النووي.. الملف الوحيد على طاولة مسقط

النووي.. الملف الوحيد على طاولة مسقط
الأربعاء ٠٩ أبريل ٢٠٢٥ - ٠٥:٤٤ بتوقيت غرينتش

من المقرر ان يجري وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي والمبعوث الاميركي الخاص الى الشرق الاوسط ستيف ويتكوف مباحثات غير مباشرة يوم السبت القادم في العاصمة العمانية مسقط، وسيقوم وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي بدور الوسيط فيها.

العالم – مقالات وتحليلات

لم يكن هناك من يتوقع على الاقل قبل اسابيع قليلة، ان يكون الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الذي لم يكتف عن اطلاق التهديدات بقصف غير مسبوق وساحق وماحق يستهدف كل شيء في ايران، بل تجاوز مرحلة التهديد اللفظي الى مرحلة العمل لتنفيذه، عندما حرك كل ما تملك امريكا من قوة عسكرية ونقلها الى مناطق تحيط بايران، ان يكون هو نفسه من اعلن خبر ان مفاوضات "مباشرة" ستنطلق يوم السبت القادم بين ايران وامريكا وعلى اعلى المستويات في العاصمة العمانية مسقط. واللافت اكثر انه اعلن هذا الخبر بحضور رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي!.

ايران، وفي اطار سياسة حماية السلم الاقليمي والدولي مهدت فرصة لاختبار جدية ترامب والكشف عن مدی صدق مزاعمه، عندما ردت على رسالته الى القيادة الايرانية بنفس اللغة وكذلك النبرة ، التي استخدمها ترامب في رسالته، لحرمان ترامب من استغلال فرصة تسويق امريكا على انها الطرف الساعي الى اتفاق، بينما ايران هي الطرف الرافض والساعي الى التصعيد وزعزعة استقرار المنطقة.

الشيء الذي لا يجب ان يغيب عن بال اي مراقب سياسي، وهو ان شخص مثل ترامب ومجرم الحرب نتنياهو، هما اكثر شخصيتين مهووستين بالحروب والعدوان والدماء والبلطجة، لم ولن يلجآ بتاتا الى استخدام لغة الدبلوماسية لو كان بامكانهما تحقيق اي هدف من اهدافهما الخبيثة ضد ايران ،عبر استخدام الضغوط والحصار الاقتصادي والمؤامرات ، وكذلك استخدام القوة العسكرية، الامر الذي يكشف وبشكل لا لبس فيه، ان لا الحصار لم يفلح مع ايران و لا المؤامرات، ولا حتى التهديدات العسكرية، لذلك يحاول ترامب ان يجرب الخيار الدبلوماسي الذي لجأ اليه سلفه باراك اوباما مع ايران، عسى ولعل ان يحصل من ايران على ما لم يستطع الحصول عليه عبر الضغوطات والتهديدات.

ان على ترامب ان يفهم ان مفاوضات مسقط لن تكون مباشرة ولن تكون كما زعم، ولن تكون على طاولة المفاوضات سوى ملف واحد وهو الملف النووي، واذا اراد ترامب ان يمضي قدما في المفاوضات يفترض عليه اولا، كما قال وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي، ان يؤمن ايمانا قاطعا بانه لن يكون هناك خيار عسكري، ناهيك عن حل عسكري. فإي حرب في الشرق الاوسط ستكون كارثية ومن شأنها أن تمتد سريعا في جميع أنحاء المنطقة، وستكلف أضعافا مضاعفة من تريليونات الدولارات التي أنفقها أسلافه في أفغانستان والعراق. فالحشود العسكرية ترسل إشارة معاكسة تماما، وعليه ان يفهم ايضا ان ايران تفضل الدبلوماسية، لكنها تعرف كيف تدافع عن نفسها. ولم ترضخ أبدا للتهديدات في الماضي، ولن تفعل ذلك الآن ولا في المستقبل. ايران تسعى إلى السلام، ولكنها لن تقبل أبداً الاستسلام.

