الجولاني يبيع سوريا لـ'إسرائيل' بـ'صكوك أمنية مجانيّة'

الإثنين ١٢ مايو ٢٠٢٥
٠٩:٣٧ بتوقيت غرينتش
الجولاني يبيع سوريا لـ'إسرائيل' بـ'صكوك أمنية مجانيّة' في الوقت الذي تبدو فيه خريطة الشرق الأوسط تتغير بهدوء من تحت الطاولة، تتحول سوريا، التي كانت يومًا رمزًا لدعم حركات المقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي، إلى قاعدة أمامية لتصفية ما تبقى من معاني السيادة والممانعة والمقاومة، تحت حكم "الشيخ الأمير" أبو محمد الجولاني، زعيم تنظيم هيئة تحرير الشام.

العالم - مقالات وتحليلات

أو كما يحلو لجماعته تسميته "الحاكم الفعلي" لسوريا، وإن كان هذا اللقب يناقض حقيقةً لا يمكن إنكارها، وهي أن البلاد يحكمها أمراءُ حربٍ كلٌّ في ولايته تحت مظلةِ وطنٍ اسمه سوريا.

في هذه الخرائط الجديدة، لم تعد الخيانة بحاجة إلى توقيع رسمي، ولا بيع الأرض يحتاج إلى طاولة مفاوضات. فها هم السوريون أمام فصل من التنازل المهين: سوريا، آخر معاقل المقاومة، تتحول بهدوء إلى منطقة مفرغة من وظيفتها الوطنية، تحت سلطة أمير حرب سابق في تنظيم القاعدة، يتحسس طريقه إلى تل أبيب من تحت الطاولة.

أبو محمد الجولاني، الذي بدأ مشواره بيعةً للظواهري ووعوداً بالخلافة، صار اليوم رجل تركيا، وشريك أجهزة غربية، وأداة وظيفية في لعبة إقليمية أعقد من شعاراته القديمة. رجل يسعى إلى شرعنة نفسه دولياً من أكثر الأبواب دناءة: "السلام الأمني مقابل تثبيت الحكم"، محاولاً أن يصبح لاعباً يقف على رؤوس أصابعه ليبدو أطول مما هو عليه، في ظل هندسة إسرائيلية للمنطقة، لا يتجاوز دور الجولاني فيها أكثر من كونه أداةً لتصفية الفصائل المقاومة الرافضة للاحتلال، وتحييد سوريا من معادلة الصراع الإسرائيلي.

من "سنصل إلى القدس" إلى "لن نشكّل أي خطر على إسرائيل"
ظنّ الجولاني أنه نزع عن جلده ثوب الإرهاب بإجرائه مقابلة مع قناة سي إن إن، وصف فيها مجازره وفظائعه بـ"طيش شباب"، إلا أن شعاره الأشهر "سنصل إلى القدس بعد تحرير دمشق" أصبح ماضٍ مسمومٍ بفكرٍ إرهابيٍ متطرف أكل الدهر عليه وشرب.

إذا ما وضع القارئ الشعارات جانباً، واطلع ولو بشكلٍ سريع على مضامين التقارير الغربية والحوارات الموجّهة مع الجولاني، وصولاً إلى تصريحاته من قصر الإليزيه في باريس، فسيجد هذا القارئ نفسه أمام مشهدٍ مدوٍ: أمير "تحرير الشام" الذي تبجّح كذباً ونفاقاً بالوصول يوماً إلى القدس، أصبح حارس بوابة أمنية، ضمن معادلة تريح تل أبيب وتُقلق من تبقى من الحالمين بوطنٍ ذي سيادة.

