في خضم رحلة طويلة مليئة بالتحديات والمفاجآت، وصل لرحالة الأيرلندي سویا جونز إلى إيران. بلد لم يكن يتوقع أن يترك فيه أثرًا بهذا العمق، حتى تحوّل فيديو وداعه إلى رسالة حب مؤثرة انتشرت على نطاق واسع بين الناس.
هذا الفيديو القصير لا يسجل مجرد مشهد، بل يفتح نافذة على الروابط الإنسانية العميقة التي تتجاوز الحدود والسياسة، وتقرّب القلوب من بعضها. ويظهر لماذا تُعد إيران بالنسبة لكثير من المسافرين ليست مجرد بلد… بل شعور لا ينسى.

كيف قلبت إيران كل ما كان يظنه هذا الرحالة عن الشرق الأوسط؟
يبدأ الفيديو بهذه العبارة اللافتة:
"البلد الذي تلقيت أكثر التحذيرات بشأنه… لكنني أتمنى لو لم أُضطر إلى مغادرته بهذه السرعة."
بهذه الجملة، يكسر الرحالة حاجز الخوف الذي تبنيه وسائل الإعلام، ويسرد تجربته الحقيقية في إيران قائلًا:
"أولئك الذين نصحوني بألا أذهب إلى إيران، لم يعرفوك حق المعرفة."
رواية مختلفة، يسعى من خلالها إلى دحض الصور النمطية التي ترسمها وسائل الإعلام.
طهران… المدينة التي لا تُغادر القلب
"أنت المدينة التي كتبت عنها كثيرًا، لكنني لا أريد مغادرتها سريعًا."
بهذه الكلمات، يصف تعلقه بمدينة لم تكن وجهة عابرة، بل محطة تحوّلت إلى بيت. مدينة رأى فيها ما لم تنقله شاشات الأخبار.
ما لا تنقله الكاميرات!
"في الأخبار، لا نرى سوى الصور المخيفة. لا نرى الطلاب الذين يدرسون بجد، ولا من يحاولون الانخراط في السياسة بطريقة واعية. لا نرى الآباء الذين يحبون أبناءهم حبًا يفوق أي إعجاب في وسائل التواصل الاجتماعي."
"نرى فقط فتاة ترتدي الحجاب، ولا نرى المقاومين، أو الذين يتحكمون بالمشهد، أو أولئك الذين يحولون أموالهم القليلة إلى حياة كريمة لأطفالهم"..
لماذا لا تُدرج إيران على قوائم السفر؟
"ربما لهذا السبب لا تُدرجين على قوائم السفر، ولهذا لا نرى كيف لبلد خرج من 50 عامًا من التحديات أن يمتلك مطارًا بهذه الروعة".
الكرم لا يُشترى
"كل ما لديك قد لا يقاس بالمال، لكن لديك ما لا يشترى: الكرم، والدفء، والناس الذين يقدمون لك الطعام، ويقودونك بسياراتهم في البرد، ويفتحون لك أبواب منازلهم، كي لا تبقى أبوابك موصدة."
كل باب مفتوح... دعوة لاكتشاف الطيبة
"كل بيت أدخله كان يعلمني شيئًا جديدًا عن الطيبة الصامتة، عن القلوب التي لا تقاس بكثرة الكلام، بل بكثرة الحضور، وبالاستعداد الدائم للمساعدة."
ثق بالناس… وسيأخذونك إلى أماكن لا تتوقعها
"تعلمت منك أن أثق بالناس. عندما يقول لي أحدهم "اتبعني"، أفعل، لأنك تُشعرينني أن في كل طريق احتمالاً لاكتشاف شيء جديد: عمل مشترك، أو مأوى دافئ أنام فيه ليلتي."
مشاهد لا تُلتقط بعدسة
"في بعض الليالي، كنت أتوقف عن التصوير كي أحتفظ بتلك اللحظة في قلبي، لأنها كانت أصدق من أي صورة..ليالٍ عديدة قضيتها فيك، كانت مليئة بكل شيء: من الحر الشديد إلى الضرورة والابتسامة، وكنتُ طوالها أُخفي أسراري، كي ألتزم بقوانينكِ الصامتة حول الخصوصية."
أسرار طهران... لعبة بولينغ لا تنتهي
"كانت أسرارك مثل لعبة بولينغ… تحاول إسقاطي، ثم تساعدينني على النهوض. كنت مزعجة أحيانًا، لكنك دائمًا تمنحينني الدفء الذي يجعلني أواصل..كنت تتحدثين إلي أحيانًا بلغة "ميمز سبونج بوب"، وأحيانًا بلغة صائدي السرعة."
نقل عام يُنافس مدن أوروبا في بلد محاصر
في سخرية ضمنية من واقع البنى التحتية في بلاده، عبّر الرحالة عن إعجابه بمترو طهران:
"بلد تحت العقوبات… ومع ذلك يملك شبكة نقل تُضاهي كبرى العواصم..كان كل شيء غريبًا ومفاجئًا، لكنك لا تعرفين أبدًا متى ستصادفين أيرلنديًا يجلس في محطة قطار في ورطة، أو كوريًا عائدًا من رحلة في إسطنبول".
لن أزعم أنني كنت صادقًا طوال الوقت، لكنها الحقيقة التي أشعر بها الآن: لم يستغرق الأمر أكثر من أسبوعين وطريق طويل إلى المدينة للحصول على الفيزا، لكن أشخاصك قد يقضون حياتهم كاملة يحاولون الخروج منها.
هكذا يصف الرحالة كرم الناس العاديين
كما أشاد بكرم الضيافة لدى الإيرانيين:
"هناك من يفرغ شجرته من الثمار كي يملأ كيسك، وهناك من يتوقف ليعطيك الشاي أو يملأ زجاجة مائك بماء مثلج. فيك، شعرتُ أحيانًا أنني مليونير في الليل، لكني كنت أرى من يعمل طوال اليوم ليؤمن أبسط متطلبات الحياة.
"شكرًا على هذا الشهر"... نهاية لا تُشبه النهايات
وتختتم رسالته بهذه الكلمات المؤثرة: "شكرًا على هذا الشهر، استمروا في السعي وراء أحلامكم… وأنا بانتظار لقائنا من جديد بكل شوق."
كلمات تعبر عن امتنان عميق. إذ لم يكن هذا الشاب في رحلته داخل إيران مجرد سائح غريب، بل شعر كأنه فرد من عائلة كبيرة.
كرم الضيافة السخي، الابتسامات الصادقة، والطيبة التي غمرته، جعلت من إيران بالنسبة له أكثر من مجرد وجهة جغرافية.