إقرأ ايضا ..أي تهديد للصناعة النووية الايرانية سيقابل برد مدمر وحاسم

عندما ترفض ايران المفاوضات المباشرة مع امريكا، فهذا الرفض نابع من قوة ايران وعدم اكتراثها بالتهديدات وعدم تسرعها في الوصول الى اتفاق لا يراعي مصالحها. كما ان هناك جدارا عاليا من عدم الثقة والشكوك في ايران بنوايا ترامب وجديته، تقف عقبة امام المفاوضات المباشرة، فالذي يبحث عن السلام وعقد اتفاق لن يلجأ الى سياسة الضغوط القصوى، ويرسل ما في مستودعاته من اسلحة، الى المنطقة. لذلك على ايران ان تعتبر مفاوضات مسقط فرصة لاختبار جدية ترامب وايمانه بالدبلوماسية، واحترامه على ما يتم الاتفاق عليه، لاسيما هو من مزق من قبل الاتفاق النووي دون ادنى مبرر، سوى انه امتثل لاوامر نتنياهو، كما كشف عن ذلك الاخير.

ايران تعرف جيدا مع من تتفاوض، كما ان العالم وخاصة الامريكيين يعرفون ايضا، فترامب رجل متقلب يهدد من جانب ويريد التفاوض من جانب، وهو اسلوب لا ينفع مع ايران، ولا مع اي دولة تحترم سيادتها، كما انه اسلوب يضع صاحبة في دائرة الاتهام، الاتهام بعدم الاتزان، وهذا الاتهام ليس من عندياتنا ، فهذه ليندسي موران المسؤولة السابقة في الاستخبارات الأميركية، تقول وبصريح العبارة في حوار إعلامي: أن "هذه التهديدات التي صدرت عنه (ترامب) مؤخرا هي تهديدات جوفاء، هو يعمد إلى التصريح بمثل هذه التهديدات وذلك من أجل أن يبث الفزع والخوف في قلوب خصومه وأعدائه، وأن يدفعهم إلى مفاوضات ما.. لا أعتقد أن ترامب هو مفاوض أمين صادق، طبعا هو أجرى عددا من الاتفاقيات والصفقات ولكنه تراجع عنها، عندما يتعلق الأمر بتنفيذها على الأمر الواقع هو شخص غير متزن.. لا يمكن التنبؤ بقراراته أو تصرفاته.

هذه المعرفة الايرانية بشخص ترامب، وكذلك بسلوكياته في ولايته الاولى ازاء ايران، كلها جعلت ايران تنخرط في مفاوضات مباشرة، من دون ان تهمل الخيارات الاخرى، فهي تجلس الى طاولة المفاوضات، ويدها في الوقت ذاته على الزناد، ردا على اي غدر امريكي او "اسرائيلي". كما ان ايران لن تضع المسرحيات الي يروجها الاعلام الاسرائيلي والامريكي عن وجود خلافات بين امريكا و"اسرائيل" ازاء ايران او المفاوضات مع ايران، او ان نتنياهو تفاجأ بقرار ترامب بالتفاوض مع ايران، في حساباتها فهي تجلس الى طاولة المفاوضات، وتعلم جيدا انه ليس هناك اي خلاف بين امريكا والكيان الاسرائيلي، ازاء ايران، وان الكيان ليس سوى قاعدة امريكية متقدمة في العالم الاسلامي، ولولا امريكا لاختفى الكيان منذ عقود طويلة.

ايران تؤمن بالتفاوض الهادف الى التحقق سلمية برنامدها النووي وانها لم ولن تسعى وراء السلاح النووي، وهو هدف التحقق منه في غاية السهولة، اذا صدقت نوايا امريكا، في مقابل رفع كل الحظر المفروض ظلما على الشعب الايراني. اما التفاوض حول السلاح الايراني التقليدي او سياسة ايران الاقليمية، فهو امر لم ولن يحدث لا اليوم ولا غدا، فلا يوجد بلد يمكن ان يساوم على اسباب قوته او يتفاوض حولها ، فبمجرد ان تتنازل عن سلاحك ، فلن تجد من يدافع عنك، بل ستكون هدفا سهلا لمجرمي الحرب والقتلة، كما نشهد اليوم في غزة وسوريا ولبنان.

نتمنى ان تكون الحقائق الايرانية الصلبة فرضت نفسها اخيرا على ترامب، فايران وبعد اكثر من اربعة عقود من الحصار باتت اكثر قوة ومنعة. وكما قال الرئيس الايراني مسعود بزشكيان، انه "كلما ضغط العدو أكثر، أصبحنا أقوى، وكلما زادت التهديدات، أصبح صمودنا أقوى". فاذا ارادت امريكا ان تجد لها مكانا في السوق الايرانية، ليس امامها الا ان تتحدث بلغة محترمة مع ايران، فليس هناك في ايران من يفهم لغة التهديد والوعيد، وان تجربة اكثر من 4 عقود يجب ان تكون كافية حتى لشخص مثل ترامب.