ورغم التوترات الميدانية، انعقدت المفاوضات بمشاركة الوفدين الروسي والأوكراني، وبوساطة تركية مباشرة، حيث ترأس الجلسة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، بحضور رئيس الاستخبارات التركية إبراهيم قالن.
وأعرب فيدان في كلمته الافتتاحية عن أمله في أن تُسهم المحادثات في تقليص الفجوات بين الطرفين، قائلا "نؤمن بأن الحوار هو السبيل للاقتراب من السلام، وندعم هذه المبادرة التي قد تفتح بابا نحو حلول في قضايا أمنية وغذائية خطرة".
وبحسب تصريحات فيدان، تناولت المفاوضات مواقف الأطراف المختلفة حول وقف إطلاق النار، حيث أبدى كل طرف استعدادا لمناقشة آفاق وقف النار والالتزام بتحقيق تقدم في هذا الملف، إلى جانب بحث القضايا الإنسانية الحيوية مثل تبادل الأسرى.
وصرح متحدث باسم الخارجية التركية أن الجلسة "لم تتمخض عنها نتائج سلبية"، ما عُدّ مؤشرا على استمرار خطوط الاتصال دون تقدم حاسم.
من جانبه، قال وزير الدفاع الأوكراني رستم أوميروف، رئيس الوفد الأوكراني، في مؤتمر صحافي عقب اللقاء، إن الجانبين توصلا إلى تفاهم بشأن تبادل جديد للأسرى، يركز على المصابين بجروح خطيرة وصغار السن، إلى جانب إعادة رفات القتلى.
وأكد أن كييف اقترحت عقد لقاء قمة بين زيلينسكي وبوتين قبل نهاية يونيو لحسم القضايا الجوهرية.
ورغم الأهمية الرمزية للجولة، انتهت المحادثات بعد ساعة واحدة فقط، دون الإعلان عن اتفاقيات ملموسة.
"خارطة طريق" أوكرانية للسلام
وكان مسؤولون أوكرانيون قد كشفوا أن وفدهم حمل معه خارطة طريق مكتوبة للتسوية، تنص على وقف إطلاق نار لمدة 30 يوما، يعقبها تبادل شامل للأسرى وعودة الأطفال الأوكرانيين الذين نُقلوا إلى المناطق الروسية.
وتشمل المقترحات أيضا رفض أي قيود مستقبلية على قدرات أوكرانيا العسكرية وعدم الاعتراف الدولي بسيطرة روسيا على أي أراض أوكرانية.
وقال المفاوض الروسي فلاديمير ميدينسكي إن الوفد تسلم مذكرة تفاهم من الجانب الأوكراني مكتوبة باللغتين الأوكرانية والإنجليزية، موضحا أن بلاده "ستدرسها بدقة".
وأعربت موسكو عن رغبتها في تحقيق نتائج ملموسة، فيما شدد الكرملين على ضرورة سرية المواقف التفاوضية، معتبرا أن تسريبها للإعلام يقوّض فرص التوصل لاتفاق.
استقالات داخل الجيش الأوكراني
على خلفية الخسائر، أعلن القائد الأعلى للقوات البرية الأوكرانية ميخايلو دراباتي استقالته، مشيراً إلى أن "الإفلات من العقاب وغياب المساءلة سم قاتل في صفوف الجيش". وجاءت هذه الخطوة لتفتح باب التساؤلات حول مدى الانسجام في الإدارة العسكرية الأوكرانية خلال هذه المرحلة الدقيقة.
وتُعد جولة إسطنبول الثانية هي الأولى منذ أكثر من ثلاث سنوات التي تجمع الطرفين في مفاوضات مباشرة بوساطة تركية، بعد جولة أولى عُقدت في مايو الماضي أسفرت عن تبادل 1000 أسير مقابل 1000، بينما عبّرت موسكو حينها عن رضاها المبدئي، شددت على ضرورة القضاء على ما وصفته بـ"أسباب الصراع الجذرية".
وفي ظل هذا التصعيد المتبادل والمواقف المتباعدة، تبقى فرص تحقيق اختراق دبلوماسي حقيقي محدودة، ما لم يتم الدفع بقوة نحو اجتماع رئاسي مباشر، وفق ما اقترحه الوفد الأوكراني، وتوفر ضمانات دولية حقيقية تضمن تنفيذ أي اتفاق محتمل.
جدير بالذكر هو أنه، بدأت المباحثات رسميا خلف أبواب مغلقة بعد الكلمة الافتتاحية، وسط توقعات بعقد مؤتمر صحفي للوفد الروسي فور انتهاء الجلسات، فيما لم يصدر الوفد الأوكراني بيانات رسمية حتى الآن.
ويهدف الوفد الروسي، المكلف من الرئيس فلاديمير بوتين، إلى تحقيق سلام دائم، والقضاء على الأسباب الجذرية للنزاع، وضمان اتباع نهج بناء في مسار المفاوضات.
ويأتي ذلك وسط ترقب إقليمي ودولي لنتائج هذه المحادثات التي قد تمهد لعقد لقاءات على مستوى القادة.
من جهته، دعا الكرملين إلى الحفاظ على سرية المواقف التفاوضية وعدم الإفصاح عنها عبر وسائل الإعلام، في حين تراهن تركيا على نجاح هذه الجولة لتثبيت خطوات نحو وقف إطلاق النار وإعادة بناء الثقة بين الطرفين.
وتتابع دول المنطقة والعالم بأسره هذه المفاوضات عن كثب، إذ يرون فيها بارقة أمل لإنهاء واحدة من أكثر الصراعات تعقيداً في السنوات الأخيرة، مع الآمال المعقودة على الدور التركي والجهود الأمريكية لتحقيق تسوية سياسية تنهي معاناة المدنيين وتعيد الاستقرار إلى المنطقة.