اقرأ المزيد:

مصادر: ترامب سيلتقي بن سلمان وعباس وعون والجولاني في قمة الرياض

خلال السنوات الماضية، حاولت الهيئة إعادة تشكيل خطاباتها ومقاربتها الإقليمية، علّها تُقنع بعض المغفّلين أنها أصبحت أقل تطرفاً عما كانت عليه. لم يكن ذلك محض صدفة، بل نتاج عمل تراكمي شاركت فيه أطراف متعددة، بينها مراكز أبحاث غربية وأجهزة أمن إقليمية، وفق تقرير لمجموعة إدارة الأزمات الدولية "International Crises Group"، فإن هيئة تحرير الشام "قدمت عبر وسطاء عروضاً تفيد أنها لن تسمح بأي عمل عسكري ضد إسرائيل" وأن هناك مساعٍ غربية "لترويض الهيئة وتحويلها إلى شريك مستقر في منطقة لا تحتمل الفوضى".

وفي تقرير آخر نشره موقع "Middle East Eye" في عام ٢٠٢٢، أكد مسؤولون غربيون أن الجولاني أرسل إشارت متعددة، منها عبر وسائط أتراك، مفادها أن "إسرائيل ليست أولوية"، وهو ما أوضحته الباحثة في معهد واشنطن، إليزابيث تسوركوف، في مقالةٍ لها، أشارت فيها إلى أن "الهيئة لم تعد ترى إسرائيل كعدو. بل ترى أنها يجب أن تنأى بنفسها عن أي ملفٍ فلسطيني، لأن ارتباطها به يعني نهاية حلمها بالشرعية".

هذه الرسائل، وإن لم تكتب كاتفاقيات، فإن مفاعيلها واضحة على الأرض. لا عمليات ضد "اسرائيل" رغم احتلالها أراضٍ في الجنوب السوري. لا خطاب إعلامي ديني يُحرك الجماهير ضد التطبيع والاحتلال، كما حرّكها ضد السوريين أنفسهم في الساحل، وصحنايا وجرمانا والسويداء، ولا حتى صيحات "الموت لإسرائيل" في أي جمعة من جمعات سوريا، بل هناك قمعٌ لأي مشروعٍ مقاوم، ما يجعل الجولاني "ضامناً ضمنياً لأمن إسرائيل"، رغم محاولة البعض تصوير الاعتداءات الإسرائيلية بأنها خوفٌ اسرائيلي من حكومة ولدها المطيع، وإظهار الجولاني بموقف القائد الذي سيحرر البلاد وصولاً إلى الأقصى.

نتائج كارثية وخرائط بلا فلسطين
لم يقتصر التحول على السلوك العسكري أو الميداني. تحت حكم الجولاني، اختفت أي إشارات إلى فلسطين، أو ذكر للكيان الإسرائيلي بوصفه عدوًا. الإعلام وإن وجد، بات منشغلاً بسحق الأقليات تحت ذريعة "فلول النظام، أو بخطاب "ديني مؤسلم " منزوع السياسة.

ففي صولات الجولاني الأخيرة، لم يذكر "إسرائيل" على الإطلاق إلا من باب "طمأنة مدفوعة الأجر"، فما لم يُحكى كثيرًا، هو أن مئات الناشطين، بمن فيهم مؤيدون سابقون لفلسطين، تم تغييبهم في سجون الهيئة. بعضهم كُتب عليه "الاعتقال بسبب التواصل مع مجموعات مشبوهة"، وهي تهمة باتت تشمل كل من يرفض الصفقة التي نُسجت على عجل: احكم مقابل السكوت عن "إسرائيل".

بحسب تقرير لـ"سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، فإن عشرات من الصحفيين والمدنيين اعتُقلوا أو خضعوا للتحقيق بسبب منشورات تعبّر عن مواقف معادية لـ"اسرائيل"، أو لتواصلهم مع شخصيات إعلامية فلسطينية.
ما يُقلق حقًا ليس فقط انعدام الخطاب المقاوم، بل أن هذا التحوّل يُولّد نتائج كارثية طويلة المدى، تشمل تقويضاً للذاكرة الوطنية، تتحول فيه سوريا إلى مجرد كيان وظيفي منزوع الوعي. يختفي الحديث عن الاحتلال، وتُهمَّش قضية الجولان، ما يخلق أجيالاً لا ترى في إسرائيل خطراً ولا في المقاومة ضرورة.

