترض أصحابه أنهم يكشفون سراً أراد أصحابه إخفاءه، ويفصحونهم على الملأ، والمفارقة أن هذه الحملات استهدفت قامات عُرِفَ أصحابها منذ زمنٍ طويل باعتناقهم خيار المقاومة جهراً مثل الشاعر الراحل محمد علي شمس الدين، والشاعر والمترجم إسكندر حبش، والكاتب رشاد أبو شاور الذي غمز المنتقدون من قناة علمانيته، مفترضين ربما أن الجائزة متخصصة في "تفسير القرآن الكريم" لا في الرواية والقصة القصيرة والشعر والسيناريو!

كما انصرفت الانتقادات إلى القيمة المادية للجوائز، من زاوية حجمها الكبير، وفي هذه تلميح إلى كونها جزءاً من الميزانية الرسمية في إيران، ومشكلة هؤلاء أنهم لا يتصورون فعلاً مقاوماً من أي نوع غير مرتبط بإيران، سواء كان طعن فلسطيني لعدوه بسكين في الضفة الغربية، أم كتابة تونسيّ قصةً قصيرةً عن المقاومة، ولا يتورعون في الوقت نفسه عن اتهام إيران بالتخاذل والمتاجرة بالقضية!

والحقيقة أن الجائزة ليست مرتبطة بإيران ولا بحزب الله إلا من حيث اشتراكها معهما في الإيمان بأهمية المقاومة، وهو ما يعلنه أعضاء هيئتها الإدارية في كل مناسبة، وهي مموّلة من عدد من رجال الأعمال العرب المؤمنين بالمقاومة ضد الاحتلال، وبما قدمه الشهيد سليماني لهذه المقاومة وبضرورة تكريمه وإحياء ذكراه بكل وسيلة ممكنة، وقد اختار هؤلاء المموّلون إبقاء أسمائهم طي الكتمان ليكون عملهم خالصاً لله والمقاومة، رغم كونهم يعيشون في دول وبيئات حاضنة للمقاومة ولا يشكل لهم الأمر إحراجاً من أي نوع، وهذا العمل السري لا يفهمه إلا أهله - أهل المقاومة، وهذه الخصال لا يدرك كنهها من لم يملك مثلها.

أما الانتقاد الآخر لقيمة الجائزة فقد جاء من خلال التصويب على كونها تعتمد السبائك الذهبية، وفي هذه أيضاً لم ينجح المنتقدون في كشف "سر عظيم"، فالقيمون على الجائزة يصرحون علناً أنهم تجنبوا اعتماد الدولار الأميركي انسجاماً مع هوية الجائزة ومطلقيها الذين لا يرون في الولايات المتحدة الأميركية إلا قلباً ورأساً ومحوراً ومحركاً لمشروع الاستكبار، وفي "إسرائيل" إلا أداةً وتابعاً وقاعدة عسكرية متقدمة له، فضلاً عن كون الهوية العالمية الجامعة للجائزة تحتّم عدم اعتماد أيّ من العملات المحلية.

واليوم، تواصل جائزة سليماني خطاها بثبات، وتطلق دورتها الرابعة بالتزامن اشتعال جبهات المقاومة في معركة "طوفان الأقصى" المستمرة، ومن البركات الكثيرة لهذا الطوفان إعادته نبض الشارع العربي إلى أصله المقاوم الذي لم يغادره يوماً وإن كانت حملات الشيطنة المموّلة بميزانيات مفتوحة قد فرضت على أصحاب الفكر المقاوم الحذر في الإعلان عن أنفسهم، وقد زاد كل ذلك من اندفاع مبدعين عرب من أجيال وجنسيات مختلفة إلى الكتابة عن المقاومة وأبطالها وشعبها وإرسال نصوصهم إلى موقع جمعية أسفار كي تدخل المنافسة على المراتب الأولى في الدورة الرابعة من جائزة سليماني التي انطلقت مطلع آذار الفائت وتستمر حتى مطلع آب المقبل.

والمفارقة اللافتة، أنه في ظل الحصار المفروض على كل ما يرتبط بالمقاومة، قبل طوفان الأقصى وما تلاه من طوفان شعبي جعل عقوداً من حملات الشيطنة والتشويه هباءً منثوراً، لعبت الهجمة المنظّمة على "جائزة سليماني" دوراً ترويجياً عظيماً للجائزة لم تستطع القيام به بنفسها بسبب القيود المفروضة في العالمَين الواقعي والافتراضي.

لجان التحكيم.. أسماء عريقة تليق بحمل المهمة الثقيلة

شارك في تحكيم الجائزة على امتداد دوراتها المنصرمة ثلة من كبار الأدباء والنقاد والشعراء العرب، كلٌ بحسب اختصاصه، أبرزهم في فئة الرواية الأساتذة: رشاد أبو شاور من فلسطين، ومرشد أحمد من سوريا، وعبد القادر فيدوح من الجزائر، واسكندر حبش من لبنان.

وفي فئة القصة القصيرة الأساتذة: محمد القاضي من تونس، وصادق الصكر من العراق، وأحمد الخميسي من مصر، وعبدالله لالي من الجزائر.

وفي فئة القصيدة العمودية الأساتذة: أحمد بخيت من مصر، ومضر الآلوسي من العراق، وياسين بن عبيد ويوسف شقرة من الجزائر، بالإضافة إلى الشاعر الراحل محمد علي شمس الدين من لبنان.

وفي فئة سيناريو الفيلم القصير الأساتذة: حسن م يوسف من سوريا، وسعد العصامي من العراق، وعبد النبي دشين من المغرب، وسمير الجمل من مصر.

هؤلاء فازوا في الدورة الثالثة.. من سيفوز في الدورة الرابعة؟

شهدت الدورة الثالثة من جائزة سليماني العالمية فوز الفلسطينية رشا فرحات بالمرتبة الأولى في فئة الرواية، واللبنانية فاطمة زعرور في فئة القصة القصيرة، والعراقي نذير المظفّر في فئة القصيدة العَمودية، والسورية روز إسماعيل في فئة سيناريو الفيلم القصير.

ويحصل الأول في فئة الرواية على 60 مسكوكة ذهبية والثاني على 30 مسكوكة والثالث على 15 مسكوكة، أما في بقية الفئات فيحصل الأول على 20 مسكوكة ذهبية والثاني على 10 مسكوكات والثالث على 5 مسكوكات.

وتجدر الإشارة إلى أن نظام الجائزة ينصّ على استبعاد الفائزين سابقاً بالمراتب الثلاث الأولى في كل فئة من الفئات، من المشاركة في الدورة الجديدة، لإفساح المجال وإتاحة الفرصة أمام مبدعين آخرين لم يسبق لهم الفوز، فمن سيحرز هذا العام جائزة سليماني العالمية في الرواية والقصة القصيرة والقصيدة العَمودية، والقصة الموجّهة للناشئة التي انضمّت إلى فئات الجائزة للمرة الأولى؟