اقرأ المزيد:

الجولاني: دمشق تخوض مفاوضات غير مباشرة مع 'إسرائيل'!

لا تقف الكارثة هنا، بل تمتد إلى إضعاف العمق الفلسطيني، فمع تحول سوريا إلى منطقة حظر على أي وجود داعم لفلسطين، تتلقى المقاومة طعنة في خاصرتها المفترضة. فلم تعد هناك بيئة سورية حاضنة لها، وإنما استنساخٌ لنموذج لحد كما فعلت إسرائيل في حرب لبنان بدعم ميليشيا أنطوان لحد، ما يمهّد إلى إنشاء كياناتٍ سوريةٍ جهادية متناحرة فيما بينها، "منزوعة المخالب" في وجه إسرائيل، تحمي حدودها دون أن تطلق رصاصة.

هذه الصفقة الخطيرة، تعزز فكرة أن الطريق إلى الحكم الجديد يمر عبر التنازلات لإسرائيل، ولا تندرج تحت بند "التطبيع السياسي" المعروف بين الدول، بل هو "تطبيع أمني مجاني" لا توقع إسرائيل فيه اتفاق سلام، ولا تُقدِّم للجولاني شيئاً. لكنها تحصد الثمار.

ما يفعله الجولاني لا يُسمى براغماتية، ولا حتى واقعية سياسية. إنه ببساطة خيانة وطنية ممنهجة، تُفرّغ فيها البلاد من مضمونها وتتحول إلى "بوليس ديني-أمني"، وتُقايض السيادة بالأمان الشخصي، خيانة تُغتال فلسطين في خطاباتها، وتُدفن القضايا الكبرى في تراب الوطن.

بيع الوطن ليس حلاً، بل فضيحة مؤجلة
الجولاني، الذي لم ينتخبه أحد، لم يبع سلاحه فقط. لقد باع فكرًا، ودمًا، وخرائط، وذاكرة. لقد باع صمتًا استراتيجيًا لإسرائيل، مقابل بقاء ميليشيا تحكم بالقبضة الحديدية، باسم الإسلام تارة، وباسم الاستقرار تارة أخرى.

لن تُدوَّن هذه المرحلة في كتب الجغرافيا فقط، بل في سجلات العار الوطني. سوريا لم تعد وطناً، بل مختبرًا لصناعة الحكم الوظيفي، حيث يكون الحاكم مجرد وكيل، والسيادة سلعة، وفلسطين قضية محظورة. وإن كان الجولاني قد باع هذه الرقعة، فإن ما ينتظره أبعد من محكمة، وأقرب إلى حكمٍ شعبي سيتجاوز كل الدعاوى الإعلامية. فمن يفرّط بوطن لصالح إسرائيل، لن تمنحه تل أبيب شرعية... بل سقطات متكررة، تضمن فقط موته السياسي القادم.

بقلم: أحمد علي إبراهيم
صحفي ومحلل سياسي سوري

0% ...

آخرالاخبار

منتخب إيران للتايكواندو یحصد ذهبيتين في بطولة العالم للشباب


اتفاق غزة بين الاعتداءات الإسرائيلية وخطة ترامب


بعد هلاك 'أبو شباب'.. داخلية غزة تدعو المرتبطين بالاحتلال للاستسلام


الرئيس الروسي.. سنواصل 'دون انقطاع' تصدير الوقود للهند


متحدث الفيفا يرحب بحضور ممثلي إيران في حفل قرعة كأس العالم


فنزويلا تواجه عزلة جوية بعد وقف شركات طيران رحلاتها إليها


منصّات التواصل تغلي.. تعيين"كرم" يفجّر عاصفة جدل على المنصّات اللبنانية!


مسؤول أممي يدعو للضغط على كيان الإحتلال لإنهاء خروقاته


بيان لرئاسة العراق حول إدراج حزب الله وأنصار الله على قائمة الإرهاب


موقع أكسيوس يكشف خطة ترامب للمرحلة 2 من إتفاق غزة